القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

كيف ستحسم "إسرائيل" الصراع على طريقتها؟

كيف ستحسم "إسرائيل" الصراع على طريقتها؟

د. صبري صيدم

من الواضح أن المعركة الأهم التي تقودها إسرائيل على الأرض هي معركة فرض الوقائع وتبديد الجهود، فالحرب الاستيطانية المستمرة في قلب وأطراف الضفة الغربية تستهدف توسيع دائرة التمدد العمراني، بحيث تصبح إقامة الدولة الفلسطينية حديثاً من الماضي، خاصة مع الطرح المتجدد لمبدأ تبادل الأراضي وقناعة إسرائيل بأن الضغط الاستيطاني سيولد مزيدا من إعادة النظر عربياً بحجم المطالب الفلسطينية، ودعوة أممية للقيادات العربية بتبني الواقعية وقبول مبدأ التخلي عن المزيد من الأرض.

يوازي هذا الأمر تفّنين في إضاعة الجهد الذي يبذله أي كان باتجاه احياء فرص السلام، أو حتى المحادثات التي تقود إليه، تارة بالإعلان عن بناء المزيد من المستوطنات واعتبار أن هذا الإعلان لا يؤثر على فرص السلام، وتارة بالتذرع بالتركيبة الحكومية الإسرائيلية التي لا تعطي نتنياهو، كما يقولون، مساحة للمناورة، وتارة أخرى بالادعاء أن الضفة الغربية ليست أرضاً محتلة وإنما هي أرض متنازع عليها، مما يعطي إسرائيل الحق، حسب رأي أصحاب مشروعها الاستيطاني، في التمدد ومصادرة الأراضي وبناء جدارها العنصري في أي مربع ومساحة وأرضٍ ترتأيها.

وكلما أشيع عن فرصة لإحياء مفاوضات السلام أو حتى الحديث عن السلام ذاته، رأينا ما رأيناه ونراه من عطاءات للبناء الاستيطاني وقوانين عنصرية وتصعيدٍ واضحٍ في الإجراءات الاحتلالية من هدم للبيوت ومصادرة للأراضي وتهجيرٍ للناس من أراضيها وأماكن سكناها.

إذاً أين تتجه إسرائيل في احتلالها هذا؟ وما هي الطريقة الإسرائيلية لحسم الصراع؟ مجريات الأمور تؤكد أن إسرائيل استهوت فكرة الإدعاء بالانسحاب الأحادي الجانب بعد تجربة غزة، وإن كانت قد استخدمت هذا الانسحاب لأغراض دعائية، تارة بالادعاء بأنها بانسحابها إنما تجنح نحو السلام وهي تهدم مستوطناتها بيديها في غزة، وتارة في استعطاف العالم بلعب دور الضحية في معركة الأمن، والإدعاء بأنها انسحبت من غزة لكنها واجهت الصواريخ التي تتساقط عليها مما مكنها من شرعنة احتياجاتها الأمنية وبناء منظومة دفاعية وهجومية جديدة.

وأمام استمرار المشروع الاستيطاني و’تبّخر’ الأرض العربية حتى أثناء كتابة كلماتي هذه، والرفــــــض الإسرائيــلي لما يطرحه البعض من أبناء جلدتنا حول الدولة الواحدة، في ظل اعتبارات إسرائيلية قائمة على محاربة القنبلة السكانية الفلسطينية بعزلها والتمادي في التطهير والتهجير والتهويد، فإن من حقنا جميعاً أن نسأل عن مآل الأمور والسيناريو الإسرائيلي المتوقع لحسم الصراع؟

المراقب للأمور يعلم أن إسرائيل لن تقبل بدولة فلسطينية في الضفة الغربية ولن تقبل بالدولة الواحدة ولن تقبل بأي ترتيبات مستقبلية خاصة بالقدس أو اللاجئين في ظل أي اتفاق، ولن تقبل بحدود الرابع من حزيران، ولا حتى حل الدولتين ولا التنازل عن المستوطنات حتى وسط الضغوط باتجاه مبادرات ما يسمى ‘بحسن النوايا’، لذا فإن إسرائيل ربما وهذه احتمالية كبيرة تتجه نحو التالي: استكمال بناء جدار الفصل العنصري بعد مصادرة أراضي التوسع الاستيطاني، والإعلان عن الانسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية، والضغط من خلالهما ومن خلال حلفائها على الأردن لتولي إدارة ما تبقى من الضفة الغربية مقابل حزم اقتصادية وإغراءات مالية لهذا البلد الذي يعاني من ارتفاع المديونية وتدفق اللاجئين السوريين عبر حدوده.

هذا السيناريو الذي لا شك انه يدور في مخيلة القيادة الأردنية، كما يشغل بال الجميع فلسطينياً ليس بالمقبول لا أردنياً ولا فلسطينيناً لاعتبارات عدة، فالأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين، تماماً كما أكدت القيادتان في الأردن وفلسطين، وتشديد الجميع على رفض محاولات إسرائيل فرض الوطن البديل وتصدير دولة مراقبة في الأمم المتحدة أو تجييرها لصالح دولة أخرى. هذا الأمر وإن سعت إسرائيل إلى ترسيخه هو شكل متطور لاستعمار جديد ومحاولة مستميتة لوأد حقوق شعبٍ بأكمله.

الهدف الفلسطيني اليوم يجب أن يتمحور حول سياسة التخريب، تخريب هذا السيناريو وتعطيله، من خلال إنهاء الانقسام وتصعيد المقاومة الشعبية وزيادة وتيرة مقاطعة دولة الاحتلال وفضح ممارساتها وتنشيط الضغط الفلسطيني نحو استخدام الوسائل التقنية الشائعة اليوم باتجاه اطلاع متزايد ومتصاعد للعالم على الممارسات الإسرائيلية. سياسة المناورة الإسرائيلية وهدر الوقت باتت مفضوحة، لكن غالباً ما يطلب من الفلسطينيين التحلي بالصبر، وبأن اختراقاً ما سيحصل.الاختراق الواضح هو ما تمارسه الآليات الإسرائيلية الثقيلة على الأرض، وهو اختراق لادعاءات المؤسسة الإعلامية الإسرائيلية ذاتها التي تروج لنوايا السلام المزعومة، واختراقات مستمرة للقرارات الدولية والقانون الدولي ونوايا الوسطاء وحتى أصوات الدول التي أقرت بالحق الفلسطيني.

هذا الاحتلال الذي لا يعير بالاً إلا لإرادته يجب أن يلقى منا توجهاً واضحاً لرفع تكلفة بقائه بكل السبل وإفقاده لجدوى هذا البقاء واستمراره. ولربما من المفيد دراسة إعادة النظر بسقف المطالب الفلسطينية عندما نكتشف قريباً ومن جديد بأن الاحتلال لديه بند واحد على إجندته وهو استدامته واستكمال مشروعه.

القدس العربي، لندن