ظاهر صالح/ كاتب وصحفي فلسطيني
لا شك في أن "جائحة كورونا” أزاحت كثيراً من الموضوعات
التي كانت عادةً ما تشكل اهتمامنا اليومي من الأخبار العالمية لتصبح هامشية، وتكشف
عدم جاهزية كثير من دول العالم، خصوصاً الدول الغنية، وتُلحق خسائر فادحة باقتصاديات
العالم الكبرى تقدَّر بالمليارات، وتكشف عورات الأنظمة المتطورة وعجزها أمام هذا الوباء الذي جعل العالم يعيش في
حالة ذعر وقلق شديدَين، في ظل الانتشار المتسارع لـ”فيروس كورونا” الذي أربك العالم
بأَسره، ليشكل أزمة صحية عامة قد تكون الأسوأ بالمعايير العالمية منذ مئة عام أو يزيد.
وهنا لابد من أن نتساءل: كيف لدولة مثل لبنان، بوضعها
الحالي، وفي ظل الأزمة الاقتصادية والمالية، والمهدِّدة بدفع تكلفة باهظة جداً نتيجة
الظروف التي يمر بها، أن تتصرف؟ وماذا عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المكتظة في لبنان؟
الذين سيدفعون أيضاً مع أشقائهم من اللبنانيين، من صحتهم وأرواحهم من جراء الأزمة الاقتصادية
والمعيشية الخانقة في ظل تفشي "فيروس كورونا”، بينما غالبيتهم لا قدرة لهم على شراء
مواد التعقيم في الحد الأدنى؛ مع ارتفاع الأسعار والإقبال الكثيف عليها، إضافة إلى
تقاعس وكالة الأونروا والتسويف في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والاكتفاء
بتوزيع النشرات والتوجيهات التوعوية حول فيروس كورونا وأسباب انتشاره والوقاية منه،
دون تقديم أي خطة والمباشرة في تنفيذها.
ذرائع وعجز وكالة الأونروا
لقد شكَّل "فيروس كورونا” مصاعب جمّة، وفرض إجراءات
أدت إلى توقف الناس عن أعمالهم، وارتفاع نسبة البطالة والفقر، جنباً إلى جنب مع الحرمان
من أبسط الحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبقي الأمر متروكاً على كاهل
وكالة الأونروا ودورها الذي لم يرتقِ إلى مستوى المسؤولية، بذريعة عجزها المالي، وأيضاً
على كاهل مؤسسات المجتمع المدني بإمكاناته المتواضعة والمحدودة.
هذا الفيروس إذا انتشر في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين،
فسيؤدّي الى ازدياد الحالات المُصابة التي تتطلب علاجاً وحجراً صحياً، وسيُشكّل ضغطاً
إضافياً على القطاع الصحي والطبي في لبنان، غير المُجهَّز لاستيعاب عدد كبير من حالات
كهذه، وسيكون كل من المواطن اللبناني واللاجئ الفلسطيني وأي مقيم في لبنان معرّضاً
لخطر الموت، ليس بسبب كورونا فقط، إنّما بسبب نقص الأدوات الطبية اللازمة.
استنفار لمواجهة فيروس كورونا
رفعت المخيمات الفلسطينية في لبنان منسوب الاستنفار
لمواجهة "فيروس كورونا”، التزاماً بالتعبئة العامة وحالة الطوارئ الصحية، التي أعلنتها
الحكومة اللبنانية، وسرعان ما انخرطت القوى السياسية والشعبية والطبية في حملات التعقيم
والرش والتوعية على قاعدة "درهم وقاية خير من قنطار علاج”، لأن أي تفشٍّ للفيروس يعني
كارثة صحية داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ذات الكثافة السكانية التي تُعزز انتشار
الفيروسات والأمراض المُعدية بين اللاجئين، وهو الأمر الذي استدعى تأهّباً فلسطينياً
داخل المخيمات للحؤول دون انتشار وباء كورونا فيها، إذ إن حالة واحدة حاملة للفيروس
في أحد المخيمات كفيلة بتهديد آلاف من الفلسطينيين؛ ومن ثم تهديد المنطقة التي تضمّ
هذا المخيم، وعلى الرغم من هذه الخطورة، لا ترى وزارة الصحة اللبنانية ضرورة في اتخاذ
تدابير خاصة أو استثنائية داخل المخيمات.
التحركات السياسية وحملات الإغاثة الإنسانية
تعبيراً عن إحساسهم بالمسؤولية، توالت سلسلة من
المبادرات الجماعية والفردية الى جانب التحركات السياسية، وتركزت في ثلاثة اتجاهات:
"التوعية، والتعقيم، والتكافل الاجتماعي”، لسد رمق أبناء المخيمات الذين يئنُّون من
الفقر والجوع، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، والاستعداد الصحي لأي طارئ، ومتابعة
التفاصيل اليومية داخل المخيمات الفلسطينية، والقيام بحملات إغاثية وإجراءات وقائية
وعمليات توعية وتعقيم وإشراف ومراقبة واهتمام، وتقديم مساعدات إغاثية عاجلة للمخيمات
الفلسطينية في لبنان، ومن أبرزها:
المبادرة التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية
(حماس)، والتي أعلن عنها رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، تحت عنوان "حماس حدّك"،
وقد جاءت ضمن السياق الاستراتيجي الذي تبنَّته حركة "حماس” في التخفيف من وطأة الأزمة
الاقتصادية التي يمر بها الشعب الفلسطيني في لبنان، واستكمالاً لبرنامجها الإغاثي الذي
أطلقته منذ بداية الأزمة الاقتصادية بلبنان، وفي هذا الإطار بدأت الحملات بمخيمات الجنوب،
ومساهمتها في دعم أصحاب عربات الخضار والباعة المتجولين وتقديم مبالغ نقدية لهم.
وفي خطوة مهمة أطلقت قناة "فلسطين اليوم”، بالتعاون
مع المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، وهيئات ومؤسسات فلسطينية وعربية دولية وشخصيات
عدة، حملة "تكافلوا"، وبدأت الحملة ببث عبر قناة "فلسطين اليوم” من العاصمة اللبنانية
بيروت، حيث استقبلت التبرعات المالية والعينية على الهواء مباشرة.
واستقبلت حملة "تكافلوا” تبرعات مختلفة؛ للمساهمة
في مد يد العون للاجئين الفلسطينيين في لبنان، قدمها المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج
ومؤسسات وجمعيات واتحادات بالإضافة إلى المساهمات الفردية، وقد وصلت قيمة التبرعات
إلى 120 ألف دولار، بمعدل 4 آلاف حصة غذائية، سيتم توزيعها بالمخيمات الفلسطينية في
لبنان، بالإضافة إلى دعم المبادرات الشعبية.
نشاط المبادرات المجتمعية والدعوة إلى التكافل الاجتماعي
منذ بداية أزمة "فيروس كورونا”، هناك عشرات المبادرات
المنتشرة في المخيمات والتجمعات الفلسطينية كافة، وتعبيراً عن إحساسهم بالمسؤولية تابعت
"جمعية الشفاء” تعقيمها في عدد من المخيمات والتجمعات للطرقات والمحلات ومداخل المباني،
وأماكن تجمُّع الناس كالمساجد أو بعض المحلات التجارية والأسواق.
بالمقابل، قام فريق الدفاع المدني في مخيم عين الحلوة
جنوب مدينة صيدا بابتكار غرفة تعقيم خاصة، بأدوات محلية الصنع من داخل المخيم، تستخدم
التبخير لتعقيم الأشخاص المشاة الداخلين والخارجين من وإلى المخيم، بهدف الوقاية والحماية
من "فيروس كورونا”، وجرى وضع ماكينة تعقيم لرش الرذاذ على الأكياس والأغراض وميزان
الحرارة عن بُعد وخزان مياه وصابون للغَسل قدمته منظمة "أطباء بلا حدود”، معتمدين بذلك
على إمكانات محدودة ومتواضعة جداً، إضافة إلى قيام "حملة آمنون” بعمليات التعقيم اليومي
في أسواق الخضار وسط المخيمات، وتعقيم مسالخ اللحوم والدواجن والأسماك والمطاعم والبسطات وعربات الخضار ومحال السمانة والمطاعم
والحلويات والملابس.
من جانبها، أطلقت كشافة الإسراء في مخيم عين الحلوة
مبادرة "الجار للجار” لإغاثة العائلات المتعففة، وبادرت الجمعية بشراء زيت دوار الشمس
بسعر التكلفة وبيعه للعائلات المحتاجة.
ونظَّمت إدارة نادي القدس في مدينة صيدا، جنوب لبنان،
حملة بعنوان "معكم”، لتقديم مساعدات على شكل حصص غذائية لعائلات النادي في المدينة
وما بجوارها.
لم تقتصر المبادرات على منطقة صيدا ومخيماتها، وإنما
شملت تجمعات منطقة صور ومخيماتها، ففي مخيم الرشيدية بجنوب لبنان تم إطلاق حملة تحت
عنوان "من الموجود جود”، تم توزيع مبالغ نقدية وعينية للعائلات الأكثر احتياجاً، وفي
مخيم البص تم توزيع مبالغ مالية وعينية مقدمة من "لجنة الزكاة والصدقات” للعائلات والأسر
المتعففة، وأيضاً أطلق شبان فلسطينيون حملة بعنوان "طعّمي غيرك بكتر خيرك” دعماً للاجئين
الفلسطينيين بمخيمات مدينة صور، في ظل الحجر المنزلي الذي يفرضه الفلسطينيون بلبنان
على أنفسهم وبقائهم في منازلهم الذي يحول دون تمكنهم من العمل، خاصةً المُياومين منهم،
والحصول على أي مردود مادي يمكِّنهم من تأمين قوتهم.
بالقدر نفسه شارك فريق "اترك أثراً”، الذي سبق أن
نظم عديداً من الحملات الإغاثية لأهالي مخيم برج البراجنة، بمبادرة إنسانية تقوم على
جمع المساعدات النقدية أو التموينية من المتبرعين وتوزيعها على العائلات المتعففة التي
تكون بأمسّ الحاجة إلى المساعدات.
من ضمن المبادرات التي حظيت بالترحيب والقبول مبادرة
"اخصم”، الموجَّهة لأصحاب البيوت والمحلات ومولدات الكهرباء، وذلك من خلال التنازل
عن جزء من مستحقاتهم المالية؛ نظراً إلى الظروف الصعبة التي يمرّ بها أهالي المخيم،
وأن هذه الحملة هي حملة "تراحم وتلاحم”، مع الإشارة إلى أن عدداً من أصحاب المنازل
تنازلوا عن إيجار الشهر الحالي كلياً والبعض جزئياً، وكذلك أصحاب المولدات الذين استجابوا
وحسموا نحو 20% من القيمة الإجمالية للفواتير نهاية شهر مارس/آذار الماضي.
كمامة بنقشة الكوفية الفلسطينية
المبادرات لم تقتصر على التقديمات المالية والطرود
الغذائية؛ بل جاءت لتعزيز الوعي بصحة وسلامة المخيمات الفلسطينية، ولعل من المبادرات
اللافتة في ظل غلاء أسعار الكمامات التي باتت جزءاً ضرورياً من أجل سلامة التنقل لشراء
الاحتياجات، افتتاح معامل الخياطة بمخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت،
حيث يعمل عدد من الشبان لإنجاح هذا المشروع وتوزيع الكمامات، التي تعتبر ضرورة مُلحّة
للناس في هذه الظروف الصعبة والدقيقة، وتميزت الكمامات الطبية بنقشة الكوفيّة الفلسطينية،
ليصار إلى توزيعها مجاناً على الفلسطينيين واللبنانيين على حد سواء.
تشكيل خلية أزمة لمواجهة وباء كورونا
مع كل تلك التدابير الاحترازية المتقدمة في خضم
هذه التطورات المقلقة، لا تزال هذه المخيمات، حتى الآن، محميَّة من "وباء كورونا” الذي
يهدِّد كل دول العالم وشعوبها، وانطلاقاً من هذا الخطر الذي يتهدّد المخيمات، المطلوب
التالي:
– إنشاء خلية أزمة تضمُّ ممثلين عن وزارة
الصحة اللبنانية ووكالة الأونروا والجهات الفلسطينية، تكون مهمتها وضع خطط لمكافحة
الفيروس، وضمن ذلك تجهيز مركز حجر صحي في كل منطقة يوجد فيها مخيم للاجئين الفلسطينيين،
لنقل أي حالة يُشتبه فيها وحجرها صحياً، ونشر فرق طبية والتنسيق والإشراف، بكلّ ما
يلزم، من إجراءات وقائية وتعقيم وإرشادات وتوعية، فضلاً عن التوجيهات المهمة لملازمة
المنازل وتجنُّب الاحتكاك وإلغاء التجمعات وعدم الخروج من المخيمات إلا للحالات الضرورية،
وتوفير مساعدات غذائية للمجتمع الفلسطيني في لبنان.
– دعوة وكالة الأونروا إلى تحمُّل مسؤولياتها، والبدء بصرف مساعدات للاجئين
الفلسطينيين في مخيمات لبنان على قاعدة التوزيع الشامل، وتعقيم الأحياء بالمخيمات،
وحماية عمال النظافة وتزويدهم بالملابس والتجهيزات الوقائية.
المصدر: عربي بوست