لماذا تريد حماس الانتفاضة الثالثة؟!
بقلم: حازم بعلوشة
تدفع حركة حماس بكلّ قوّتها عبر تصريحات قادتها
ونشاطاتها الميدانيّة من مسيرات في اتّجاه اندلاع انتفاضة فلسطينيّة ثالثة في
الضفّة الغربيّة والقدس، الأمر الذي قد يحسّن من تحرّك عناصرها في الميدان في مدن
الضفّة الغربيّة، في ظلّ القبضة الأمنيّة المفروضة عليهم من السلطة الفلسطينيّة،
وتجميد التنسيق الأمني مع إسرائيل.
خرج مسؤول حماس الأوّل في قطاع غزّة إسماعيل
هنيّة في خطبة الجمعة في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر، والتي تمّ بثّها على الهواء
مباشرة عبر قناة الجزيرة والقنوات التلفزيونيّة التابعة إلى حماس، لينادي على
الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة والقدس، ويحثّهم على الاستمرار في مواجهة
إسرائيل، وليعلن انطلاق الانتفاضة الفلسطينيّة.
وقال في خطبته: "الانتفاضة الطريق الأوحد
نحو التحرير بعد الضياع في طريق المفاوضات التي ولّدت التيه والخلاف الداخليّ...
لأنّ خلافنا ليس على سلطة، إنّما هو اختلاف برامج ومناهج في مسارات التحرير".
وأضاف: "سئم شعبنا المفاوضات، وبات يمتلك
القرار وزمام المبادرة، ويتقدّم بكلّ عنفوان، ولا يبالي بكثرة التضحيات
والدماء".
أصبحت حماس التي تؤمن بالعمل المسلّح كنهج
لمقاومة الاحتلال الإسرائيليّ تؤيّد الانتفاضة الشعبيّة والمواجهة الفرديّة
المباشرة على الأقلّ في هذه المرحلة، اعتقاداً منها أنّ العمل المسلّح قد يضعف
انطلاقتها واستمرارها وفقاً لما أوضحه مصدر مطّلع في حماس
لـ"المونيتور".
وقال المصدر بشرط عدم الكشف عن هويته: "نحن
نبحث في كلّ القواسم المشتركة مع كلّ الفصائل من أجل تحقيق انطلاقة حقيقيّة
للانتفاضة. نؤمن أنّ استمرار الانتفاضة في حاجة إلى دعم إعلاميّ ومعنويّ وماديّ،
والعمل المسلّح في البدايات قد يزيد من حجم الضغوط على أبو مازن من أجل
وقفها".
وأضاف: "التنسيق الأمنيّ
الفلسطينيّ-الإسرائيليّ هو تحت إشراف القيادات الأمنيّة الأميركيّة التي تمكّنت من
إحباط محاولات تنظيم خلايا للمقاومة العسكريّة في الضفّة الغربيّة، لذا الحلّ الأمثل
في هذه المرحلة هو الاستمرار في أعمال المقاومة الفرديّة في الضفّة الغربيّة
والقدس".
وسمحت الأجهزة الأمنيّة التابعة إلى حماس في
قطاع غزّة في (9 تشرين أول/اكتوبر) بوصول المتظاهرين الفلسطينيّين إل الحدود
الفاصلة مع إسرائيل في شمال القطاع وشرقه لتفادي أيّ انتقادات أنّ قطاع غزّة قد
يبدو بعيداً عن الاشتباك المباشر مع القوّات الإسرائيليّة.
استبق هنيّة في خطبته ذاتها أيّ انتقادات
قائلاً: "غزّة وعلى الرغم من كلّ مؤامرات الخنق والإغراق التي تتعرّض إليها،
لن تتخلّى عن دورها الاستراتيجيّ وهي على أهبّة الاستعداد إلى هذه المعركة
والانتفاضة المباركة، ولن تترك الضفّة المباركة".
ويواجه عناصر حماس في الضفّة الغربيّة اعتقالات
مستمرّة من قبل الأجهزة الأمنيّة هناك منذ سيطرة حماس على قطاع غزة، إضافة إلى
تفكيك أيّ خلايا عسكريّة تنوي تنفيذ عمليّات عسكريّة ضدّ إسرائيل، كما تحظّر
السلطة معظم نشاطاتها وفقاً لما تعلنه في بياناتها.
وقال مستشار إسماعيل هنيّة الإعلاميّ طاهر
النونو لـ"المونيتور": "الانتفاضة هي خيار الشعب الفلسطينيّ الذي
دفع إليها دفعاً بسبب ممارسات الاحتلال العنصريّة ضدّ القدس والمسجد الأقصى وإغلاق
الباب أمام الحلول السياسّية التي يمكن أن تعيد حقوقه، إضافة إلى إطلاق يدّ
المستوطنين لإرهاب الشعب الفلسطينيّ".
إلّا أنّ مصدراً آخر في حماس رفض الكشف عن
هويّته قال لـ"المونيتور": "بعد نقاشات معمّقة دارت في مؤسّسات
الحركة القياديّة، تمّ التأكيد على ضرورة إشعال الانتفاضة والمحافظة على استمرارها
بكلّ السبل الممكنة وحشد وسائل الإعلام المختلفة لتعزيزها".
وأضاف: "يعتقد رأي داخل الحركة أنّ اندلاع
الانتفاضة سيسمح باستعادة حماس قوّتها في الضفّة الغربيّة في حال اندلعت الانتفاضة
لأنّ التنسيق الأمنيّ بين السلطة وإسرائيل سينهار، فيما ذهب رأي آخر إلى الاعتقاد
أنّ الانتفاضة قد تحقّق المبدأ بأنّ لا استعادة للحقوق الفلسطينيّة إلّا عبر
مواجهة الاحتلال شعبيّاً وعسكريّاً وسقوط خيار المفاوضات".
وعاشت حماس تجربة شبيهة بتلك التي تواجهها في
الضفّة الغربيّة، ما قبل اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية في عام 2000، حيث
كانت تواجه الاعتقالات والحدّ من نشاطاتها في الميدان من قبل الأجهزة الأمنيّة
التابعة إلى السلطة الفلسطينيّة في قطاع غزّة.
رأى أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة الأزهر في
غزّة مخيمر أبو سعدة أنّ خيار حماس هو الانتفاضة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة
والقدس لاعتقادها أنّ قطاع غزّة بات محرّراً من الاحتلال المباشر.
وقال في حديثه إلى "المونيتور":
"خيار الانتفاضة سيخفّف من الضغط الأمنيّ على عناصر حماس في الضفّة الغربيّة
منذ ثمان سنوات، لأنّ قوّة السلطة الفلسطينيّة وأجهزتها الأمنيّة ستتآكل على
المستوى الداخليّ، بل سينهار في مرحلة ما التنسيق الأمنيّ مع إسرائيل".
وعلم "المونيتور" من مصادر مختلفة في
الفصائل الفلسطينيّة أنّ حركة حماس تعقد اجتماعات يوميّة مع قيادات الفصائل
الأساسيّة في قطاع غزّة من أجل حثّها على استمرار الانتفاضة.
وأوضح مصدر حضر أحد الاجتماعات أنّ هناك
اتّصالات مباشرة تتمّ بين قيادة حماس وقيادات في السلطة الفلسطينيّة في رام الله
من أجل دفعها "لعدم إجهاض الانتفاضة واستمرار المواجهات بين الشبّان
الفلسطينيّين وقوّات الاحتلال الإسرائيليّ في كلّ نقاط التماس".
وأكّد المصدر الأول في حماس: "نحن نسعى إلى
كسر الهوّة بيننا وبين قيادة فتح وتوحيد الهدف والوسائل المستخدمة في مواجهة
الاحتلال الإسرائيليّ، كون العمل العسكريّ وحده لن يجدي نفعاً من دون وجود قوّة
سياسيّة والعكس كذلك".
وأضاف: "الانتفاضة الثالثة فرصة ذهبيّة
لتوحيد جهود الجميع من أجل تحقيق الانتصار ضدّ إسرائيل. وإذا وافق أبو مازن على
ذلك، سيتحقّق الإنجاز وستعود إلى القضيّة الفلسطينيّة هيبتها التي فقدتها خلال
السنوات الأخيرة والذي انعكس بشكل واضح في خطابات القادة في اجتماعات الجمعية
العمومية التابعة للأمم المتحدة الشهر الماضي والذي لم يأت أحد من القادة خلال
خطاباتهم على ذكر القضية الفلسطينية ".
سعي حماس المستمر إلى الوصول إلى انتفاضة شعبيّة
في الضفّة الغربيّة والقدس وتنازلها عن استخدام العمل المسلّح موقّتاً في الفترة
الأولى، قد ينجحان أو يفشلان بناء على موقف الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس الذي
يتعرّض إلى ضغوط مستمرّة من المجتمع الدوليّ للتخفيف من حدّة الاحتقان المستمرّة،
كما أنّ سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين قد تكون عاملاً مساعداً أو مثبطاً
للانتفاضة.
المصدر: المونيتور