لبنان واللاجئون الفلسطينيون: قصور التواطؤ
زياد الصائغ
ليس سهلا أن تعلن يأسك وقرفك من التعاطي الرسمي اللبناني، كما العام، مع قضية اللاجئين الفلسطينيين... مردّ اليأس والقرف استنتاج قاطع عن قرب، بأن لبنان الرسمي والعام، جاهل بهذه القضية على الأرجح، وديماغوجيّ المقاربات حتماً، ناهيك باستسهاله بحثها بمنأى عن التعقيدات التي تشوبها، وصولا إلى إمتطاء سياسييه فيها، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، تواكبهم مرجعياتهم الدينية، وصولا إلى امتطائهم احصنة مواجهة التوطين ومناصرة القضية الفلسطينية، بثقافة الشعارات الكاسدة.
في كل الأحوال، ومهما يكن من امر من عدّ ذاته "أبا الصبي: أو أمه" في هذه القضية، فإننا مستمرون، وعلى المدى الأكثر من بعيد، على ما يبدو في الاستناد إلى تسويق أن "اللاجئين الفلسطينيين ضحية" وأن "اللبنانيين جلاّد"، كما إلى ضرب أولوية وضع رؤية شاملة لمقاربة هذا الملف الشائك على كل المستويات الانسانية، والقانونية، والسيادية، والديبلوماسية. وفي هذا يتجلى قصور التواطؤ. فالقصور جهل وتجاهل لمأساة لبنانية – فلسطينية مشتركة منذ العام 1948. والتواطؤ تغييب لإمكانات التعرف والتحرك. لم يخرق قصور التواطؤ هذا سوى محاولة جدية للرئيس فؤاد السنيورة، أجهضت في بداياتها لأسباب تتعلق بطموحات استعادة زمام المبادرة بملف اقليمي لتكريس زعامة داخلية مهتزة، ما حتم مواجهة شريفة، قضت على هذه الطموحات، ليستدرك صانعو القرار ان القضاء عليها لا يكفي، بل يجب تحويل هذه القضية زاروباً من زواريب المحاصصة السياسية. فاذا نحن في دهليز انتحاري لبناني – فلسطيني، بت، ومن خبرة متواضعة، أعجز من أن أصدق ان هناك من هو جدي في إتخاذ قرار لاخراجنا منه.
ومهما يكن من أمر السياق الذي سبق، ثمة ما يستدعي قول الحقيقة كما هي، من حيث غياب كامل لأيّ استراتيجية لبنانية، أقله في المرحلة الراهنة، في مجلس الامن لمواكبة المعركة الديبلوماسية التي يخوضها الفلسطينيون، لانتزاع اعتراف من الهيئة العمومية للأمم المتحدة بدولتهم على قاعدة الحق بتقرير المصير.
وفي هذا قصور يتبدى تحديداً منذ العام 2005، بتدمير منهجي قامت به مقاربة مبتورة لوزارة الخارجية والمغتربين، وتحديداً في مسألة رفع مستوى ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية إلى سفارة، مبررة ذلك، بالخلاف الذي كان قائماً حينها بين "السلطة الفلسطينية" و"حماس" لناحية شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني، على الرغم من ان القانون الدولي واضح في هذا السياق. اما وقد تصالحت "السلطة" و"حماس"، وعلى الرغم من لا أحقية المبرر المطروح وقتها، فإن المسألة نفسها تستعيد إلحاحها بسبب من أن مفهوم "السفارة" بالمعنى القانوني مرتبط باعتراف بقيام دولة، فهل التعاطي الرسمي اللبناني سيستمر في شل دور لبنان في مجلس الأمن، كما ضرب الشرعية الفلسطينية في لبنان نفسه؟ أو َلا يعي القيمون على سياسة لبنان الخارجية أن القرار 181 القاضي بإنشاء دولة فلسطين مرتبط بالقرار 194 القاضي بانفاذ حق العودة اللاجئن الفلسطينيين؟ أوَ لا يحتاج لبنان رؤية استراتيجية في هذا السياق أبعد من الشعارات الفضفاضة؟
الى ذلك، يقترب لبنان من توليه رئاسة الهيئة الاستشارية العليا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في عز أزمة مالية – ادارية تتخبط فيها الوكالة، فهل سيرتجل لبنان موقعه أيضاً لترداد مقولات لن تشيح عنه توريطاً تدريجياً في دمج مجتمعيّ تدريجيّ للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بمعنى تحميله وزر خدمات هو أعجز عن أن يقدمها الآن لثلث الشعب اللبناني، كخدمات الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ، على سبيل المثال لا الحصر؟ ثم أيدرك القيمون على وزارة الداخلية والبلديات أهمية تنظيم قيود اللاجئين ومكننتها، ناهيك بفهم حالة فاقدي الاوراق الثبوتية وغير المسجلين منهم، بمنأى عن إعتباطية الهروب من هذا الملف كما فعل سابقون؟
إنه غيض من فيض، يضاف اليه إستباحة السيادة بالسلاح، وتدمير قرارات هيئة الحوار الوطنيّ بما خص السلاح الفلسطينيّ خارج المخيمات وداخلها، إلى حالات الفقر الظالمة، وتكريس كارتيلات الخدمات بالمقايضة، وصولا إلى الاستثمارات الاصولية، والفبركات الاستخباراتية المهددة للاستقرار اللبناني والفلسطيني على حد سواء. لبنان للأسف يتفرّج على كل هذا.
ثمة من يزعجهم إن دققنا ناقوس الخطر، ويحوّلون مباشرة حساباتهم سُلطوية مناطقية ضيقة، فيما يتفرّج آخرون ويدّعون عجزاً مراداً لتحقيق غايات في نفس يعقوب، لكن التاريخ لن يرحمهم وستنتصر القضية بلبنان.
*(مستشار رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني 2006 – 2010)
المصدر: جريدة النهار اللبنانية