لكي يتم تغيير النظرة السلبية تجاه
اللاجئين..!
د. سليم نزال
هذا المقال لا يسمح بالدخول بتفاصيل
كثيرة بخصوص هذا الموضوع، لكنه يقدم صورة عامة للدور الذي يلعبه المهاجرون او اللاجئون
الذين ينزحون من بلادهم على الأغلب بسبب الهروب من الاضطهاد، وهو للأسف أمر طبع
التاريخ البشرى ولم يزل.
أهميه طرح الموضوع هو مواجهة النظرة
السلبية الموجودة حول اللاجئين، والعنصرية في أحيان ليست قليلة في عدد من بلدان
العالم ومنها العربية، لانها تفتقد لمعرفة دور اللاجئين في تنمية العديد من بلدان
العالم.
بهذا المعنى لا بد من تغيير النظرة
تجاه اللاجئين، ليس فقط لأسباب أخلاقية وانسانية، وهو أمر مهم لأن هؤلاء ما تركوا
بلادهم إلا بسبب الحروب والمظالم، بل ولاعتبارات تنموية واقتصادية.
عندما يغادر اللاجئون أوطانهم فانهم
يأخذون معهم خبرات ومهارات في مناحي متعددة يضيفونها الى البلدان المضيفة، حتى لو
استثنينا الأموال التي يحملونها وهي في أغلب الأحيان ليست قليلة. لأنه من المعروف
ان الدفعات الأولى على الأقل للاجئي الحروب تكون من الطبقات الغنية القادرة على
الهجرة بسرعة بفضل امكانياتها المالية الكبيرة. .
هناك عشرات الأمثلة التى تبرهن على
دور اللاجئين في تنمية المجتمعات التي ينزحون اليها. فنزوح الآلاف من مدينة
القسطنطينية بعد استيلاء الأتراك عليها، كان نعمة كبيرة لأوروبا، التي وصلها مئات
العلماء والعقول النيرة التي كانت أوروبا بأمس الحاجة اليها. وكان على الأغلب من
الأسباب التراكمية التي أدت بالنهضة الأوروبية التي بدأت أول ما بدأت في مدينة
فلورنسا في ايطاليا. .
وفي فرنسا لولا اللاجئين
البروتستنانت الذين هربوا من الاضطهاد الكاثوليكي اثناء الصراع الديني هناك، لما
حصلت قفزة في التطور الثقافي في المانيا، ودور اللاجئون الفرنسيون من انصار
الملكيه الهاربين من الثورة الفرنسية الى انكلترة، وجلهم من الطبقات البورجوازية
المتعلمة، دور معروف في مختلف الحقول بما في ذلك تأثيرهم على اللغة الانكليزية
ذاتها. .
وهناك دور لللاجئين الهاربين من
الاضطهاد في أوروبا الى أمريكا في تطور امريكا على النحو الذي نعرفه. وكذلك دور
الاجئون اليهود الهاربين من الاضطهاد الاسباني أيام محاكم التفتيش ومساهماتهم في
تطوير الأحوال في المغرب والدولة العثمانية.
واللاجئون المهاجرون اللبنانيون
والسوريين الذين ذهبوا الى مصر للبحث عن مناخات حرة في ظل الاضطهاد والتضييق
العثماني أسسوا حوالي 200 صحيفة ومجلة،
أبرزها "الأهرام" وأثروا الحياة في مصر في مناحي متعددة. وبرز منهم
أسماء كبيرة في الفكر والأدب والفن أكثر من أن تحصى بدءا من فرح انطون الى شبلى
الشميل الى يوسف شاهين الى فريد الاطرش الى عمر الشريف وسعاد حسني.. الخ.
وذات الشيء ينطبق على هجرة أهل بلاد
الشام للأمريكيتين (الشمالية والجنوبية) حيث لعبوا ادوارا في مناحي الحياة
المختلفة. ففي تشيلي مثلا حيث يوجد نصف مليون من أصل فلسطيني، وهو أكبر تجمع
فلسطيني خارج المنطقة العربية، حيث يلعب الفلسطينييون دورا مهما في الاقتصاد
التشيلي وكذلك في الثقافة، حتى يقال في تشيلي انه من غير الممكن الا تجد اما مدرسا
او قسا فلسطينيا في اية قرية تذهب اليها في تشيلي.
أما اللاجئون الأرمن فدورهم معروف
خاصة في حقل الصناعة وسواها في البلدان التي نزحوا اليها خاصة الى سوريا ولبنان.
وذات الكلام يمكن ان يقال عن دور
اللاجئين من الشيشان الى الاردن..
أما اللاجئون الفلسطينيون فكان لهم
دور هام في تنمية البلاد التي نزحوا اليها خاصة الأردن، حيث لعبوا فيها دورا مهما
في الاقتصاد والتعليم والفن وهم اكثر من ان يحصوا مثل أبو غزالة والمصري ..الخ.
وفي لبنان برز منهم في الاقتصاد من أمثال عائلة عودة في الاعمال البنكية (بنك
عودة) وفي تطوير الزراعة خاصة الحمضيات. وفي الفن مثل حليم الرومي وصبري الشريف
وعبود عبد العال ..الخ، كذلك في بلاد الخليج العربي التي ساهموا في تنميتها في
حقول متعددة.
هذه امثلة محدودة عن دور اللاجئين في
تنمية البلاد التي نزحوا اليها، ولذا من الضروري ان تنتهي النظرة السلبية
والعنصرية تجاه هؤلاء لأنهم ثروة للبلاد التي نزحوا اليها وليس عبئا..!!
* كاتب
وأكاديمي فلسطيني