القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

لاجئون فلسطينيون... سقطوا سهواً!

لاجئون فلسطينيون... سقطوا سهواً!

بقلم: جيمس زغبي

زار جون كيري وزير الخارجية الأميركي الشرق الأوسط، وهو محمل بقائمة طويلة من المهام. وأنا لا أريد أن أضيف إليه المزيد من الأعباء، ولكن هناك موضوعاً يرتبط بالحرب الأهلية السورية وبالصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الوقت نفسه، يجب عدم تجاهله بأي حال من الأحوال. ففي الوقت الذي يتوجه فيه قدر كبير من الاهتمام السياسي والإعلامي نحو الأزمة الإنسانية المتفاقمة التي تواجه ما يقرب من مليون سوري، أجبروا على الفرار من بلادهم، نجد أن مجموعة فرعية من هؤلاء اللاجئين قد تعرضت للتجاهل تقريباً.

وهذه المجموعة تتمثل في اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في معسكرات اللاجئين في سوريا، والذين أشارت المنظمة الأميركية لدعم اللاجئين في الشرق الأدنى «أنيرا» إلى محنتهم المزدوجة في سوريا ولبنان ووصفتهم عن حق بـ«الشعب المنسي». فقبل انفجار الحرب الأهلية في سوريا كان الفلسطينيون هناك البالغ عددهم نصف مليون لاجئ يعيشون في ظروف جيدة نسبياً، حيث كانوا يحظون بفرص التعليم والرعاية الصحية الشاملة وامتلاك المشروعات، وتمكن بعضهم من تحقيق نجاحات والانتقال خارج المخيمات ووضع أسس مستقبل جيد لأسرهم.

ولكن كل ذلك تغير الآن بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، حيث فقد الفلسطينيون أعمالهم ومنازلهم وقتل عدد كبير منهم وأجبروا على الهرب من القتال المحتدم في البلاد. ووفقاً لتقرير «أنيرا» فقد أجبر 85 في المئة ممن كانوا يعيشون في معسكر اليرموك للاجئين على الرحيل إلى المنفى حيث تحولوا إلى لاجئين للمرة الثانية.

وبسبب عدم امتلاكهم لجنسيات مثل غيرهم من اللاجئين عاني هؤلاء الفلسطينيون من صعوبات في الدخول إلى تركيا والأردن مما دفعهم للدخول والتكدس في لبنان مرة ثانية على رغم أن معسكرات اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان بالفعل مكتظة سلفاً بقاطنيها وفي حالة يرثى لها من الفقر ونقص الإمكانيات. وعندما تحدثت مع «بيل كوركوان» رئيس «أنيرا» الأسبوع الماضي حول الموضوع، وصف لي الظروف المروعة التي يعيش فيها هؤلاء الفلسطينيون الآن، والتي وصلت إلى حد تكدس 20 شخصاً من أفراد الأسرة الواحدة الممتدة في غرفة واحدة في مبانٍ متداعية تفتقر إلى الخدمات الصحية داخل المخيمات. ومما يزيد الطين بلة أن هؤلاء اللاجئين القادمين من سوريا لا يسمح لهم بالعمل في لبنان، وهو ما جعل 90 في المئة منهم يعانون من البطالة.

ومن المعروف أن وكالة الأمم المتحدة للرعاية والإغاثة هي المسؤولة عن العناية باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتقديم الدعم لهم. وهذه الوكالة التي تعاني بالفعل من نقص التمويل أصبحت مثقلة بالأعباء، وغير قادرة بالتالي على القيام بالمهام والواجبات المكلفة بها.

ونتيجة لذلك فإن ثلاثة أرباع الأطفال الفلسطينيين القادمين من سوريا لم يلتحقوا بمدارس، ويعانون من كثير من الأمراض التي تفشت بينهم. ومما يفاقم من مشكلاتهم أنهم، شأنهم في ذلك شأن معظم النازحين من مناطق القتال المحتدم، يحتاجون إلى رعاية نفسية وعقلية لمساعدتهم على التعافي من الإحساس بالفقد، والصدمات النفسية، والخوف، وهي احتياجات لم يتم الوفاء بها نتيجة لنقص الإمكانيات لدى الجهات التي يفترض فيها القيام بذلك.

و«أنيرا» على حق عندما تبادر بالإشارة إلى عدة أسباب تدعو المجتمع الدولي لضرورة الاهتمام بالوضع الخاص لهذه المجموعة من اللاجئين. فتجاهلهم سيعني أن الأحوال الكارثية التي يواجهونها في الوقت الراهن ستزداد وتتعمق سواء بالنسبة لهم أو بالنسبة للاجئين الآخرين، الذين سينضمون إليهم حيث لا تبدو هناك بارقة أمل في أن الحرب في سوريا ستهدأ في أي وقت قريب في المستقبل. وهؤلاء الفلسطينيون، بعد كل شيء، هم بشر يعانون من الانكشاف والضعف، ولديهم احتياجات تدفعهم إلى الجأر بالشكوى طلباً للاهتمام.

وهناك نقطة أخرى وهي أنه لو لم تتم معالجة الأمراض التي انتقلت إليهم، فإنها قد تنتشر وتتفاقم. والأمراض كما نعرف جميعاً لا تحترم حدوداً: فانتشار وباء في مخيم للاجئين من المرجح جداً أن ينتقل إلى خارجه مما تترتب عليه نتائج وخيمة للمنطقة بأسرها.

وعلى نفس القدر من الأهمية، يجب النظر في التوتر الناتج من تدفق اللاجئين على الأوضاع غير المستقرة وغير المتسامحة الموجودة في معسكرات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. فالإفقار المتزايد والمستمر لتلك المجموعات من اللاجئين، لن يقود، سوى إلى اليأس والغضب المتفاقم الذي يمكن أن يغذي التيارات المتطرفة والتيارات القابلة للتحول للعنف، على نحو قد يتبين أنه يصعب احتواؤه.

لقد زودنا تقرير «أنيرا» بتذكير مهم بشأن تلك العواقب التي جرى تجاهلها طويلاً للحرب الأهلية السورية. ومن الصائب بالنسبة للمجتمع الدولي أن يعمل على معالجة احتياجات السكان السوريين اللاجئين والنازحين لأن محنتهم تمثل كارثة إنسانية بكافة المقاييس. كما أنه من الصائب أيضاً بالنسبة لهذا المجتمع أن يبحث عن طريقة للمضي قدماً نحو إنهاء الصراع في سوريا، ووضعها على طريق التحول إلى مستقبل ديمقراطي سلمي.

ولكن المجتمع الدولي مطالب أيضاً إلى جانب هذا وذاك بالعمل على التعرف على محنة «الشعب المنسي»، أي محنة الفلسطينيين الذين فروا من سوريا، وهؤلاء الموجودين بالفعل في لبنان. إن الجهود الرامية لحل الحرب السورية والصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني، يجب أن تشمل حلاً سياسياً لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين المستمرة منذ ستة عقود ونصف. فاحتياجات هؤلاء اللاجئين وحقوقهم يجب أن تراعى، وأن توضع في مقدمة وقلب كل حساباتنا.

المصدر: القدس، القدس، 27/5/2013