كبيف ستدار المعركة السياسية بعد
شهر؟
فادي الحسني
لقد أخمدت (إسرائيل) نيران مدافعها
على غزة وغاب ضجيج الطيران الحربي عن أجواء القطاع. في المقابل نكست المقاومة
الفلسطينية راجمات صواريخها، في استجابة لقرار وقف إطلاق النار الذي رعته القاهرة
بالتوافق بين الجانبين الفلسطيني-(الإسرائيلي).
ورغم كارثية المشهد في غزة المتعلق
بحجم الشهداء وضخامة الدمار، إلا أن الفلسطينيين خرجوا للاحتفاء بانتصار المقاومة
وصمودها الاسطوري لمدة 52 يوما أمام آلة الحرب الشرسة التي لم تبق شجرا ولا حجرا.
وقلوبهم معلقة بما ستؤول إليه جولة المباحثات المقررة بعد شهر من وقف إطلاق النار.
ويبدو واضحا أن الطرفين توصلا إلى
تفاهمات حول وقف إطلاق النار بالتزامن مع فتح المعابر، فيما أرجئ بحث اقامة ميناء
بحري ومطار وكذلك بحث ملف الأسرى، إلى ما بعد شهر من بدء الهدوء.
إذن، المعركة الجديدة ستبدأ بعد شهر،
ولكنها سياسية بحتة، سيقودها وفد مشكل من فصائل منظمة التحرير بالإضافة إلى حركتي
حماس والجهاد الإسلامي، لانتزاع شروط المقاومة الاستراتيجية التي اعاقت موافقة
(إسرائيل) عليها الوصول لاتفاق بعد شهر من الحرب.
ويظهر جليا أن المعركة السياسية لن
تكون أقل شدة من المعركة الميدانية التي خاضتها المقاومة، وبخاصة أن الفلسطينيين
يدركون طبيعة العدو المراوغ. ولهذا يقول عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى ابو
مرزوق، إنهم مقبلون على مرحلة جديدة تتعلق باستكمال التفاهمات وكذلك الإعداد
والبناء وإعادة ترميم ما دمرته (إسرائيل) خلال عدوانها على غزة.
وفي الوقت الذي اتخذت فيه الفصائل
الفلسطينية قرارا بالموافقة على المقترح المتعلق بفتح جميع معابر غزة الخمسة،
والسماح بإدخال كل مستلزمات مواد البناء واعادة الاعمار، وازالة المنطقة الشرقية
العازلة، وتمديد مساحة الصيد إلى نحو 12 ميلا مقابل وقف اطلاق الصواريخ من غزة،
تشير إلى أن مقاومتها ما تزال بخير ولديها عتاد لم تستخدمه في الحرب التي تعد
الأطول مقارنة بالحربين السابقتين (2009 و2012) .
وبهذا تبدو الفصائل كمن يذهب إلى
طاولة الحوار وفي يده صولجان المقاوم، وبخاصة أن الموقف السياسي ما استطاع
الاحتشاد خلف المطالب الفلسطينية طيلة فترة الحرب، لولا البلاء الذي ابلته
المقاومة على الأرض بوضعها معظم الأراضي المحتلة تحت تهديد الصواريخ المحلية. وهذا
الأمر بالنسبة للوفد المفاوض هو عنصر قوة تميزت به عن مشوار عشرين عاما من عمر
التسوية الذي لم تكن تقف فيه البندقية خلف غصن الزيتون.
ومن هذا المنطلق، شدد أبو مرزوق في
حديثه لـ"الرسالة" على أهمية تنحية الخلافات السياسية جانبا خلال
المرحلة المقبلة، قائلا "أي اختلاف بالقرار من شأنه أن يضر بالقضية(..) نحن
معنيون بشكل واضح بوحدة النظام السياسي والإداري بالأراضي المحتلة، حتى الوصول إلى
تحقيق مطالبنا".
ويعتقد المحلل السياسي حسام الدجني
أن ما ميز هذه الجولة من الصراع، هو وحدة الموقف الفلسطيني وصموده وصبره على
التحديات التي واجهته خصوصا الضغط الدولي.
وقد أرجع الدجني تأخر التوقيع على ما
جرى الاتفاق عليه ليومين، هو أن الوفد الفلسطيني سجل تحفظات على بعض المفردات
وطالب بتغييرها ومنها: استبدال كلمة مواد بناء بمستلزمات البناء. ولهذا عبر المحلل
السياسي عن تفاؤله بما يمكن ان تحققه المباحثات بعد نحو شهر من انجازات للشعب
الفلسطيني، وبخاصة أنه عبر عن اطمئنانه للوفد المفاوض.
ولا بد من عدم اغفال أوراق القوى لدى
المقاومة المتعلقة باحتفاظها بالجندي (شاؤول ارون)، فضلا عن مصير الجندي (هدار
جولدن) الذي فقد في رفح ومازال مصيره مجهولا، وإمكانية أن تحقق هذه الورقة مكاسب
على المستوى السياسي، خصوصا وأن (تل أبيب) معنية بمعرفة مصير جندييها.
أما عن الطرف (الإسرائيلي)، فيبدو
واضحا أنه بات معنيا بإنهاء هذه الجولة من التصعيد، وبخاصة أنه تكبد خسائر فادحة
سواء على صعيد الجيش أو الضربة التي مني بها الاقتصاد (الإسرائيلي) المعطل على وقع
سقوط صواريخ المقاومة على (تل أبيب).
وواحدة من بين المؤشرات على عدم رغبة
الاحتلال في إطالة مدى العملية العسكرية التي اسماها (الجرف الصامد)، هو نزوح مئات
المستوطنين من غلاف غزة، وبنيامين نتنياهو مطالب بتوفير الأمن لهؤلاء الذين باتوا
ناقمين عليه.
وأكثر ما يدلل على أن (إسرائيل) فشلت
هو ما قاله رئيس شعبة العمليات السابق في جيش الاحتلال جيورا آيلاند، إن (إسرائيل)
لم تنجح في حربها على غزة، في فرض مبدأ "الحرب الخاطفة"، الذي يعد أهم
مرتكزات "العقيدة الأمنية"، وهو المبدأ الذي يضمن تحقيقه تقصير أمد
الحرب إلى أقصر مدة ممكنة.
وقد أجبرت وطأة الواقع الأبواق
الإعلامية التي تخدم من دون تردد الخط الدعائي لرئيس الحكومة (الإسرائيلية)،
بنيامين نتنياهو، على الاعتراف بأن الحرب على غزة تمثل "قصة فشل"
بالنسبة لنتنياهو.
غير أن مراقبين شددوا على ضرورة عدم
اغفال أن مستقبل نتنياهو السياسي مهدد بفعل انتصار المقاومة الفلسطينية، ولهذا يرى
المراقبون أن هذا الأمر ربما يعيق الوصول لاتفاق يلبي مطالب الشعب الفلسطيني،
وبخاصة أن رئيس حكومة الاحتلال يحاول حفظ ماء وجهه امام الجبهة الداخلية على
اعتبار انه اعطى قرار وقف اطلاق النار منفردا بعيدا عن عناصر حكومته المتطرفين.
فضلا عن ذلك فإن المراقبين أكدوا على
أن معارضة وزراء في حكومة نتنياهو، وهم (نفتالي بينيت، وأفيغدور ليبرمان
وأهارونوفيتش) لاتفاق وقف إطلاق النار، بزعم أنهم لم يتمكنوا من التعبير عن
معارضتهم لهذا القرار لأن نتنياهو امتنع عن رفعه إلى التصويت داخل الحكومة، بأنه
قد يشكل أيضا عائقا أمام تحصيل الحد الأدنى من الاشتراطات الفلسطينية.
على أية حال، المعركة السياسية ستخضع
نتائجها لاعتبارات متعددة، أبرزها: مدى رغبة (إسرائيل) في القبول بالتعاطي مع حركة
حماس كقوة على الأرض يستحيل اجتثاثها، ورغبتها في العودة مجددا لإطلاق النار رغم
أنه أمر يكاد يكون مستبعدا، بالإضافة لقوة وصلابة الموقف الفلسطيني. وحتى تبدأ
الجولة على الفلسطينيين أن يباشروا في بناء (م ت ف) انطلاقا من دعوة "ابو
مرزوق" التي وجهها عبر "الرسالة"، تمهيدا لمواجهة التحديات
القادمة.
المصدر: الرسالة نت