القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

كيف استفادت "الديمقراطية الفلسطينية" من انطلاقة (حماس)؟

كيف استفادت "الديمقراطية الفلسطينية" من انطلاقة (حماس)؟


أحمد الحاج علي

انطلقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في زمن كان اليسار الفلسطيني بدأ يشهد انحساراً، مع إعلان البريسترويكا (1987)، مما عنى بشكل أساسي تحوّل حركة "فتح" من التنظيم الأول في الساحة الفلسطينية، إلى التنظيم الوحيد تقريباً، وهذا بكل الأحوال كان ليشكّل خطراً على التعددية الفلسطينية، وبالتالي على الديمقراطية الفلسطينية، إن طال أمد ذلك الواقع. فكانت انطلاقة حركة (حماس) بداية لإعادة التوازن للحياة السياسية الفلسطينية، واستطاعت بعد ذلك الفصائل الصغيرة العدد أن تلعب دوراً يفوق حجمها، فاستفادت الديمقراطية الفلسطينية من هذه الانطلاقة بحدّ ذاتها.

أمّا من الناحية النظرية والعملية، فحركة (حماس) كانت نموذجاً في الأداء الديمقراطي، ويمكن التفصيل في كثير من الأمثلة. لكن لا بدّ من ذكر الأسس النظرية التي استندت إليها الحركة:

1- الإرث الديني: هو الميراث الذي يرفض الاستبداد، ويعتبره نقيضاً للإسلام، الذي جوهره العدل، والديمقراطية هي آلية لمنع هذا الاستبداد، وتحقيق المفهوم الديني الذي يتمسّك بالحريات العامة، والعدالة، وكرامة الإنسان.

2- الإرث الوطني: شهد الشعب الفلسطيني تعددية حزبية متصلة على مدار قرن، وساهمت الثقافة التي حصّلها الفلسطينيون، ومستوى التعليم الجيد، في تكريس هذه التعددية، والنظرة الإيجابية إلى الديمقراطية.

3- الإرث الحركي: تعود جذور (حماس) إلى حركة الإخوان المسلمين، التي رأت منذ نشأتها أنها حركة لا تحتكر الإسلام، بل جزء من نهضة المسلمين، وليس كل المسلمين، فهي جماعة من المسلمين وليس جماعة المسلمين، كما كان يقول مؤسس الجماعة حسن البنا. وطبّقت حركة الإخوان ذلك من خلال العلاقة المتميّزة التي جمعتها بعدد من الذين خرجوا منها، ومنهم الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله) الذي تُعدُّ كتبه مرجعاً أساسياً في جماعة الإخوان المسلمين رغم خروجه المبكر من الجماعة.

4- الوثيقة السياسية: كل ذلك انعكس في أدبيات حركة (حماس)، ومنشوراتها السياسية، وصولاً إلى تكريسه في الوثيقة السياسية لحركة (حماس) عام 2017، فجاء فيها "تؤمن حماس وتتمسك بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار، بما يعزّز وحدة الصف والعمل المشترك، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية وتطلّعات الشعب الفلسطيني".

وفي بند آخر جاء فيه "منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية."

وفي بند يليه "تؤكد حماس على ضرورة بناء المؤسسات والمرجعيات الوطنية الفلسطينية على أسس ديمقراطية سليمة وراسخة، في مقدمتها الانتخابات الحرة والنزيهة، وعلى قاعدة الشراكة الوطنية، ووفق برنامج واستراتيجية واضحة المعالم، تتمسّك بالحقوق وبالمقاومة، وتلبّي تطلّعات الشعب الفلسطيني".

أما من الناحية العملية فانعكست النظرية في التطبيق من خلال:

أولاً، على صعيد الإطار الحركي الداخلي: لم يسبق لحركة (حماس) أن اتخذت موقفاً سلبياً مما آثر أن يغادر الحركة (على قلّتهم). بل على العكس احتفظت بالمودّة تجاههم بشكل يثير الإعجاب حقاً. ويزداد الإعجاب إذا عرفنا أن بعض الفصائل الفلسطينية اليسارية الرئيسية كانت تعمد إلى قتل كل من يغادر صفوفها بالسبعينيات، ولم تتوقف عن ذلك إلاّ بعد احتجاجات فلسطينية واسعة.

كما أن حركة (حماس) تُدير علاقاتها الداخلية باحترام كبير لحرية الرأي، وتداول المراكز، بحيث لا يحق لأي مسؤول البقاء في منصبه لأكثر من دورتين. وهذا يُعتبر جديداً في الأعراف الفصائلية الفلسطينية، وحدثاً نادراً في الحياة الحزبية العربية.

ثانياً: على صعيد العلاقة مع الفصائل الفلسطينية: سمحت حركة (حماس) لفصائل المقاومة الفلسطينية بحرية الحركة في قطاع غزة، وإقامة معسكرات التدريب، وأكثر من ذلك، فإن الحركة، كما ثبت، تساعد فصائل المقاومة في بناء ترسانتها العسكرية دون تمييز. واستطاعت أن تبني علاقات متينة مع هذه الفصائل، وصولاً للإعلان عن غرفة العمليات المشتركة (2018)، بالتوافق والشراكة بين كل فصائل المقاومة. ويُدرك حجم هذا الإنجاز من يطّلع على المحاولات التي بُذلت طيلة أكثر من 50 عاماً للوصول لهذه النتيجة دون جدوى. كما أن مسيرات العودة هي أيضاً مثال حي على العمل المشترك واحترام التعددية. ولا يفوتنا أن المؤسسات الأمنية في قطاع غزة فيها من كل عناصر الفصائل الفلسطينية.

خلاصة القول إن تجربة حركة (حماس) في بناء نظام سياسي فلسطيني قائم على التعددية السياسية، هي تجربة تكتسب المصداقية نتيجة تطبيقاتها العملية، التي استفادت منها المقاومة الفلسطينية، والمسار الديمقراطي الفلسطيني بشكل عام.