للاجئين «سفارة في العمارة»
شو بتنفعنا السفارة؟ منطلب فيزا على فلسطين؟ «ينتظر الفلسطينيون أيلول المقبل ليتوجهوا إلى مجلس الأمن ليطالبوا بالاعتراف بدولتهم. اللاجئون لا يعرفون ماذا سيصبحون في هذه الحال: جالية للدولة التي أصبح لها سفارة هنا، أم مجرد لاجئين؟
قاسم س. قاسم
أصبح للفلسطينيين سفارة في لبنان. خطوة ترفيع العلاقات الدبلوماسية بين الدولة اللبنانية والدولة الفلسطينية العتيدة، صارت الشغل الشاغل في المخيمات حالياً، إذ لا تجد اثنان إلا كان موضوع السفارة الفلسطينية ثالثهما. الخطوة جاءت متأخرة، وقد انعكس تأخرها سلباً في الماضي على وضع اللاجئين، الذين كانوا يجدون أنفسهم في مواجهة «حجج» الدولة اللبنانية بأنها تفتقر إلى مرجعية موحدة تتفاوض معها، لكن أن تأتي متأخراً أفضل من أن لا تأتي أبداً. يسأل هؤلاء عن كيف يمكن أن ينعكس الارتقاء بالتمثيل الدبلوماسي بين الدولة اللبنانية والدولة الفلسطينية على الواقع المعيشي للاجئين الفلسطينيين في لبنان؟ هل سينتهي مفعول حجة «المعاملة بالمثل»، بما أنه قد أصبح للفلسطينيين دولة معترف بها لبنانياً، ولها «بالأمارة» سفارة؟ وفي كل الأحوال، ماذا سيستفيد الفلسطيني من وجود سفارة لدولته المقبلة في لبنان؟ وهل سيصبح الفلسطيني مواطناً أم سيبقى لاجئاً؟ أم سيكون هناك فلسطينيون من الفئتين؟
هكذا، لا يزال الغموض يلفّ الدور الذي سيؤديه وجود السفارة الفلسطينية في حياة فلسطينيي لبنان، في المقبل من الأيام. ولو أن الرئيس الفلسطينيّ حرص خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان على إطلاق تصريحات «مطمئنة» للطبقة السياسية اللبنانية، وفي الوقت ذاته تشرح هذه الإشكالية تحديداً من وجهة نظر السلطة الفلسطينية.
إذ إنّه في لقائه مع مدراء تحرير الصحف قال عباس إنه «بالنسبة إلى الوضع الفلسطيني في لبنان، نحن وجهة نظرنا كمنظمة تحرير فلسطينية، وأنا أتكلم باسم «منظمة التحرير الفلسطينية»، نحن نقول الآتي: التوطين مرفوض جملة وتفصيلاً، ولن نقبل توطين الفلسطينيين في لبنان»، كما كان قد قال أبو مازن في حفل الإفطار الذي أقامه رئيس الجمهورية ميشال سليمان على شرفه إن «وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مؤقت ويخضع للقانون اللبناني (…) وحصولهم على الحقوق المدنية والاجتماعية للعيش بكرامة لا يعني التوطين».
الفلسطينيون أنفسهم لا يعرفون كيف سينعكس واقع وجود السفارة على حياتهم. شبان في المخيم علقوا ساخرين على هذه الخطوة، بما يشير إلى انشغالهم بالمسألة «يعني شو؟ بكرا الناس شو بدها تعمل بالسفارة يعني؟ تطلب فيزا على فلسطين؟» يقول أحدهم ضاحكاً، فيضحك البقية للنكتة، ما يشجعه على الاستطراد ساخراً حتى من اعلان الدولة الفلسطينية العتيدة في أيلول المقبل: «والدولة؟ هل ستستقبل طلبات لجوء اليها». تترك وراءك الشباب الضاحكين، وأنت لا تزال تفكر: لكن فعلاً؟ ما هو الدور الذي ستضطلع به السفارة الفلسطينية في لبنان؟
القانوني الفلسطيني د. سهيل الناطور أجاب عن أسئلتنا. يقول الناطور إنّ للسفارة، وللدولة الفلسطينية في حال قيامها، وضعاً خاصاً. فالدولة في حال إعلانها، ستكون «دولة تحت الاحتلال وغير مكتملة السيادة»، ويضيف «ففي الشكل هي تمثيل للدولة الفلسطينية، لكن مضموناً هناك خصوصية هي نقص السيادة». يضيف الناطور إن «المطروح حالياً أن يفتح العرب سفارات لدولة فلسطين في أراضيهم، وليس بالضرورة مثلاً أن يكون هناك سفارة لبنانية في فلسطين»، انطلاقا من مبدأ الاعتراف المتبادل. أما عن الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهل سيصبحون جالية في حال إعلان الدولة، وبعد قيام السفارة؟ فيجيب الناطور «سيبقى اللاجئون لاجئين، ولن يصبحوا جالية لدولة فلسطين، لأنهم مرتبطون بقضايا الحل النهائي». ويضيف إنه من غير المطروح حالياً أن يصبح اللاجئون مواطنين «لأن الدولة غير منجزة، وإذا رفع مستوى التمثيل فإن الاحتلال يحتاج إلى وقت لطرده». أما بالنسبة إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بين الدولة اللبنانية والفلسطينية، فيقول الناطور «عندما يضع لبنان نصوصاً وقوانين فإنه يضعها لكل الأشخاص من غير اللبنانيين، ولا يمكننا (كفلسطينيين) أن نطالبه باستثناء الفلسطيني، ولا يمكن تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل حتى مع قيام السفارة، في ظل احتلال الدولة الفلسطينية، وخاصةً أن اللبناني لا يستطيع أن يزورها. لذلك يجب أولاً إكمال مرحلة السيادة وطرد الاحتلال». يضيف الناطور إنه «يجب إعفاء الفلسطيني من مبدأ المعاملة بالمثل لأن وجود السفارة هو وجود سياسي يقونن العلاقة مع اللبنانيين» فقط. أما الاستفادة التي قد تؤمنها السفارة للفلسطينيين، فقد تكون بإعطائها «فاقدي الأوراق الثبوتية بطاقات هوية، مما يجعلهم مواطنين لدولة فلسطين، ويعاملون كمواطنين» يقول الناطور.
وقد يتبادر إلى الأذهان فوراً الترحيب بهذه الفائدة التي ستعم آلاف الفلسطينيين، الذين يعانون عدم تمتعهم بشخصية قانونية معنوية، لكن سرعان ما يبدد الباحث الفلسطيني صقر أبو فخر أثر هذه النقطة «الفلسطيني لن يستفيد من السفارة او الدولة الفلسطينية، فهو إذا أخذ جواز السفر الفلسطيني، حينها لن يعود لاجئاً، بل يصبح مواطناً لدولة فلسطين (بحدود عام 1967)»، أي إنه سيخسر حق العودة إن كان من لاجئي عام 1948. ويضيف الباحث «كما أنك لن تأخذ حقوقك في لبنان إلا إذا أخذت جواز سفر الدولة». يشرح صقر كيف أن اعتراف لبنان بالدولة والسفارة الفلسطينية لا يلغي «حق عودة اللاجئين إلى أراضيهم الأصلية، كما أنه لا يلغي صفة اللاجئين عن اللاجئين، لأن موضوع اللاجئين من القضايا المعلقة للمرحلة النهائية»، كما أن اعتراف لبنان هو «اعتراف بالدولة الفلسطينية كما يقررها الفلسطينيون، وهو نوع من دعم خطوة منظمة التحرير، لكن في واقع الأمر هذا لا يغير شيئاً في علاقة الدولة اللبنانية مع اللاجئين على أراضيها، ولا يغير شيئاً في جوهر العلاقة، إذ كان هناك مكتب لمنظمة التحرير ثم ممثلية للمنظمة والآن سفارة». من جهته، يقول عدنان منصور وزير الخارجية اللبناني في اتصال مع «الأخبار» إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يعني إلغاء حق العودة، إذ إن مسألة «اللاجئين تبقى عالقة ولبنان يتعاطى مع الفلسطينيين الموجودين فيه كمواطنين جاؤوا بفعل نزوح، ولبنان متمسك بالكامل بحق العودة وبعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها، ومن ثوابته تطبيق القرار 194 الصادر عام 1948»، ويضيف منصور إن ترفيع المستوى الدبلوماسي مع السلطة الفلسطينية هو تطبيق لـ «القرار صادر عن مجلس الوزراء عام 2008، والقاضي برفع مستوى التمثيل إلى مستوى السفارة، مما يعني أن لبنان ذاهب إلى الأمم المتحدة في ايلول المقبل للتصويت إلى جانب قيام دولة فلسطين».
---------------------------------------------------------------
اعترف الشاه الإيراني بدولة «إسرائيل» وسمح لها بتمثيل سياسي وتجاري في طهران عام 1960، لكن بعد نجاح الثورة الإسلامية في ايران وسقوط نظام الشاهنشاهية تغير الموقف الإيراني تجاه القضية الفلسطينية. فاستبدلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأيام الأولى لانتصار الثورة سفارة الكيان الصهيوني في طهران بسفارة فلسطين، إذ أعلن الإمام الخميني حينها «أن الإسلام وشعب إيران المؤمن والجيش الإيراني الأبي يعلنون استنكارهم وشجبهم لتحالف السلطة الملكية مع «إسرائيل»، عدوة الإسلام وإيران».
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية