لاجئون في مهبّ الريح
بقلم: ماهر محمد /مخيم اليرموك
يتساءلون... من نكون... لاجئون في
مهب الريح... فلسطينيون تُنخر أجسادهم كما ينخر نقّار الخشب شجر السنديان...
تتساءلون... وتجتمعون في محافلكم... عرب... عجم... وبوذيون...تثرثرون... عفواً...
تتناقشون في قضية عمرها أكثر من ستين عاماً، وتخرجون...تنفضون عقولكم... وتمسحون
عرقكم وتقفون أمام الكاميرات وتقسمون إنكم على العهد باقون، وعن القضية ستدافعون.
تلك القضية التي ضاع حقها في بلدان
العالم أجمع، واليوم ضاع حقها في سورية بعدما كانت تؤوي أكثر من نصف مليون لاجئ
فلسطيني على أرضها لينتهي بهم المطاف باللجوء إلى الدول المجاورة لهم، فخرج بعضهم
إلى الأردن، وآخرون إلى لبنان، وغيرهم إلى مصر.
وكان بين من نزلوا إلى أرض مصر عائلة
فلسطينية الأصل سورية المنشأ، تتولى أمرها حاجّة تدعى أم محمد سعدية، وهي فارّة من
مخيم اليرموك في سورية بصحبة زوجات أولادها وسبعة أحفاد بعد أن استشهد لها ثلاثة
أبناء في قصف الطائرات السورية للمخيم، تقول: لقد جئنا إلى هنا طلباً للحياة،
لكننا صدمنا بالواقع المرير؛ فلدينا أربعة أطفال بعمر المدرسة، ولم نستطع إدخالهم
نظراً إلى تكاليف التعليم المرتفعة هنا، وقد حاول أهل الخير تقديم المساعدة لنا،
لكنها اقتصرت على الأكل والشرب. وزوجة ابني الشهيد محمد كانت حاملاً حينما قدمنا
إلى مصر، ولم نتمكن من أخذها إلى المشفى، نظراً إلى تكاليف العلاج والتوليد
المرتفعة جداً، ما جعلنا نحضر الداية لتوليدها في المنزل، وكانت هذه أقسى لحظات
عمري؛ فقد رزقنا الله صبياً لم يتمكن والده من رؤيته وتسميته وحمله بين ذراعيه؛
فقد أذاقتنا الثوة السورية طعم النكبة والموت والحسرة مرة أخرى، وكل ما نرجوه الآن
هو أن تفتح "الأونروا" مدارس للأطفال هنا ومساعدتنا في أن نحيا حياة
كريمة ريثما نعود هذه المرة إلى بلدنا الأم فلسطين، وأرجو الله أن يرحم أبنائي
الذين قتلوا على أرض عربية بيد عربية من غير ذنب.
ومن الحاجّة أم محمد، إلى السيد عصام
مصطفى، الذي قدم إلى مصر مع زوجته وأطفاله ووالديه بحثاً عن الأمن والأمان في رحاب
أم الدنيا، لكنه لم يرَ منها سوى مكان السفارة الفلسطينية، كما قال، فكل يوم كان
على موعد مع السفارة التي تورمت قدماه من الوقوف أمامها، منتظراً المساعدات
المادية والإنسانية التي تسبب الصداع للفلسطينيين هنا من كثرة السماع عنها،
قائلاً: أنا هنا منذ ثلاثة أشهر، وكل يوم كنت آتي من الصباح حتى موعد إغلاق
السفارة، أملاً في تلك المساعدات التي وعدنا بها، ولكن لا حياة لمن تنادي وكلها
وعود مكتوبة على الهواء لا صحة لكلمة منها، والكل يرمينا على الآخر: السفارة على
"الأونروا"، و"الأنروا" على الحكومة الفلسطينية، والأخيرة على
منظمة التحرير، وهكذا. لقد تعبنا من هذه الحياة، فنحن لا نريد إلا مساعدتنا في
الحصول على عمل نستطيع أن نحيا به حياة كريمة، وأن نتساوى، ولو قليلاً، مع أخوتنا
السوريين بالحقوق؛ فنحن لاجئون منذ 65 عاماً، وقد ذقنا المرّ في أكناف دول العالم
كلها، واليوم أكثر من 13000 ألف فلسطيني تُركوا في مهبّ الريح في مصر العروبة، مصر
التي كانت ومازالت قلب الأمة العربية، فهل قسا القلب حتى لم يعد يحنو على أبناء
جلدته، تاركة إياهم تحت رحمة الأمم المتحدة التي نفضت يديها ورفعت شعار
"آسفون لا مكاتب لنا في مصر"، وكأنها مكان معزول عن العالم ولا يحق
لسيادة المنظمة فتح مكاتب لها هناك.
ومع ذلك لا يحق لنا عزيزي القارئ أن
نستهزئ كثيراً بمنظمة "الأونروا"؛ فلدينا منظمة التحرير الفلسطيني
والسلطة الفلسطينية والسفارة الفلسطينية في مصر التي من الواجب عليها أيضاً تحمّل
مسؤولية هؤلاء اللاجئين بعدما عمل الفلسطينيون في مصر على تذكير السفارة بوجودهم،
فأقاموا اعتصاماً مفتوحاً أمام أبواب السفارة للاعتراف بهم ومساواتهم باللاجئين
السوريين، وتسجيلهم في المفوضيّة العليا للاجئين، لكن الرد جاء بكل بساطة بإغلاق
أبواب السفارة ووضع السيارات لإغلاق الطريق المؤدي إليها، تاركاً الشعب الفلسطيني
في متاهة السؤال عن حقوقه، أفلا يحق له أن
يطالب سفارته بأداء واجبها تجاهه؟
ألا يحق له، كما يحق للاجئ
السوري،تلقي مساعدات إنسانية ومادية وطبية وغذائية، وتوفير مندوبين رسميين
لاستقبالهم في المطار ومرافقتهم وتعميم أرقام هواتف هؤلاء المندوبين؟ هل كتب عليهم
أن يحيوا دوماً فوق صفيح مشتعل بعيداً عن روح الأمن والأمان، تاركين للأيام
القادمة مهمة الحكم على أمة العرب التي سترفع القبعة لهذا الشعب الجبار قائلة:
عذراً فلسطين لم نشعر بألمك حتى عرفناه وذقناه.
المصدر: مجلة العودة، العدد الـ70