القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

لا عـودة إلا بالـعودة

لا عـودة إلا بالـعودة

د. خالد الخالدي

في الذكرى الثالثة والستين لنكبة الأمة بسقوط القدس ومعظم فلسطين في أيدي الصهاينة، نتساءل: لماذا لم تُحرر فلسطين إلى الآن، بالرغم من وجود أمة مسلمة تحيط بها، ويصل عدد أبنائها إلى نحو مليارين، وهم يقدسونها ويتمنون تحريرها، ولديهم من الجنود والسلاح والمال مئات أضعاف ما يملكه الصهاينة؟

يجيب تاريخ القدس على هذا السؤال بوضوح، ويبين أن هذه الأرض المقدسة، لم تسقط في قبضة الباطل إلا عندما انحرف أهل الحق عن دينهم وتركوا الجهاد، ولم تعد إليهم إلا عندما عادوا إلى دينهم وجاهدوا في سبيل ربهم.

فقد نعمت القدس في زمن إبراهيم ( 1900 ق. م) بإمامته، وحُكمِ صديقه المؤمن ملكي صادق، وظلت كذلك إلى زمن النبي يعقوب، وعندما غادرها إلى مصر حوالي ( 1700 ق.م) هو وأبناؤه، ظلت في أيدي أهل الحق من أتباعه لنحو أربعة قرون، وعندما فسقوا وانحرفوا، سلط الله عليهم الحيثيين، الذين عرفوا بالقوم الجبارين، فاحتلوا القدس، وأذلوا المنحرفين وأخرجوهم منها، وعندما نجى الله تعالى موسى وقومه من الغرق، في زمن رمسيس الثاني(1301-1234ق.م ) أمرهم بالجهاد لتحرير القدس، لكنهم رفضوا، فحرمهم الله منها، وعاقبهم بالتيه، وعندما اندثر الجيل الجبان، وخرج جيل يتوق إلى الخلاص، جاءهم النبي يوشع بن نون، فآمنوا، وأعلنوا استعدادهم للجهاد، فقادهم نحو القدس، ولأنه يدرك أن هذه الأرض لا تحرر إلا على أيدي رجال قلوبهم معلقة بالآخرة، قرر أن ينقي صفه قبل خوض المعركة، وقد أخبرنا بذلك النبي الكريم في الحديث الذي أخرجه البخاري فقال:" غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني منكم رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها، ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر أولادها، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك، فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه"، وهكذا تحررت القدس بالفئة القليلة المؤمنة المجاهدة سنة (1190ق.م)، وظلت في أيديهم نحو أربعة عقود، وعندما انغمسوا في الدنيا، وزاغوا عن شرع الله، سلط الله عليهم جالوت وجنوده، فاحتلوها حوالي (1150ق.م)، بعد أن نكلوا بالمنحرفين، وظلت القدس في قبضة الباطل إلى أن توفرت فئة مؤمنة مجاهدة قادها الملك طالوت، تمكنت ( 1025ق.م) من تحرير القدس، ولم ينس طالوت قبل خوض معركة التحرير أن ينقي صفه، حسبما ورد في سورة البقرة(246-252 )، وقامت في بلاد شام سنة (1004ق.م) دولة خلافة إسلامية عاصمتها القدس، تحت حكم نبي الله داود، استمرت أربعة عقود، ثم تولى حكمها بعده ابنه النبي سليمان، وحكمها أربعة عقود أخرى، وبعد وفاته( 923ق.م)، انحرف بنو إسرائيل، وانقسمت مملكة سليمان إلى دولتين، (إسرائيل) في شمال فلسطين، ويهودا في جنوبها، وكانتا منحرفتين متصارعتين، حتى أن بني (إسرائيل) عبدوا الأصنام تقليداً لمن حولهم، فعملت بهم سنة الله في المنحرفين، إذ سلط الله على (إسرائيل) الآشوري سرجون الثاني، فاحتلها 721ق.م، وأذل المنحرفين وفرقهم في بلاد فارس وحران وكردستان، وسلط البابلي نبوخذ نصر على دولة يهودا، فاحتل القدس ودمرها وأسر المنحرفين، ونقلهم إلى بابل، واستعبدهم، وظلت القدس في قبضة الباطل مدة طويلة، ولم تعد إلى أهل الحق إلا عندما تحقق شرط تحريرها، الإيمان والالتزام والجهاد، وقد توفرت هذه الصفات في الصحابة الكرام، فحرروها في زمن عمر 16هـ/637م، وظلت في أيديهم نحو خمسة قرون، وعندما انغمسوا في الترف وانحرفوا ، سلط الله عليهم الصليبيين، فاحتلوا القدس 492هـ/1099م، وظلت في قبضتهم، ولم تعد إلى أهل الحق إلا بعد أن توفر شرط العودة إليها، إذ حرر معظم الشام القائد الرباني المجاهد نور الدين محمود ، وحرر القدس القائد المجاهد صلاح الدين 583هـ/1187م، بعد أن صنعا صفاً مؤمناً ملتزماً مجاهداً. وفي سنة 658هـ خضعت الشام وأجزاء من فلسطين للاحتلال المغولي، لكنها تحررت بعد خمسة أشهر فقط، وهُزم المغول في معركة عين جالوت، لأول مرة في تاريخهم، لأن القائد الذي واجه المغول كان المجاهد سيف الدين قطز، ولأن جنده كانوا من الأتقياء والعلماء، ولأن شعارهم كان" واإسلاماه"، ولأن الأمة أدركت وقتها أنه لا عودة إلا بالعودة إلى ربها ودينها ومبادئها، ولم تسلك إلى القدس طرقاً غير طريق الإيمان والجهاد، مثلما فعلت اليوم.