لماذا تأخرتم في العودة؟
«إلى أين انتم ذاهبون؟»، سألت شتــلة التبغ في سهل مارون الراس العائدين إلى فلسطين.. هل بقيت أبواب دياركم كي تحملوا معكم مفاتيحها؟ والاحتلال قد محا من الوجود بيوتكم بعد أن هجركم منها... لماذا قررتم العـودة الآن؟ هل ضاقت بكم سبل العيش في مخيمـات الشتات حيث لا كهرباء ولا ماء... لا حق لأبنائكم بوظيفة لائقة هو لاجئ من الدرجــة العاشرة.. هل تعبتم من السير في الأزقة الوعـرة، فبدوتم حين انطلقتم مثل غزال تحرر لتوه من قفص.. اعرف قضيتكم.. اعرف عبــوركم الأول حـين مررتم من هنا قبل أكثر من ستــين عاما.. لكن لماذا لم تعودوا حينها أو بعد حينها أو قبل حيننا...؟
لماذا تأخرتم كل هذه السنوات..؟ من منع عن عيونكم رؤية أرضكم ولو من خلف السياج..؟ هل يحتاج خروجكم من المخيم إلى تأشيرة خاصة تستحصلون عليها من السلطات المحلية كي تسمح لكم بمشاهدة جبالكم وتلالكم..؟ من منع عنكم العودة، المحتل أم الأنظمة العربية التي باعت قضيتكم في الأروقة الخلفية للمحافل الدولية أم تلك القوى التي استأثرت بدفة الصراع فأدارته بالكثير من الشعارات والدماء، أم جميعهم فعلوا..؟ من منع عنكم العودة والقاتل جندي خائف يطلّ من خلف دبابة ليطلق النار عليكم..؟ يخاف من أسمائكم، من أسماء مدنكم وقراكم القديمة ولا يخاف من أسماء مخيماتكم لأنه يعرف جيدا من يحاصركم فيها..
على مهل سيروا أيها الأصدقاء، خففوا الوطء عليّ فأوراقي يانعة، وقد تفتحت قبل هطول موسم الثورات العربية التي أصابها الجفاف قبل أن تكتمل فيها دائرة التغيير...على مهل سيروا فجذوعي طرية مثل مناديل نسائكم، ليس بمقدورها أن تحميكم من الطلقات القادمة والشمس حارقة.. فاعبروا قربي لا فوقي.. تهادوا في العبور هنا وحاذروا الخطى بيني كي أظلل أقدامكم العارية بفيء وريقاتي الصغيرات، وتهادوا هناك وحاذروا الخطى أيضا فعلى بعد أمتار من هنا ينتــظركم سياج شائك وحقل ألغام وقاتل احترف قتل الأطفال والنساء والشيوخ...
كان بإمكانكم أن تفعلوا ذلك قبل الآن، حتى لو اضطررتم إلى العبور فوقي لا بيني، فسوف تغطي أوراقي حقول الألغام، وسوف أمدّ جذوعي الصغيرة جسرا لكم... فاعبروا. كرروا العبور ثانية، كرروه مرات ومرات، ولا تحتسبوا مواكب التشيع فالموت عند حدود وطنكم شهادة صافية.. فاعبروا كيف ما شئتم.. واعبروا فوقي لا بيني إن كان ذلك هو سبيلكم للعودة..
المصدر:السفير