القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

لا طائفية في فلسطين

لا طائفية في فلسطين

بقلم: أمجد عرار

لم يرق للشاب الفلسطيني خضر الياس الترزي أن يبقى مكتوف اليدين وهو يرى المحتلين الصهاينة يبطشون بأبناء شعبه، فالتحق بانتفاضة الحجارة الأطول في التاريخ . كان هذا في مثل هذه الأيام قبل ربع قرن، وتحديداً في التاسع من فبراير/شباط ،1988 وكانت انتفاضة الحجارة في اليوم الأخير من شهرها الثاني. لم يكترث المحتلون لاسمه عندما اعتقلوه، ولم يفتحوا بطاقة هويّته قبل أن ينكّلوا به ويربطوه على مقدمة مركبتهم العسكرية إلى أن وصلوا به لمعتقل "أنصار 2” القريب من غزة، وكان في الرمق الأخير، ولم يلبث أن استشهد في اليوم التالي، عن عشرين ربيعاً. لم يكتف المحتلون بقتله بل سرقوا بعض أعضائه تحت غطاء التشريح.

خضر الياس الترزي ليس الحالة اليتيمة التي تؤكد أن الشعب الفلسطيني موحّد في مواجهة الاحتلال، مثلما كان موحداً دائماً في مواجهة الاستعمار البريطاني وكل الغزاة قبله. من يناضل ضد الاحتلال لا ينظر الصهاينة إلى ديانته أو طائفته، بل إلى موقعه وموقفه من قضايا وطنه وأمته . لذلك يعيش الفلسطينيون المعاناة ذاتها، قتلاً واعتقالاً وهدم منازل وسرقة أراض، لا فرق في ذلك بين مسلم أو مسيحي، مدني أو فلاح، غزّي أو ضفاوي، لاجئ أو مقيم. المعيار الوحيد في نظر الاحتلال موقف الفلسطيني منه، إن قاومه أذاقه الأمرّين، وإن تعاون معه كعميل مأجور "كافأه” بالفُتات، وإن هادن أو اختار رصيف السلبية أوهمه بتركه وشأنه.

الفلسطينيون لم يفرّقوا في احترامهم لقياداتهم بين ياسر عرفات وأحمد ياسين وجورج حبش ووديع حداد، ولم يجد كثيرون حرجاً في تعليق صور المناضلة اللبنانية سها بشارة في منازلهم كما يعلقون صور الشهيدة دلال المغربي أو الشهيدة لينا النابلسي. وهم يتفاعلون بكل مشاعرهم مع أغنيات مارسيل خليفة وسميح شقير الوطنية والوجدانية، ولا يصنّفون صوت فيروز طائفياً وهي تنشد لزهرة المدائن وشوارع القدس العتيقة وحيفا وبيسان وجنوب لبنان.

الفلسطينيون ينظرون بعين الاحترام ذاتها لأسير مناضل مثل نادر السامري، ابن الطائفة السامرية الكريمة، أصغر طائفة في العالم، التي تحمل معتقدات أقرب للديانة اليهودية، لكنّها تعيش منذ آلاف السنين في مدينة نابلس كجزء أصيل من أبناء المدينة وسائر أبناء الشعب الفلسطيني، وكان لها نائب في المجلس التشريعي هو الكاهن سلّوم. هذا المناضل السامري كان أحد القادة الطلابيين الأكثر نشاطاً في جامعة النجاح الوطنية، وكان قيادياً وقدوة لزملائه الطلبة، قبل أن يلتحق بالعمل العسكري ويتحوّل إلى أحد أهم المطلوبين لجيش الاحتلال وأجهزته الأمنية. وبعد اعتقاله حكم عليه بالسجن المؤبّد ست مرات، وأمضى حتى الآن عشر سنوات خلف القضبان، حيث يقضي وقته، كما يؤكد المختص بالأسرى عبدالناصر فروانة، في تثقيف زملائه الأسرى الذين ينهلون من معينه القومي العروبي وفكره التقدمي النيّر.

هذا الالتحام في معركة الوجود والمصير، معركة التحرير والحرية والاستقلال، هو الذي يحصّن القلعة الفلسطينية على المديين القصير والطويل، وهو الذي يجعل كل صوت فتنوي تقسيمي عنصري وغبي، بلا جواب أو صدى، بل مجرد عويل ونباح بلا مجيب . كل من يفكّر في العزف على أي وتر نشازاً لا يجد من يسمعه إلا قلّة مريضة، بعضها من أدعياء الثقافة، مع الأسف الشديد.

ذلك أن الانقسام على أساس سياسي له نهاية حتمية، إن لم يحققها القادة تحقّقها التجربة والظروف الموضوعية، أما الانقسام على أساس طائفي فإنه إن بدأ يتحوّل إلى سرطان ينخر جسد أعرق أمة ويودي بها إلى مهاوي الردى.

المصدر: الخليج