لعبة المصالحة!!
بقلم: مؤمن بسيسو
أوقن تماما أن المصالحة، أو على وجه أدق التوافق
الداخلي بحده الأدنى، سوف يشق طريقه إلى واقعنا الفلسطيني خلال المرحلة القادمة.
كل ما في الأمر أن المصالحة عبارة عن لعبة أو دمية
في يد الرئيس عباس وبعض المحيطين به يتلاعبون بها كيفما يشاءون، ويحركون اتجاهاتها
ومساراتها وفق مصالحهم الحزبية وأجنداتهم الخاصة.
اللقاء الحواري الأخير في القاهرة أثبت قطعيا أن
الرئيس عباس يملك كافة مفاتيح المصالحة والتوافق الوطني، وأن الرجل يمارس التكتيك المكشوف
والمناورة المحسوبة على ساحة الحوار ابتغاء مساومة حركة حماس وابتزاز مزيد من التنازلات
منها.
منذ البداية ندرك أن الرئيس عباس يعمد إلى تقزيم
المصالحة في تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات، وأن انخراطه في بحث ومناقشة ملف منظمة
التحرير يتم على قاعدة الاضطرار لا القناعة، ما يجعله أشد ما يكون تقلبا من القِدْرِ
إذا استجمعت غليانا.
نوقن أن هناك قلة في حركة فتح تؤمن بأهمية الشراكة
الوطنية وضرورات إنفاذها على الساحة الوطنية، إلا أن الرئيس عباس والمحيطين به وغالبية
فتح لا يؤمنون بمفاهيم ومقتضيات الشراكة رغم تنظيراتهم الصاخبة لها بالشعار المكرور
والصوت العالي.
يتمنى الرئيس عباس والمحيطين به لو أغلقوا أعينهم
وفتحوها ليجدوا الحكومة التوافقية وقد تشكلت، والانتخابات قد جرت، دون أي مساس بملف
المنظمة التي تهيمن عليها فتح منذ عقود، وتشكل آخر قلاعها الحصينة التي تلوذ بجنباتها
في ظل الانهيار العملي لمشروع السلطة في وعي ونفوس الفلسطينيين، والسقوط المريع للمشروع
الوطني الذي تتبناه الحركة على إيقاع فشل التسوية والمفاوضات التي جعلت منها فتح خيارها
الوحيد الذي لا خيار سواه.
ما يزعج الرئيس عباس وجماعته أن حماس تتعاطى مع
المصالحة برمتها على قاعدة إنجاز الملفات المتوازية في إطار الرزمة الواحدة، فلا ملف
يتقدم على آخر، ولا إجراء للانتخابات في ضوء تجاهل ملف المنظمة وإجراء الانتخابات الخاصة
بالمجلس الوطني، وغياب الحريات على أرض الضفة الغربية.
حاول الرئيس عباس التذاكي سياسيا إبان لقاء القاهرة
الأخير، ليقدم على خطوتين خطيرتين رفع من خلالهما سقف مواقفه في مواجهة حركة حماس،
وأعاد خلط أوراق المصالحة في وجهها من جديد.
يعتقد عباس أن إعادة فتح الاتفاقيات التي تم إنجازها
سابقا من قبيل قانون الانتخابات ومدة عمل الحكومة التوافقية، ووضع الاشتراطات السياسية
من قبيل إقرار حماس بحل الدولتين للسماح بولوجها وحركة الجهاد إلى داخل المنظمة، من
شأنها أن تربك حماس وتعيدها القهقرى، وتجبرها على التأقلم مع المعطيات الجديدة تحت
ضغط الشارع ورغبات اكتساب الشرعية الإقليمية والدولية التي يوفرها الالتحاق بقطار المنظمة
المقبول دوليا.
ما يجترحه عباس اليوم يشكل إحياء قسريا لبرنامجه
السياسي الساقط، ونسفا تاما لبرنامج حماس الصاعد، وتساوقا مع الضغوط الأمريكية والإسرائيلية
الرامية إلى إفراغ المصالحة من مضامينها الحقيقية، وإخراج حماس من مشهد الحكم عبر البوابة
الانتخابية دون إتيان أيّ من متطلبات الشراكة الحقيقية أو بناء وحدة وطنية فاعلة تتصدى
لسياسات ومخططات الاحتلال وتواجه تحديات المرحلة القادمة.
رهانات عباس ستبوء بالخسران هذه المرة كما باءت
رهاناته السابقة، وسيعود إلى حماس عاجلا أم آجلا بعد أن يتمخض جبل أوباما والموقف الأمريكي
ويلد فأرا، وبعد أن يجد ذاته معزولا عن نبض شعبه في نهاية المطاف، تحاصره أسئلة التمثيل
والشرعية المفقودة، وتجلده عيون كل الفلسطينيين الذين يحلمون بالمصالحة ليل نهار.