مَن بـــاع أرض فلســــطين؟
بقلم: صقر أبو فخر
مقتطف من مقال «مذكرات سمسار صهيوني: كشف بأسماء من باع فلسطين»
في أواخر نيسان 1997 نشرت صحيفة «فصل المقال» التي كانت تصدر في الناصرة قائمة بأسماء بعض الفلسطينيين المشهورين ممن باعوا اليهودَ بعض أراضيهم بين سنة 1918 وسنة 1945. واستندت هذه القائمة إلى وثيقة بريطانية من عهد الانتداب البريطاني. وكان العنوان الذي اختارته «فصل المقال» لقائمتها هو «الآباء القابضون» التي ضمت الأسماء التالية: محمد طاهر الحسيني (والد الحاج أمين) وموسى كاظم الحسيني وموسى العلمي وراغب النشاشيبي وابراهيم الفاهوم ويوسف الفاهوم وتوفيق الفاهوم ويعقوب الغصين، وهؤلاء من أبرز الشخصيات الفلسطينية التي قادت الحياة السياسية في فلسطين قبل النكبة. وقامت القيامة ولم تقعد على «فصل المقال». (أنظر: جريدة «النهار» 30/5/1997). غير أن هذه الأسماء وغيرها كانت متداولة بين المؤرخين والدارسين إلى حد ما؛ فجاك كانو يذكر في كتابه «مشكلة الأرض» (ص 49)، بعض البائعين العرب أمثال موسى العلمي وعائلة روك وعوني عبد الهادي رئيس حزب الاستقلال الذي يتهمه جاك بأنه كان على صلة ما في قضية بيع أراضي وادي الحوارث (عيمق حيفر)، علاوة على القاضي الدكتور كنعان الذي لم يُحدّد اسمه الأول. ومع ذلك فإن ما يكشفه يوسيف نحماني مشين بجميع المقاييس ولا سيما قصة شرائه جبل الهراوي وأراضي قرية العديسة (600 دونم) وجاحولا والبويزية في سنة 1938، وكذلك أراضي قرى ميس الجبل والمطلة والمنارة وقَدَس والمالكية ومعدر وعولم في سنة 1945. وفي هذا الميدان يورد نحماني أسماء البائعين في المنطقة التي عمل فيها أمثال الياس قطيط الذي باع خربة صبح (6 آلاف دونم) فأقيمت على أراضيها مستوطنتا حانيتا وأيلون. وباع أمير عرب الفاعور في سنة 1939 أراضي قرية الخصاص التي ارتكبت الهاغاناه فيها مذبحة مشهورة في 18/12/1947.
وتمكن نحماني من شراء أراضٍ في الزوية وقَدَس وهونين من آل فرحات في سنة 1944. ويورد أسماء آخرين من بائعي الأراضي أمثال أحمد الأسعد ومحمود الأسعد وصليب صبح (من صفد) وكامل الحسين وأحمد مارديني، وزكي الركابي الذي باع أراضي قرية خيام الوليد. وفي هذه اليوميات لا يترك نحماني أي شك في شأن تعاون كامل الحسين زعيم عرب الغوارنة في الحولة في عمليات بيع كثيرة.
ثمة ما هو مفاجئ في هذه اليوميات حقاً، فهي تروي أن الأمير خالد شهاب كان متعاوناً مع الكاتب، ويُعدّ أحد المتعاطفين مع اليهود، وأنه زاره بنفسه في بيروت في 31/5/1936 وتلقى منه بعض النصائح (ص 57). لكن القول الشائع عن الأمير خالد شهاب هو أنه «جاعْ وما باعْ» لأنه رفض أن يبيع اليهودَ بعض أملاكه في فلسطين، بات مكشوفاً فيه. فالكتاب يزعم أن الوسيط الياس بشوتي تفاوض مع نحماني على بيع أراضٍ للأمير خالد شهاب مساحتها 4 آلاف دونم في قرية الغابسية بسعر 19 ليرة للدونم.
محاكمة جديدة
بلغ مجموع ما امتلكه الصهيونيون من أرض فلسطين عشية الحرب العالمية الأولى 418 ألف دونم. وبلغ مجموع الأراضي التي امتلكها اليهود في سنة 1948 نحو 1734 ألف دونما (ولدى أبو يصير 207000 دونم). وفي جميع الحالات لم تزد ملكية اليهود على 5,7% من أراضي فلسطين حين صدر قرار التقسيم في 29/11/1947. ومع ذلك، من أين حصل اليهود على هذه المساحات الأكثر خصباً في فلسطين؟ لقد حصلوا عليها، عدا البائعين الفلسطينيين، من بعض أفراد العائلات التالية:
1- آل سرسق اللبنانيون (ميشال ويوسف ونجيب وجورج) وهؤلاء باعوا أراضي الفولة ونورس وجنجار ومعلول في سنة 1910، ثم باعوا مرج ابن عامر بين سنة 1921 وسنة 1925، وبلغ مجموع ما باعه أفراد هذه العائلة 400 ألف دونم.
2- آل سلام اللبنانيون الذي حصلوا في سنة 1914 على امتياز تجفيف مستنقعات الحولة من الدولة العثمانية، واستثمار الأراضي المستصلحة، لكنهم تنازلوا عنها للوكالة اليهودية. وبلغت المساحة المبيعة 165 ألف دونم.
3- آل تيان اللبنانيون (أنطون وميشال) الذين باعوا وادي الحوارث في سنة 1929 ومساحته 308 آلاف دونم.
4- آل تويني اللبنانيون الذين باعوا أملاكاً في مرج ابن عامر وقرى بين عكا وحيفا مثل نهاريا وحيدر وانشراح والدار البيضاء. وقام بالبيع ألفرد تويني.
5- آل الخوري اللبنانيون الذين باعوا أراضي قرية الخريبة على جبل الكرمل والبالغة مساحتها 3850 دونماً. وقام بالبيع يوسف الخوري.
6- آل القباني اللبنانيون الذين باعوا وادي القباني القريب من طولكرم في سنة 1929، وبلغت مساحته 4 آلاف دونم.
7- مدام عمران من لبنان التي باعت أرضاً في غور بيسان في سنة 1931 مساحتها 3500 دونم.
8- آل الصباغ اللبنانيون الذين باعوا أراضيَ في السهل الساحلي.
9- محمد بيهم (من بيروت) الذي باع أرضاً في الحولة.
10- أسوأ من ذلك هو أن خير الدين الأحدب (رئيس وزراء) وصفي الدين قدورة وجوزف خديج وميشال سارجي ومراد دانا (يهودي) والياس الحاج أسسوا في بيروت، وبالتحديد في 19/8/1935 شركة لشراء الأراضي في جنوب لبنان وفلسطين وبيعها. وقد فضحت جريدة «ألفباء» الدمشقية هذه الشركة في عددها الصادر في 7/8/1937.
11- آل اليوسف السوريون الذين باعوا أراضيهم في البطيحة والزويّة والجولان من يهوشواع حانكين ممثل شركة تطوير أراضي فلسطين.
12- آل المارديني السوريون الذين باعوا أملاكهم في صفد.
13- آل القوتلي والجزائرلي والشمعة والعمري السوريون وكانت لهم ملكيات متفرقة باعوها كلها.
هؤلاء هم مَن وضع مساحات كبيرة من الأراضي بين أيدي الصهيونيين، علاوة على الأراضي التي كانت بين أيديهم أو التي منحتها لهم سلطات الانتداب الإنكليزي مثل امتياز شركة بوتاس البحر الميت (75 ألف دونم)، وامتياز شركة كهرباء فلسطين أو مشروع روتنبرغ (18 ألف دونم)، وقبل ذلك ما نالوه من الدولة العثمانية (650 ألف دونم)... وهكذا. أما الفلاحون الفلسطينيون، ولا أقول المالكين الفلسطينيين الأثرياء الذين باعوا وقبضوا مثل غيرهم من المالكين العرب الغائبين، فقد جرى التحايل عليهم بطرق شتى، فسلبوهم القليل مما كان بين أيديهم من الأرض، وهو يتراوح بين 68 ألف دونم و150 ألف دونم.
في معمعان ثورة 1936 جرى الاقتصاص من بعض بائعي الأرض ومن السماسرة العرب، فاغتيل عدد منهم، وامتنع الباقون عن الاستمرار في هذا العار. لكن الاقتصاص من المُلاّك الغائبين كان من المحال، فلم يقتص منهم أحد، بل باعوا أراضيَ ليست لهم في الأصل، بل آلت إليهم من خلال حق الانتفاع لا من ملكية الرقبة في العهد العثماني. ولعل فضح انحطاط أصحاب تلك الأسماء، وكشف اللثام عما فعلوه في فلسطين، هما نوع من القصاص الرمزي، وهو الأمر الوحيد الممكن في هذا الميدان.
المصدر: جريدة السفير