قضية فلسطين في صميم الثورة العربية
بقلم: الفضل شلق
كيف لا تكون قضية فلسطين في صميم الوجدان الذي يصنع الثورات العربية برغم أن الشعارات المطروحة هي شعارات الكرامة، التي تشمل الحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية؟!
يبدو في الظاهر لمن تخلى عن قضية فلسطين أنها لم تعد واردة عند الشعوب العربية. ويبدو في الباطن أن القضية التي ما زالت في الصميم هي جوهر القضية العربية. يعكس كل من الموقفين وجهة نظر. الأكثر فائدة هو الرجوع إلى الثورة، لنتفق على أنها ثورة وأنها عربية وأنها شاملة.
عندما رفضت شعوب الاتحاد السوفياتي معادلة: دعوا لنا /كرامتكم/ وحريتكم الآن، وسوف نعطيكم الخبز في المستقبل، سقطت هذه الدولة الكبرى. والآن ترفض الشعوب العربية الاستقرار والاستبداد لقاء أن تعمل هذه الأنظمة من أجل استرداد فلسطين في المستقبل. هي تعرف أنه لا خيار بين هذا وذاك؛ بل الخيار الجدي هو الاثنان معاً. الحرية وفلسطين معاً. هما وجهان لعملة واحدة، لقضية واحدة، لنضال واحد.
يعرف العرب ارتباط أنظمة الاستبداد بهيمنة الغرب وبدعم هذا الغرب لإسرائيل. عندما يسقط الخوف من أحد أطراف هذا المثلث، يسقط الخوف من طرفي المثلث الآخرين. تعرف الشعوب العربية أن حريتها كمجتمعات وكأفراد تعني حريتها في اختيار دولها جميعاً، بما في ذلك دولة إسرائيل. مَن يجرؤ على دولة يجرؤ على أخرى، بل على أخريات. تعرف الشعوب العربية أن كرامتها التي تناضل لتحقيقها يجب أن تكون كاملة، ويجب أن تشمل التحرر من الاستبداد في الداخل ومن السيطرة الخارجية، بما فيها إسرائيل. تعرف الشعوب العربية أن مطلبها في الكرامة ليس مطلباً انتقائياً بل يشمل كل من يسكن الأرض العربية، سواء كان عربياً أو غير عربي. تعرف الشعوب العربية أن الكرامة، الفردية والاجتماعية، تسترد في مجتمع مفتوح يتساوى فيه الأفراد من جميع الأديان والإثنيات والقوميات، وحتى في القبائل والعشائر؛ وأن هذه جميعها سوف تتفتت لا تحت وطأة الثورة، فحسب، بل بفعل المجتمع المفتوح الذي نرى بشائره في تونس ومصر والذي يواجه تحالف العسكر والإسلام السياسي؛ يواجه كل السلطات المستبدة سواء كانت عسكرية أو دينية أو امبريالية. ويعرف العرب أيضاً أن مطلب التنمية الصناعية والتنمية الزراعية وغيرهما، وليس فقط الاعتماد على المعونات والاستثمارات، لا يتحقق (أي مطلب التنمية) إلا بسواعد العرب في العمل والإنتاج، وأن المجتمع المنتج هو الذي يسترد حقوقه؛ ومن أهم هذه الحقوق حق العيش الكريم وحق الحرية. إن إسرائيل التي أقامت حولها الأسوار والجدران وأساليب التمييز العنصري لن تبقى في منأى عن عواصف الثورة العربية. لا يمكن وقف العواصف في أي اتجاه. وضع يهود إسرائيل أنفسهم في سجن كبير؛ والآن تنهدّ جميع السجون أمام عاصفة التحرر.
يحاول الغرب مصادرة الثورة العربية واحتواءها؛ تتعاون معه قوى الاستبداد، من أجل ذلك. وإسرائيل التي تعتمد على مساعدة الغرب مضطرة إلى المساهمة مع الغرب بما يتضمن الثورة المضادة.
يعمل العرب على ترسيخ وحدة دولهم؛ وصولاً إلى الوحدة العربية الشاملة، على المدى الطويل. يسقط التقسيم عند العرب ويسقط أيضاً في فلسطين. لذلك فإن حل الدولتين صار بحكم المستحيل الآن. تتلاشى الحدود لدى العرب، وتتلاشى الحدود أيضاً بينهم وبين فلسطين. حل الدولة الواحدة في كل مكان. هذا هو مطلب الشعوب العربية الثائرة. ألا نرى الثورة المضادة في كل مكان تهدد شعبها بالتقسيم إذا استمرت الشعوب في نهوضها؟
منذ أكثر من قرنين، تسعى الإمبراطورية إلى إعادة تشكيل نفسها في مواجهة كل ثورة أو انتفاضة عربية. سيأتي يوم فشلها. نشهد بداية هذا الفشل في هبوب الثورة العربية وفي شمولية ما تطرحه من مطالب في الحرية والكرامة والتنمية لكل العرب. انتصار الإمبريالية ليس حتمياً. حين يسقط الاستبداد يسقط معه حلفاؤه. وحين تسقط الإمبريالية يسقط حلفاؤها في الداخل العربي، بما في ذلك إسرائيل. لا أحد ينجح في مواجهة شعوب ثائرة. الثورة ما زالت في بدايتها، وإن غداً لناظره قريب.
المصدر: السفير