مؤتمر فلسطينيي الخارج.. ما الخطوة التالية؟
بقلم: عز الدين ابراهيم
كم كبير من المقالات تلك التي كتبت عن مؤتمر
فلسطينيي الخارج الذي استضافته مدينة اسطنبول التركية في الفترة من 25-26 شباط الماضي
بمشاركة نحو خمسة آلاف فلسطيني حسب الجهة المنظمة للمؤتمر، وتباينت حينها الاتجاهات
في تناول هذا الحدث ما بين مرحب متفائل، وآخر منتقد مهاجم، وثالث موضوعي حاول توصيف
ما جرى بشكل علمي.
الانتقادات التي وجّهت إلى المؤتمر ليست
قليلة، ولعل في ذلك ظاهرة صحية وإيجابية يجب أن يتلقطها المنظمون للمؤتمر بشكل جيد،
فمن غير المنطقي أن يكونَ من وجَّه انتقادات للمؤتمر أو كتب عنه يفعل ذلك للانتقاد
فقط؛ بل إن عددا ممن انتقد المؤتمر في بعض تفاصيله أو وجّه ملاحظات إلى جوانب معينة
فيه هم ممن شاركوا في المؤتمر.
المؤتمر كحدث جماهيري انتهى وانقضى، والتركيز
عليه من حيث الحضور والرسائل التي بعث بها لم يعد مجديا الآن، والأولى من ذلك كله التركيز
على ما بعده والخطوة التالية، لا سيّما بعد إعلان خطوات عملية ضمن المخرجات التي صدرت
عنه، التي يجب على الكل الفلسطني رسميا وشعبيا ممارسة دور المراقب والمحاسب عليها،
وإلا تحوّل المؤتمر إلى مجرد حفل جمع الناس فيه للتذكير بفلسطين.
المخرجات التي صدرت عن المؤتمر سواء اتفقنا
أو اختلفنا معها يجب أن تخضع لمجهر المراقبة والمتابعة من النخب والمثقفين، والجهة
المنظمة مطلوب منها في المقابل أن تتمتع بمرونة تقبل المراجعة والتعديل في حال وجد
جهد مخلص يقدم النصح من خارج الهيئات أو اللجان التي تمخضت عن المؤتمر، فزمن السلطة
الأبوية التي فرضتها فصائل وكيانات سياسية لعقود على الشعب الفلسطيني يجب أن لا يستمر
في ظل المنعطفات المصيرية المحدقة بالقضية الفلسطينية.
أخطر ما يمكن أن يواجه مخرجات المؤتمر والعمل
الذي تركز في عدة أيام هو أن تمارس عليها الأبوية الفصائلية من هذا الطرف أو ذاك، أو
أن تسود عقلية الاستحواذ في التعاطي مع ما يمكن أن يتمخض عنه هذا الجهد الوطني الذي
شكّل -بلا شكّ- جديدا يأمل كل المخلصون أن يُبنى عليه بشكل إيجابي.
من حق كل تيار سياسي أن يستثمر أي حدث أو
فعل سياسي -سواء كان شعبيا أو حزبيا بأدوات شعبية- لصالح ما يُنظّر له من أفكار أو
رؤى سياسية، وهذا سلوك معمول به في كل الديموقراطيات الحديثة، لكن في المقابل ليس من
حقه ادعاء امتلاك الحقيقة كاملة أو ممارسة الوصاية على المشروع الوطني سواء تحت مظلة
التاريخ النضالي أو حتى التضحيات التي قدمها، فالتاريخ والتضحيات التي سُطّرت فيه هي
من صناعة الشعب بمجمله قبل أن يكون من خلال أدوات وقوالب هي الفصائل والتيارات السياسية.
المشكلة لدى الفصائل الفلسطينية أنها وفي
كل محطة تاريخية، تسعى لاستثمار سريع للحدث الفلسطيني بنفس قصير يأخذ شكل هبَّة سرعان
ما تخمد، وهو سلوك حذر منه الشهيد خليل الوزير أبو جهاد في آخر مقابلة صحفية له قبل
اغتياله، عندما تحدث عن انتفاضة الحجارة رافضا ما سماه "الاستثمار السياسي المستعجل"،
داعيا إلى تفاعل مع الانتفاضة بـ"ثورة جديدة في التفكير وفي المنهج".
وهنا تكمن الإشارة التي يجب أن يتلقطها
كل متصدر للعمل الوطني العام، إذ لم يعد مقبولا الاستمرار في الركون إلى ذات التابوهات
والمقدسات التي تقيد تيارات سياسية معينة أتباعها وأنصارها فيه، والمراجعة الشاملة
للعمل الوطني الفلسطيني باتت ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى.
كما أنه لم يعد مقبولا من أي جهة كانت أن
تكرر ما مارسته حركة فتح وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية طَوال عقود ماضية من تفرد
في القرار واختزال للحالة الوطنية في رؤيتها، وهو للأسف سلوك قاد العمل الوطني الفلسطيني
إلى هذا الحالة المزرية، وبالتالي وضع القضية الفلسطينية برمتها في هذا المأزق الذي
نراه.
المشروع الوطني قبل أن يكون شعارا يرفع
في المهرجانات، هو ممارسة وطنية حقيقية تتأتى من خلال أكبر مشاركة حقيقة لشرائح وتيارات
الشعب الفلسطيني، والذي يسعى لقيادة ناجحة لمشروع يكون معنيا قبل أي شيء بتوسيع مساحة
الالتقاء مع الآخر على أفكار ورؤى جامعة وليس على أفكاره ورؤاه الخاصة التي تكرر النموذج
وتعطينا نسخا مصغرة عنها.
يجب أن يدرك كل من يتصدى للعمل الوطني الفلسطيني
العام أن الزمن يتغير، وأن الأفكار التي كانت تُمنح صفة القداسة في حقبة ما أصبح من
السهل نقضها والتمرد عليها بدءا من داخل التيار السياسي الواحد وصولا إلى ساحة العمل
الوطني الفلسطيني بمجمله.
خلاصة القول في مؤتمر فلسطينيي الخارج،
أنه كان خطوة تمرد على إطار أصبح يضيق بمن وضعوه أصلا، وسعي لتحريك مياه راكدة أصابها
الأسن، غير أن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي في مشاريع التحرر الوطني، لا سيما إذا
كانت في مواجهة عدو لا يبرع في شيء كبراعته في توحيد صفوفه وتناسي خلافاته عند محطات
الخطر الخارجي الذي يهدد مستقبل كيانه.
المصدر: العربي 21