القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

مؤامرة إسرائيلية لتفجير انتفاضة لقتل الفلسطينيين!!

مؤامرة إسرائيلية لتفجير انتفاضة لقتل الفلسطينيين!!

بقلم: ياسر الزعاترة

لا شك أن العنوان أعلاه ينطوي على قدر من السخرية، وهو كذلك في واقع الحال، لكن ما ذنبنا إذا كان هذا هو ما يقوله الرئيس الفلسطيني شخصيا في معرض تعليقه على الاحتجاجات التي أعقبت استشهاد الأسير الفلسطيني عرفات جرادات تحت التعذيب في السجن الصهيوني.

قال السيد الرئيس: إن "الاسرائيليين يريدون الفوضى عندنا ونحن نعرف ذلك ولن نسمح لهم”. وأضاف "نحن نريد السلام والحرية لأسرانا ومهما حاولوا أن يجرونا لمخططاتهم لن ننجر (...) لن نسمح لهم باللعب بحياة أطفالنا وأبنائنا”.

الخلاصة التي نفهمها من السيد الرئيس أن هناك مؤامرة صهيونية رهيبة لتفجير انتفاضة في الضفة الغربية من أجل "اللعب بحياة أطفالنا وأبنائنا”، ولذلك ينبغي علينا كشعب فلسطيني أن نتنبه للمؤامرة، وأن لا ننجر أبدا لمسار الانتفاضة.

اللافت في السياق أن وزير الأمن الداخلي (آفي ديختر) لا يبدو على علم بالمؤامرة الصهيونية، فهو خرج في نفس اليوم (أول أمس الاثنين) محذرا من سقوط ضحايا بين الفلسطينيين أثناء المواجهات التي أعقبت استشهاد جرادات، وقال ديختر موضحا: "وقعت الانتفاضتان السابقتان نتيجة لسقوط عدد كبير من القتلى (خلال احتجاجات)، مضيفا أن "سقوط قتلى يمثل وصفة مؤكدة تقريبا لتصعيد العنف”.

ليس آفي ديختر وحده من حذر من اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية (دعك من إصرار عباس على رفضها في كل مقابلة وتصريح)، ذلك أن التحذير منها يكاد يستحوذ على اهتمام سائر الدوائر السياسية والأمنية في الدولة العبرية، تلك التي تخشى منها لسببين، أولاهما هواجس كسر حالة الأمن التي تمتع بها الكيان طوال ست سنوات تقريبا (باستثناء فترتي الحرب على غزة)، ومكنته من تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية، وثانيهما التخريب على المشروع السياسي الكبير الذي يتحرك على الأرض، ممثلا في الدولة المؤقتة أو الحل الانتقالي بعيد المدى الذي أصبح موضع إجماع في الساحة الإسرائيلية؛ من ليبرمان كما في آخر تصريحات، وحتى يوسي بيلين الذي دعا أوباما إلى تبني الحل أثناء زيارته المرتقبة الشهر المقبل، وبينهما نتنياهو وباراك وليفني التي أصبحت كبيرة المفاوضين. وقد رأينا دوائر الأمن والجيش تواصل التأكيد على ضرورة توفير حوافز للسلطة كي لا تتفجر الساحة الداخلية بانتفاضة جديدة، كما رأينا نتنياهو يفرج عن جزء من أموال الجمارك العائدة للسلطة من أجل ذات الهدف.

من هنا، يبدو حديث محمود عباس مثيرا للدهشة لأن يتجاهل ذلك كله، ويصر على أن بوسع الشعب الفلسطيني أن يلتقي مع دوائر الصهاينة في برنامج مشترك لصالح الشعبين ممثلا في رفض المقاومة، والركون إلى مشروع الدولة المؤقتة أو الحل الانتقالي الذي يشكل تهديدا جديا للقضية برمتها.

خطورة كلام عباس تتمثل أيضا في أنه يرفض الانتفاضة السلمية أيضا (على غرار الربيع العربي)، لأنه لا انتفاضة سلمية حقيقية تشتبك مع الحواجز والمستوطنين يمكن أن تمر من دون ضحايا. وهنا سيجري التشديد على أن الانتفاضة السلمية قد تتحول إل مسلحة بمرور الوقت، مع أن ذلك ليس حتميا إن تم التفاهم مع سائر القوى عليها. ولا شك أن الإصرار على التنسيق الأمني رغم الاستيطان والتهويد وسائر أشكال الإذلال، ومن ضمنها ما يجري للأسرى، يؤكد هذا البعد في عقل القيادة الفلسطينية.

لا قيمة هنا لحديث الرفض (رفض الدولة المؤقتة) الذي يتكرر كل يوم، فما يجري على الأرض يؤكد أن قادة السلطة يتحركون في اتجاه الحل المذكور عن وعي وتصميم كامل، في ذات الوقت الذي يدركون فيه أن الدولة بالمواصفات التي يتحدثون عنها، بل حتى بعد التنازلات المثيرة التي قدموها في مفاوضاتهم مع ليفني وأولمرت وفضحتها وثائق التفاوض ليست واردة، وأن عليهم أن يقبلوا بالدولة المؤقتة في حدود الجدار، وقد حصلت الآن (قبل ذلك) على اعتراف بعضوية غير كاملة، ويمكن أن تحصل لاحقا على اعتراف بعضوية كاملة، لتغدو في حالة نزاع حدودي مع جارتها لا أكثر ولا أقل.

محمود عباس أيها السادة يريد مصالحة فلسطينية على مقاس هذا الحل، ويرفض المقاومة من أجل التحرير الحقيقي الذي ينبغي أن يسبق إقامة الدولة، فكيف يمكن التعاطي مع قيادة من هذا النوع؟

إنها أزمة حركة فتح التي حوَّلها محمود عباس إلى حزب سلطة تحت الاحتلال، وتاليا حزب سلطة في دولة مؤقتة، وهي أزمة منظمة التحرير التي سيطر عليها أيضا، وإذا لم تسترجع فتح قرارها المسروق، ويسترجع الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج منظمة التحرير بإعادة تشكيلها على أسس جديدة بمشاركة حماس والجهاد، فسيبقى الحال على بؤسه، بل سيمضي في اتجاه أكثر بؤسا، لكن الأمل يبقى معقودا على الشعب الفلسطيني في أن يفجِّر انتفاضته رغم أنف تلك القيادة ويعيد فتح وحماس وسائر أبناء الشعب إلى المسار القادر على التحرير (التحرير الذي ينبغي أن يسبق الدولة كما يقول المنطق).

المصدر: الدستور، عمّان