القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

قنابل مخيّم عين الحلوة... رسائل الـ«مايسترو» بقدرته على التوتير والتفجير ساعة يشاء

قنابل مخيّم عين الحلوة... رسائل الـ«مايسترو» بقدرته على التوتير والتفجير ساعة يشاء

بقلم: هيثم زعيتر

الحِراك الشبابي الذي تشهده العاصمة بيروت ومناطق عدّة، مطالِبةً بانتخاب رئيس للجمهورية، وتطال مختلف مناحي الحياة، يكاد يطغى على الأحداث التي يشهدها لبنان باستثناء:

- محاكمة إمام "مسجد بلال بن رباح" الموقوف الشيخ أحمد الأسير، بتهمة الاعتداء على الجيش اللبناني وتنفيذ أعمال إرهابية.

- الوضع القلق في مخيّم عين الحلوة تفجيراً بين حين وآخر، وإنْ بوتيرة مختلفة.

وما شهده المخيّم خلال الأيام الماضية من إلقاء قنابل، كان البعض يعتقد للوهلة الأولى أنّها ناتجة عن مفرقعات احتفاءً بتصويت "الأمم المتحدة" على قرار يقضي برفع علم فلسطين فوق مقارها، لكن تبيّن أنّها قنابل توتيرية...

وتزامن ذلك مع تصدّي المرابطين في المسجد الأقصى والمقدسيين لاستباحة المستوطنين اليهود باحات المسجد المبارك بحراسة ومؤازرة من جنود وشرطة الاحتلال في سابقة خطيرة...

لكن يبدو أنّ الـ"مايسترو" حرص على توجيه رسائل إلى مَنْ يعنيهم الأمر بأنّه بإمكانه التوتير متى يشاء، وفي المكان الذي يحدّده من مخيّم عين الحلوة، وتحت أي مبرّر أو ذريعة، وهي إشارة إلى أبعد من ذلك بأنّه بإمكانه تفجير الأوضاع إذا ما أراد... إلا إذا وعى المخلصون ونجحوا في تنفيذ القرارات على أرض الواقع، وألا تبقى "حبيسةً" وتحتاج الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات والمبادرات إلى ملحقات لخرائط طريق للمعالجة...

فهل يتم ذلك قبل فوات الأوان، وتوضع النقاط فوق الحروف بتسمية الأسماء بمسمياتها، وتحديد المسؤوليات، وتنفيذ العقاب بحق المنفّذين والمخطّطين، ومهما علا شأنهم، وليس اقتصار الأمر على حالات لحسابات دون أخرى...

وليس توقيت ما جرى في مخيّم عين الحلوة من إلقاء 8 قنابل في ليلة واحدة بريئاً، لأنّ ذلك له تداعيات وحسابات منها ما يتعلّق بالمخيّم وملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وفي الشتات، وما هو يتعدّى الساحة اللبنانية إلى:

- تأجيل انعقاد جلسة "المجلس الوطني الفلسطيني" لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" - كان متوقعاً أنْ تشمل تغيير أعضاء في اللجنة الحالية - إلى ما قبل نهاية العام الجاري.

- إصرار حركة "فتح" على عقد المؤتمر العام السابع لانتخاب لجنة مركزية ومجلس ثوري جديدين في الموعد المحدّد بتاريخ 29 تشرين الثاني المقبل، مع الحديث عن أنّ تغييرات جذرية ستكون في أعلى هيئتين قياديتين في الحركة.

يشكّل مخيّم عين الحلوة، بما يضم من "موزاييك" سياسي، نموذجاً مختصراً عن الواقع الفلسطيني في لبنان والشتات، حيث اتصف قبل مدّة بأنّه نموذج الاستتباب الأمن والاستقرار، باستثناء بعض الحوادث الفردية التي كانت تقع، وسرعان ما يتم تطويق ذيولها، والعض على الجراح وآلام المصاب.

لكن ارتفعت وتيرة الإشكالات إلى اشتباكات "فلت فيها العقال"، وأصبح الاحتكام إلى السلاح تحت عناوين ومسميات متعدّدة، تُحاكي في الكثير منها ظواهر غريبة وجديدة، فتجد مَنْ تستحوذه فكرتها ويسعى إلى تقمّصها ومحاكاة تجربتها، وإنْ تبدّلت العناوين، وتنقل من بقي حياً أو طليقاً من مسمّى إلى آخر، حيث تطول اللائحة من "القاعدة"، "عصبة النور"، "جند الشام"، "فتح الإسلام"، "جبهة النصرة"، "داعش" وإلى كل ما هو جديد أو قديم متجدّد...

هذه الظواهر تذوب كالشمعة كلما أسرع في إيقاد شعلتها، لينتهي دورها بعدما تكون قد نفّذت المهمة، سواء أكان يدري مَنْ ينفّذ ذلك ما تقترف يداه، أو لا!

تقييد "القوّة الأمنية"

وإذا كان التوافق الفلسطيني أنضج "المبادرة الفلسطينية" التي أعلن عنها بتاريخ 28 آذار 2014، فإنّها احتاجت إلى فترة من الوقت، حتى يتم التوافق على تشكيل "القوّة الأمنية الفلسطينية المشتركة" في مخيّم عين الحلوة، والتي انتشرت بتاريخ 8 تموز 2014، لكن بقي هناك مَنْ يحرص، إما على تكبيل يديها وتقييد مهمتها، أو مصادرة دورها، أو عدم السماح بوصول التحقيقات في الجرائم والأحداث التي شهدها المخيّم، بعد تشكيلها، إلى خواتيمها.

وأيضاً عدم منحها عملياً التغطية الكاملة بدعم عسكري ترجمة للدعم السياسي لتنفيذ المهام الموكلة إليها، وعدم اقتصار الأمر على تنظيم السير، وفض الإشكالات الصغيرة إلى منع الاشتباكات، وإنجاز التحقيقات وتوقيف المطلوبين وتسليمهم إلى السلطات القضائية والأمنية اللبنانية، لأن المخيّم تحت سلطة القانون اللبناني.

ومع التوتيرات والاشتباكات الدامية، بدأت تبرز أحاديث عن مبادرات وتوسيع انتشار في مناطق دون أخرى، وهو ما يوحي بأنّ هناك مَنْ يتعامل مع "القوّة الأمنية" وكأنّها تمثّل طرفاً دون آخر، علماً بأنّها تتشكّل من كافة الفصائل والقوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية في "منظّمة التحرير الفلسطينية"، "تحالف القوى الفلسطينية"، "القوى الإسلامية" و"أنصار الله" بقيادة العميد خالد الشايب، قبل أنْ يتّخذ قراراً بتعميم التجربة في باقي المخيّمات الفلسطينية في لبنان بتعيين اللواء منير المقدح قائداً للقوّة على صعيد مخيّمات لبنان.

وإذا كانت هذه القوّة تحظى بغطاء من مختلف القوى المشكّلة منها، والتي تشرف عليها من خلال القيادة السياسية العليا، أو القيادة الأمنية، فإنّ الأجدر بإعطائها ومنحها كامل الصلاحيات، لا أنْ تبقى الأمور محسوبة بحسابات تؤدي إلى بروز مربعات أمنية ومناطق مغلقة لأطراف، فيما تنتشر في مناطق أخرى.

وقد أثمرت الاتصالات التي بذلت والاجتماعات التي عُقِدَتْ، إلى وقف الاشتباكات الدامية التي شهدها المخيّم خلال شهر آب الماضي في 4 جولات أوقعت 9 ضحايا وعشرات الجرحى، وأضرار مادية جسيمة في الممتلكات من مساكن ومحال وسيارات وخطوط كهرباء وترانسات تغذية التيار الكهربائي، فضلاً عن حالة الذعر والهلع التي أُصيب بها المواطنون، وأدّت إلى نزوح مئات العائلات عن المخيّم إلى أماكن أكثر أماناً خارجه، بما في ذلك في أماكن عامة ومساجد وجوانب الطرقات.

أهداف التوتير

لكن مع ما جرى خلال الأيام الماضية من إلقاء 8 قنابل في ذات الليلة، يؤكد أنّ هناك إصراراً على التوتير، وإبقاء الأمور في حالة حذر وترقّب شديدين، وتحديداً في المنطقة الواقعة بين طيطبا وعكبرة والصفاف والبركسات - أي في الشارع الفوقاني للجهة الشمالية للمخيّم، حيث يظهر أنّ هناك أهدافاً مباشرة لذلك، وأخرى خلف الدخان، وجمراً تحت الرماد.

واللافت أنّ هذه الليلة الملتهبة لإلقاء القنابل، جاءت في اليوم التالي للقاء الذي عقد بدعوة من أمين عام "أنصار الله" الحاج جمال سليمان في مسجد سيدنا عيسى في مخيّم المية ومية، وشارك فيه قيادات من "منظّمة التحرير الفلسطينية"، "تحالف القوى الفلسطينية"، "القوى الإسلامية"، وتخلّله غداء، وإلقاء الناطق الرسمي بإسم "عصبة الأنصار الإسلامية" الشيخ أبو شريف عقل خطبة الجمعة.

ومن خلال التمعّن بما جرى ليل السبت - الأحد الماضي، يمكن مقاربة ما يُنفّذ من المخطّط لجهة أهدافه، وأبرزها:

- التحوّل من إلقاء المفرقعات الكبيرة، التي كنّا قد أشرنا إليها سابقاً - واحتمال تحوّل مُلقيها إلى استبدالها بقنابل بعد أنْ يتعوّد على إلقائها، وفي ذلك محاكاة لما كان يجري في طرابلس، قبل أنْ تتدخّل السياسة وتنهي واقع أمراء المحاور الذين توزّعوا بين قتيل وموقوف وطريد متوارٍ عن الأنظار.

- دفع الأهالي في المنطقة إلى مغادرتها، وقد بدأ البعض ببيع المنازل، ومَنْ يسعى إلى إقامة الإمارة وإسكان عناصره فيها، أكانوا من داخل المخيّم أو خارجه، جاهز لدفع قيمة الشراء، الذي يتدنّى عن القيمة الحقيقة بفعل الوضع المتوتّر.

- إنّ المنطقة التي تشهد توتّراً تتجمّع فيها مدارس وكالة "الأونروا"، والتي تكتظ صفوفها بأكثر من 50 طالباً في كل صف، بعد قرارات الوكالة الدولية بتقليص الصفوف تحت ذريعة العجز، بعدما كانت "الأونروا" تهدف إلى تقليص خدماتها مقدّمة لإنهائها، بما يحقّق أهدافاً صهيونية تآمرية بشطب وإنهاء الوكالة الدولية الشاهدة على نكبة الشعب الفلسطيني.

- الخشية من دمار المنطقة، وبالتالي انسحاب الأمر على مناطق أخرى من المخيّم، وهو ما يحقّق الهدف الإسرائيلي الذي نُفّذ خلال غزو لبنان في حزيران 1982، حيث دُمِّرَ المخيّم عن بِكرة أبيه، بعدما صمد مقاومون فتية في وجه آلة العدو الحربية، وحالوا دون دخوله إليه المخيّم إلا بعد تدميره، ومسحه بالأرض، وهو ما يفقد الساكن أو "الأونروا" إعادة البناء، لأنّ الملكية تعود إلى صاحب الأرض الحقيقي المُؤجّر للدولة اللبنانية، وعندها تتكشّف أسماء المالكين الحقيقيين لأراضي المخيّم؟!

- فرض واقع جديد في هذه المنطقة الممتدة من عيادة "الأونروا" الأولى في الشارع الفوقاني، وصولاً إلى مشارف سوق الخضار، وصعوداً باتجاه المنشية جنوباً، وطيطبا عكبرة شمالاً، وتحويلها كأنّها إمارة، حيث ستكون مادة دسمة للعديد من وسائل الإعلام "الصفراء" لتنسج الروايات كما جرى مع مخيّم الطوارئ - تعمير عين الحلوة، ومَنْ يسمع ذلك في وسائل الإعلام يعتقد وكأنّه يتحدّث عن مساحات شاسعة، علماً بأنّ مساحة المخيّم لا تتعدّى الـ 1.5 كلم، يُقيم فيه أكثر من 100 ألف نسمة، يُضاف إليهم النازحون السوريون من سوريا، وجميعهم يعيشون وضعاً صعباً في ظل الوضع الاقتصادي المتأزّم وحرمان الفلسطيني من حقوق العمل والتملك، ما يزيد في معاناته.

دفع للنزوح

الواقع المتوتّر والحذر يُعيد الذاكرة إلى ما جرى في أواسط ثمانينيات القرن الماضي، يوم نزح الشباب الفلسطيني طلباً للجوء في الدول الأوروبية، التي استقبلته بالترحاب بعد مشقة مضنية بالسفر.

هذا الـ"سيناريو" يتكرّر في ذات المشهد، وفي ذات الظروف الصعبة، حيث يبحث العديد من الشباب الفلسطيني العاطل عن العمل عن أماكن لجوء، من خلال قوارب الموت في المقلب الآخر من البحر المتوسط، وإنْ كان يعلم مسبقاً أنّ نسبة النجاة ضئيلة جداً، فإنّه يفضّل المغامرة على البقاء في وضعه الحالي، حتى لو غرق في البحور الأوروبية وابتلعته القروش.

وقد أثّر ما جرى ويجري في المخيّم على واقعه بشكل كبير، حيث يتعدّى الأمر نزوح الأهالي إلى الخوف من المجهول، وأنْ يقع المواطن ضحية قنبلة متفلتة تُلقى في أحد زواريب وأزقة المخيّم، وهذا الأمر الذي يسبق تحضيرات عيد الأضحى المبارك، انعكس سلباًً على واقع السوق في المخيّم، الذي عادة يصل ليله بنهاره قبل العيدين، لكن في هذا العيد قرّر التجّار عدم فتح أبواب محالهم ليلاً، في ظل الوضع القلق والمتوتر، وحتى لا يقع المحظور.

وعلى الرغم من اللقاءات والاجتماعات التي تُعقد، تبقى قراراتها حبيسة الأدراج إذا ما لم يتم تنفيذها على أرض الواقع، فالأمر ليس بحاجة إلى قرارات جديدة، بل إلى التنفيذ حفظاً لأمن المخيّم وأهله والجوار، وإفشالاً لمخطّطات التوتير والتفجير.

محاولة استدراج "فتح"

لقد بات واضحاً بعد أنْ أفشلت حركة "فتح" و"منظّمة التحرير الفلسطينية" و"تحالف القوى الفلسطينية" و"القوى الإسلامية" و"أنصار الله" محاولات ضرب بعض أطرافها ببعضهم، وخاصة حركة "فتح" و"عصبة الأنصار"، أنّ هناك مَنْ يركّز على استدراج "فتح" إلى اشتباك وتوتير مع "الشباب المسلم"، بالتمادي باستهداف كوادر وعناصر الحركة، وافتعال إشكالات حتى لو استغلت بوقوعها ما بين فتية، فإنّ "فتح" التي عضّت على الجراح مِراراً، وصدمت مَنْ كان يروّج بـ "ترهّل" وضعها أو حصول خلافات داخلها خلال الأحداث الأخيرة، يسعى لاستفزازها واستدراجها بشتى الوسائل للدخول في معركة تكون نتائجها وبالاً على المخيّم.

وكشفت مصادر مطلعة على الملف الفلسطيني عن أنّ القرارات التي اتخذتها حركة "فتح" في ضوء زيارة عضو لجنتها المركزية والمشرف على الساحة اللبنانية عزّام الأحمد في زيارته الأسبق، بوشر بتنفيذها من خلال الدمج وإعادة التوزيع للوحدات العسكرية، بما يشكّل انصهاراً حقيقياً داخل حركة الطلقة الأولى، مع إحالة البعض في المجال العسكري على التقاعد.

والقرارات التي اتخذت هي للتنفيذ، ولم تكن بحاجة لتعميمها من خلال النشر في الصحف ووسائل الاعلام.

وضع النقاط على الحروف

ومن أجل تلافي وإفشال المخطّطات، بات مطلوباً من جميع القوى تسمية الأسماء بمسمياتها، ووضع النقاط على الحروف، وتحديد المسؤوليات، وكشف مَنْ يغطّي علانيةً أو من تحت الطاولة، أشخاصاً أو فصائل أو قوى، ومَنْ يوتّر ويؤجّج الوضع داخل المخيّم ويجعله في حالة هيجان، وذلك قبل أنْ يثور البركان، وهذا يتطلّب:

- إعطاء صلاحيات لـ"القوّة الأمنية الفلسطينية المشتركة" في المخيّم للقيام بدورها كاملاً، بما في ذلك الانتشار في كافة أرجاء المخيّم، والتعاون بالتحقيقات بالأحداث ووصولها إلى خواتيمها، وتحديد المسؤوليات وتنفيذ العقوبات.

- الإسراع بالتعويض على المتضرّرين في الأحداث التي وقعت، حتى لا يستخدمها البعض مثل قضية "إبريق الزيت" بتوتيرات يراد منها أهداف غير حقيقتها المطلبية.

- القيام بشكل جدي، وبعد تحديد المسؤوليات، بإجراء المصالحات المجتمعية، تجنّباً للدخول في دوامة الثأر والثأر المضاد والتي تفتح تداعياتها طريقاً طويلة ووعرة، يدخل إليها المصطادون بالواقع المتوتّر، ويحقّقون مآرب وغايات تحصد المزيد من الضحايا، خاصة إذا ما تم استهداف شخصيات وقيادات ووجهاء لها تأثيرها في عائلاتها وبلداتها وفي المخيّم، فعندها ستكون العواقب وخيمة جداً.

- السماع جيداً للحراك الشبابي في مطالبه، وعدم صم الآذان لها، لأنّها حين ذلك ستجد مَنْ يغذي حراكها ويأخذها إلى أماكن أخرى بعيدة عن نواياها الصادقة، خاصة أنّ هذا الحراك نزل إلى الميدان بالصدور العارية، ومعرّضاً أرواح أفراده للخطر، وساهم بوقف الاشتباكات.

المصدر: اللواء