ليكن 2011 عام المرجعية الفلسطينية الموحدة في لبنان وتطوير إدارة المخيمات
رأفت مرة - بيروت
على امتداد أكثر من اثنين وستين عاماً، عاش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان في ظروف سياسية وأمنية واجتماعية ضاغطة، وأوضاع إنسانية واقتصادية صعبة، زاد من حدتها الاعتداءات الصهيونية المتواصلة على الوجود الفلسطيني في لبنان، وانعكاسات الأزمات اللبنانية الداخلية التي تمثلت في حروب ومعارك عديدة، والظلم الذي تعرض له اللاجئون الفلسطينيون نتيجة التمييز، وهي السياسة اللبنانية الرسمية تجاههم، والتي أدت إلى منعهم من العمل والتملك والحياة في ظروف اجتماعية صعبة، واستمرار التعاطي معهم على أساس قاعدة أمنية.
نبذة تاريخية
في قراءة موضوعية لمراحل الوجود الفلسطيني في لبنان، نجد أن هناك مجموعة من القواعد حكمت التعاطي مع هذا الوجود. فالسلطة اللبنانية نظرت إليهم من زاوية أمنية بحتة، واعتبرتهم مسؤولين عن الخراب والحروب التي وقعت في لبنان، وهذا ليس صحيحاً أبداً في حال إجراء قراءة علمية موضوعية لأسباب الأزمة في لبنان.
ومنظمة التحرير الفلسطينية تعاطت مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من باب "التوظيف"، فتم استخدام الوجود الفلسطيني في لبنان في مشاريع سياسية وأمنية خدمت الأهداف التي سعت إليها منظمة التحرير، ومنها المفاوضات مع الاحتلال الصهيوني، وإقامة دولة فلسطينية، وتعزيز أوراق التفاوض أمام المجتمع الدولي، والصراع مع دول عربية عديدة.
وخلال 62 عاماً، لم ينظر أحد – إلا القليل – إلى الوجود الفلسطيني في لبنان من زاوية إنسانية أو قاعدة مسؤولة طبقاً لقيمة الشعب الفلسطيني ووزنه وحضارته وتاريخه ونضاله، أو من زاوية مفهوم متطور للعلاقات الفلسطينية اللبنانية واحترام الشعب اللبناني ودولته ونظامها.
فقبل عام 1969 كانت المخيمات الفلسطينية في لبنان تدار من قبل المخابرات اللبنانية المعروفة في ذلك الوقت باسم "المكتب الثاني"، وهذا يعني سلطة أمنية. وبعد ذلك وبالتحديد في نهاية عام 1969 تم توقيع اتفاق القاهرة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة اللبنانية، وأعطيت إدارة المخيمات لمنظمة التحرير، لكن بعد إلغاء هذا الاتفاق عام 1987 حصلت خلافات فلسطينية داخلية على المستويات السياسية أدت إلى معارك مسلحة، فانقسمت إدارة المخيمات بين المعسكرين المتواجهين، وهما المعسكر المؤيد للتسوية والمعسكر المعارض لهذا النهج.
إدارة ناقصة
وأدى اتفاق الطائف اللبناني وإفرازاته، إلى جعل المخيمات الفلسطينية في لبنان تبقى في حالة من الإدارة المجتزأة المنقوصة، وصارت هذه المخيمات تعيش وضعاً استثنائياً غريباً ربما لا يوجد مثله في العالم، خاصة وأن السلطة اللبنانية رفضت إدارة المخيمات بشكل مباشر لأسباب سياسية وأمنية، ولأسباب تتعلق بالقوانين اللبنانية الظالمة التي طوقت اللبنانيين أنفسهم، ولأسباب تتعلق بالتعقيدات الإقليمية والدولية المعروفة.
إذاً، فمنذ عام 1982بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان تعيش المخيمات الفلسطينية في لبنان حالة فريدة من الإدارة، تتمثل بوجود لجان شعبية تمثل خطاً سياسياً معيناً، تقوم بإدارة قطاعات معينة من شؤون اللاجئين الفلسطينيين.
فهذه اللجان تهتم عادة بالأمور الخدماتية مثل المياه والكهرباء، وأحياناً تتدخل في شؤون النظافة، وتنشغل في بعض الأحيان بالقضايا السياسية مثل الاحتفالات والاستقبالات والأنشطة السياسية واستقبال الوفود والإدلاء بتصريحات ومواقف إعلامية.
لكن هذه اللجان، كما يعرف الجميع، مقصرة في التعامل مع القضايا الحساسة والجوهرية التي تهم الفلسطينيين في لبنان مثل مسائل الرعاية الصحية والعمل ومعالجة الأزمات وإيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية، ومتابعة قضايا التعليم في المدارس، ومشاكل هذا القطاع.
وهذه اللجان بحكم إمكانياتها البسيطة وطريقة تشكيلها وكفاءة أفرادها لا تستطيع التصدي لقضايا التنمية الاجتماعية الشاملة، والعلاقة مع السلطة اللبنانية وإدارة شؤون المخيم بكافة تعقيداته، ومنع التجاوزات والمخالفات، ووقف عمليات الاعتداء على الأملاك العامة.
ويلعب الانقسام السياسي في الساحة الفلسطينية دوراً في إضعاف الإدارة على المخيمات، ويزيد من هذه المشكلة العرف السائد أو التقليد الأعمى الذي تسير عليه جهات فلسطينية معينة، والتي تبحث عن سيطرتها على هذا القطاع أو ذاك، وعن احتكارها للقرار والمرجعية.
ما هو الحل؟!
في قراءة علمية وموضوعية يجب الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المحددات قبل أن نتحدث عن الحلول:
1- إنه من الصعب لا بل من الخطر أن يبقى مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، على ما هو عليه اليوم من مشاكل وأزمات تعليمية واجتماعية وسياسية وأمنية تهدد بقاءه.
2- إن الأزمات الموجودة اليوم في المجتمع الفلسطيني صارت أزمات مستفحلة ومعقدة للغاية، وهذا يؤكد أنه لا توجد قدرة لأي جهة فلسطينية أو لبنانية أو دولية منفردة لإيجاد حل لهذه الأزمات.
3- إن اللاجئين الفلسطينين في لبنان معنيون بتصحيح أوضاعهم من خلال مجموعة من الخطوات، ومن خلال التركيز على قطاعات محددة، وفق آلية عمل وبرنامج متواصل.
4- يجب الأخذ بعين الاعتبار الموازين الفلسطينية الداخلية، والمتغيرات الحاصلة في المجتمع الفلسطيني، في السنوات الأخيرة، كما يجب إجراء تحديث لطبيعة الإدارة وتطوير آلية العمل، وإلغاء النظام القديم المتبع في إدارة الشأن الفلسطيني.
5- يجب إدراك مسألة في غاية الحساسية، وهي الفصل بين الخلاف السياسي وأولوية الإدارة والتطوير والخدمات بالنسبة للاجئين الفلسطينيين. فالخلاف السياسي مسألة طبيعية وعادية، لكن صحة الإنسان وحقه في التعليم والتنمية مسألة أولوية، وهي يجب أن تكون محل إجماع وتلاق بين جميع الأطراف.
6- مسألة تطوير إدارة الوجود الفلسطيني في لبنان تحتاج إلى إرادة، وإلى قرار سياسي وتنظيمي وشعبي، وإلى توافق مع المحيط، من خلال إبلاغ الجميع بأن تحسين الوضع الفلسطيني في لبنان فيه مصلحة فلسطينية لبنانية مشتركة، لأن معالجة الأزمات السياسية والأمنية وإيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية عند الفلسطينيين خطوة متقدمة ومشروع مهم ينعكس إيجاباً على العلاقات اللبنانية وعلى مصالح اللبنانيين أيضاً.
7- إن تحديث إدارة الوجود الفلسطيني في لبنان من مختلف جوانبه تقدم حلاً كبيراً ومهماً للعلاقات اللبنانية الفلسطينية وتؤسس لقيام علاقات أفضل تحفظ مصالح وحقوق الجميع.