مأساة الشعب الفلسطيني في سوريا
بقلم: عباس الجمعة
في ظل المأساة الذي يعيشها الشعب الفلسطيني في سوريا، حيث يدفع ثمن مواقفه الحيادية وعدم تدخله في شؤون الدول ضريبة الدم والشهادة بعد ان تحولت مخيماته الى خطوط تماس.
ان الشعب الفلسطيني الذي اكد خياره للجميع، كما اكدته القيادة الفلسطينية وكافة الفصائل والقوى بعدم التدخل في الشأن السوري الداخلي ودعت الى وقف العنف ونزف الدم وايجاد حل يحافظ على سوريا ودورها القومي ويحقق مصالح الشعب السوري وتطلعاته ورفض التدخل الخارجي، تتطلب من كافة الجهات وقف العنف والقتل بحق الشعب الفلسطيني وإحكام لغة العقل والحكمة في معالجة الأمور، حفاظاً على العلاقة الفلسطينية السورية التي ترسخت بالدم في مواجهة العدو الصهيوني في اكثر من مكان.
وعلى هذه الارضية نقف بكل اجلال واكبار امام عظمة الشهداء الذين سقطوا في معارك لم تكن بوصلتها فلسطين، في الوقت الذي يتألم الشعب الفلسطيني لما يجري على ارض سوريا، وهو يفتح بيوته ومخيماته لإخوانه الذين هجرتهم الاحداث من مدنهم وبلداتهم وقراهم، وخاصة ان الشعب الفلسطيني لم ينسى دور سوريا في احتضانه على ارضها بعد النكبة عام 1948 حيث ارتسمت علاقات بين النسيج السوري والفلسطيني في كافة مخيمات سوريا، وان لم ينسى شعب فلسطين في مخيمات سوريا وقفة سوريا معه، وهو يتطلع اليوم الى الشعب السوري الشقيق بان الحوار وحده كفيل بإنقاذ سوريا وافشال المؤامرة التي تستهدف بلدكم، فليتوقف العنف لكي تسود لغة الحوار والتعاون والمصالحة الوطنية.
ان دماء الابرياء التي تسقط اليوم نتيجة الازمات والمحن ونتيجة المشاريع الهادفة الى تفتيت المنطقة تحت رايات وادعاءات امريكية حول الديمقراطية بهدف نشر الفوضى الخلاقة وبناء شرق اوسط جديد تتطلب من كل الحريصين العمل الجدي والفعال لإنجاح المبادرات لوقف ما يجري في سوريا والمنطقة، وحتى تبقى قضية فلسطين هي الاساس في مواجهة المشروع الصهيوني، فيكفي الشعب الفلسطيني ما يلقاه يومياً على يد الاحتلال من قتل واعتقال ونهب للأرض وهو يخوض معركته دون أن يجد دعماً أو إسناداً من أحد.
إن الربيع العربي الذي تم السطو عليه من قبل الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية بهدف منع الشعوب من استكمال دورها في انجاز مشروعها نحو تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي تحفظ كرامتها ومستقبلها، بل تحولت بجوهرها الى تحشيد لثورة مضادة، لم تكتفي الولايات المتحدة والقوى الحليفة لها بتقطيع أوصال المنطقة العربية، بل تسعى الى سرقة الأرض في عدد من أقطار الوطن العربي، وزرع الكيان الصهيوني في قلب المنطقة بهدف تكريس الانقسام بين مشرق الوطن العربي ومغربه، حيث يكرس سياساته وتعامله مع شعوب المنطقة ومقدراتها على سن قوانين (الأنا) ضمن سياق تصاعدي مستفز يخدم فقط ثقافة الاستعلاء والقهر ضد الأمة العربية في حضور الأنا الاستعمارية وغياب طرف المعادلة الذي تريد الولايات المتحدة وحلفائها تجاهلها من خلال حقدًا مكتومًا ينتظر فرصة الانفجار في وجه من لا يراعون للإنسانية ذمة ولا اعتبارا، من هنا يجب أن تكون هناك نظرة شاملة لمشروعنا التغييري والتحرري الوطني كاملاً.
ان الشعب الفلسطيني لم ينسى استقبل السوريون لإخوتهم الفلسطينيين على اثر نكبة عام 1948 حيث تعاملوا معهم كوافدين وليس كلاجئين، وعاملتهم الدولة كمواطنين لهم حقوق أخوتهم المقيمين جميعاً، في التوظيف والمناصب المختلفة في مؤسسات الدولة مـا عدا حـق الانتخاب.
ان أكثر من نصف مليون فلسطيني يعيشون في سوريا موزعين على مخيمات دمشق في محافظات حلب، حمص، اللاذقية. اما سكان المخيمات كاليرموك وخان الشيح والنيرب وحندرات، وقد اندمجوا فــي المجتمع الذي عاملهم كإخوة، فصار بعضهم قـيادات ونجوماً فــي الأدب والفنون (المسرح، السينما، التلفزيون) والصحافة والقطاع الخـاص بمختلف مجـالات نشاطه.
ان فلسطينيي سوريا الذين تقاسموا الخبر والنسب والمصاهرة لا يختلفون عن سائر مواطـنيها وهم ينتـظرون تحقيق حلم حق العودة، وهذا ينبغي ضرورة تحييد الشعب الفلسطيني، ومن غير المسموح لاي جهة جر مخيمات الشعب الفلسطيني للمشاركة في الصراع، او جعل هذه المخيمات عرضة لفعل ورد فعل، لان الدم الفلسطيني يجب ان يكون خطا احمر، لا يجب المساس به بأي شكل من الأشكال.
ان الشعب الفلسطيني يكبر بالتضحيات الجسام الذي قدمها الشعب السوري، في سبيل القضية الفلسطينية، من خلال مشاركة العديد من ابنائه في العمليات البطولية على ارض فلسطين.
أن الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده ما زالت بوصلة نضاله فلسطين ولا يمكن أن يصمت حتى تحل قضيته، لأنه يعي أن وظيفة دولة " الكيان الصهيوني" ليس فقط عداء الشعب الفلسطيني وبحدود منطقها الجغرافي، بل حدودها هو حين تستطيع أن تصل بأفكارها واقتصادها بأمنها ويشمل كل المنطقة العربية، فهي لا ترى أن هناك مستقبل لها إن كان هناك وطن عربي بخير، لذلك إن استمرار كل اشكال التخلف والوهن والانقسام والتفتت المذهبي والاثني في هذه المنطقة فهو لمصلحتها حتى تستمر، وهذا كله يؤكد هدف سياسة قوى الاستعمار فرق تسد، ومن هنا اكد الشعب الفلسطيني وقيادته الحفاظ على العلاقة التاريخية مع الشعب السوري بكل أطيافه، خدمة لفلسطين.
ان ما يتعرض له الشعب الفلسطيني على ارض فلسطين من عدوان يطال الشجر والحجر والبشر يستهدف اجتثاث الروح الثورية، لكن ارادة شعبنا اقوى من الإرهاب الصهيوني لأنه شعب مصمم على انتزاع حقوقه الوطنية العادلة.
إن وقوف العالم إلى جانب القضية الفلسطينية ونحن نتطلع الى الذهاب الى الجمعية العامة للامم المتحدة من اجل تقديم طلب دولة فلسطين عضو مراقب، إنما يؤكد بان القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني يخوضان معركتهم في مواجهة المتغطرسين الصهاينة وحماتهم الإمبرياليين الأمريكيين، وليؤكدوا كذلك على مدى افتضاح الدور الذي يقوم به الكيان الصهيوني في تهديد أمن وسلام المنطقة وفي تهديد السلام العالمي بإصراره على التنكر للحقوق الوطنية العادلة لشعبنا الفلسطيني، وإصراره على استخدام الإرهاب والقمع والمجازر الدموية ضد شعبنا في محاولة لمنعه من الوصول إلى حقوقه الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة فوق ترابه الوطني الفلسطيني.
وهذا يتطلب من الجماهير الفلسطينية المزيد من التلاحم الوطني والمزيد من الصمود والنضال من أجل إسقاط كافة المشاريع العدوانية ضد الشعب الفلسطيني الذي يبذل العطاء من اجل تحرير الارض والانسان.
ان ما تتعرض له المنطقة العربية يستدعي من الجماهير العربية وقواها وأحزابها الوطنية والتقدمية والقومية تطوير مواقفها لمواجهة الصلف الأمريكي والمخططات التي تستهدف فرض سيطرتها وهيمنتها على المنطقة العربية برمتها وتقسيمها وتفتيتها إلى كيانات، كما يستوجب التهيؤ للنهوض بالأعباء والمهام الجسيمة الملقاة على عاتق القوى بالوقوف الى جانب فلسطين القضية والشعب والارض والمقدسات.
وامام ما يعانيه الشعب الفلسطيني نتطلع الى كافة الفصائل والقوى ان تسعى الى انهاء الانقسام الداخلي والحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية وتعزيز الصفوف ورصها بمواجهة إصرار العدو الصهيوني على إركاع شعبنا وإخضاعه عبر كل أشكال الحصار والتطويق والتجويع وكل أعمال القتل، وذلك من خلال تفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وبناء الشراكة الحقيقية بين مختلف الفصائل ورسم استراتيجية وطنية تستند لكل الاشكال التي كفلتها كل الشرائع السماوية والقوانين والأعراف الدولية. إننا نرفض كل الحلول والمساومات الأمنية، نرفض كل الضغوط السياسية من أي جهة أتت، ونصر على استعادة زمام المبادرة، ومواصلة الكفاح حتى انسحاب العدو وتطبيق قرارات الشرعية الدولية التي كفلت حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
اليوم ونحن ننحني امام شهداء مخيمات شعبنا في سوريا وخاصة شهداء مخيم اليرموك، وامام عظمة شعبنا الذي يتحدى الة الموت نتذكر قوافل الشهداء الذين قضوا في خضم المعركة والصراع نتذكر الرئيس الرمز ياسر عرفات وفارس فلسطين ابو العباس وحكيم الثورة جورج حبش ورمز الانتفاضة ابو علي مصطفى والقادة ابو عدنان قيسى وأبو جهاد الوزير وفتحي الشقاقي والشيخ احمد ياسين وكل شهداء فلسطين والأمة العربية الذين قاتلوا من أجل تحرير فلسطين.
ختاما : لم يغب عن ناظرينا ذلك المشهد المؤلم لمخيمات شعبنا في سوريا وخاصة مخيم اليرموك مخيم الشهداء القادة فارس فلسطين ابو العباس وحفظي قاسم وفؤاد زيدان وامير الشهداء ابو جهاد الوزير وشهيد الاستقلال طلعت يعقوب الذين يرقد جثامينهم الطاهرة في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك، ولم تفارقنا المرارات التي غصت بها قلوبنا على فقدان العشرات، بل المئات من الشهداء ولكن عزاؤنا أن المسيرة النضالية لم تتوقف، بل سيواصلها الشعب الفلسطيني بصموده وبسالته، وبنأيه عن التدخل في شؤون الدول العربية، لأنه بوصلته فلسطين وان كل أشكال الحصار والتجويع والتدمير الصهيونية، لن تثنيه عن إصراره على المضي قدما، في الطريق الطويل والشاق، لتحقيق أهدافه في الحرية والاستقلال.
المصدر: وكالة معا الإخبارية