القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

مؤثرات التطورات اللبنانية على حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان


عبد معروف

يبدو أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في لبنان ، تتجه نحو تطورات خطيرة بعد أن فشلت حلول الانقاذ ، واتساع دائرة التفكك والانقسام ، وعودة الحراك الشعبي إلى الشارع والساحات ، ما يهدد بانفجار شامل وتبعات أمنية وانهيارات مالية لا يمكن التنبؤ بالصورة التي ستكون عليها في القادم من الأيام.

ولا شك بأن انهيار العملة اللبنانية والمخاوف التي بدأت تلوح بالأفق نتيجة ارتفاع اسعار السلع والمواد الغذائية وارتفاع نسبة البطالة ، بالتزامن مع عودة الحراك الشعبي والسياسي المتعدد الاهداف ، والمترافق مع "قانون قيصر" الامريكي لحصار النظام السوري ، وتأثيره العام على الساحة اللبنانية ، وفي وقت ارتفعت أصوات لبنانية نافذة تدعو للفيدرالية واللامركزية والغاء اتفاق الطائف والدعوة لمؤتمر تأسيسي استنادا لموازين القوى القائم ، كل تلك تطورات ليست عادية ، ولها تأثيراتها على الساحة اللبنانية ، إن لجهة التفكك العام ، أو احتمالات الفوضى الأمنية ، وهي تطورات متوقعة ومرتقبة ، وحتما سيكون لها انعكاساتها المختلفة على المواطنين اللبنانيين وعلى المقيمين من مختلف الجنسيات وفي مقدمتهم اللاجئين الفلسطينيين.

أولا : لعدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والذي يزيد عن 400 ألف لاجئ بالاضافة إلى النازحين الفلسطينيين من سوريا الذي يزيد عددهم عن 27 ألف نازح.

ثانيا : لأن لمجتمع لاجئي فلسطين في لبنان كيانات وقوى وقيادات سياسية وعسكرية واقتصادية، لها القدرة على التأثير في المعادلة الداخلية اللبنانية.

لذلك فإن للتطورات اللبنانية المختلفة،انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الوجود الفلسطيني في لبنان ، الفقر والجوع والبطالة، وحجز أموال المودعين ، والفوضى وإقفال الطرقات والمحلات والظروف الاقتصادية والامنية ، لكل تلك الحالات مؤثرات وانعكاسات مباشرة على الوجود الفلسطيني في لبنان ، لكن الفلسطيني لاجئ وعليه احترام قوانين الدولة المضيفة واللالتزام بالشرائع السيادية المعتمدة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية.

وفي السياق ، أقامت السلطة ومنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية كافة ، علاقات وطيدة وإتفاقيات تعاون وتنسيق أمني وسياسي مع السلطات اللبنانية ، أكدت على ثوابت محددة ، ربما ساهمت بضبط الأوضاع الأمنية والعسكرية (نسبيا) داخل المخيمات ، وساهمت بمكافحة الجريمة وقوى التطرف والارهاب وملاحقة مروجي المخدرات ووضع المخيمات تحت (ميكريسكوب الدولة اللبنانية)، إلا أن ذلك كله ، لم يكن كافيا ، ولم يضع حدا للتوترات الأمنية والاشتباكات التي تندلع بين الفترة والأخرى ، ولم تضع حدا لحالات الفقر والبطالة والحرمان والضياع التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني بكل مرارة.

وبالعودة إلى انعكاسات التطورات اللبنانية على الوضع الفلسطيني في لبنان ، لابد من التأكيد على أن هذا البلد يتعرض لأوضاع صعبة ، تهدد أمنه واستقراره ، تحتم على القيادات والقوى والفصائل الفلسطينية التحرك الجاد والفاعل بعيدا عن الاستعراضات الفلكلورية والتقاط الصور، ليس من أجل حماية اللاجئين الفلسطينيين من انعكاسات التطورات اللبنانية المتوقعة فحسب، بل أيضا من أجل تحييد اللاجئين عن أي تطورات أمنية وسياسية لبنانية ، وهذا ليس بالأمر السهل ، بل يتطلب جهدا واسعا ومركزا ، تقوم به القوى والفصائل الجادة في الدفاع عن مصلحة الفلسطينيين والقادرة على ضبط المخيمات وضمان عدم استخدام الفلسطيني في المياه اللبنانية "العكرة".

هو دور القوى والفصائل ودور الاعلام واللجان والمنابر ، لشرح وتوضيح مخاطر مشاركة العامل الفلسطيني في أي تطورات لبنانية ممكنة ، وأهمية التحييد والمحافظة على العلاقات الأخوية مع اللبنانيين ، خاصة وأن مهمة حماية المخيمات الفلسطينية في لبنان هي مهمة السلطات اللبنانية بالتعاون والتنسيق مع الفصائل الفلسطينية ، وليس هناك من طرف لبناني يهدد الفلسطيني في هذه المرحلة أو يعمل في إطار برنامج معادي يستهدف فيه أمن اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية ، بل إن جميع الفصائل الفلسطينية نظمت مع جميع القوى والأطراف والقيادات اللبنانية علاقات رسمية وأخوية ودبلوماسية وسياسية ونضالية.......

لذلك ، ليس من مصلحة الفلسطيني في لبنان اليوم ، أن يكون إلى جانب فئة سياسية لبنانية في مواجهة فئة أخرى ، وليس من مصلحته الانخراط بأي عمل أمني يؤدي إلى تعميم الفوضى والخراب على امتداد الأراضي اللبنانية او استغلال الوضع الأمني المتفجر في لبنان والقيام بأعمال تخريبية تضر بأمن واستقرار لبنان والمخيمات.

إنها مسؤولية القوى السياسية القادرة والقيادات (الحكيمة) ، أن تعمل في الأوساط الشعبية من أجل إبعاد اللاجئ الفلسطيني عن الأوضاع الداخلية اللبنانية الراهنة، ليس بالشعارات والخطابات والاحتفالات والتكريمات وإبراز الصور في وسائل الاعلام ، ولا تكفي الأوامر والقرارات ، بل بالمراهنة على وعي اللاجئين وثقافتهم و بالقدرة على إعادة الثقة معهم والتحليل والشرح وإظهار المخاطر التي سيتعرضون لها حال الانخراط بأي صراع داخلي لبناني بالتزامن طبعا مع العمل من أجل منحهم حقوق المشروعة والعيش الكريم.

نطرح ذلك لسببين الأول : أن المرحلة خطيرة ليس على الساحة اللبنانية فحسب ، بل على الساحة الفلسطينية وامتداد الساحات العربية القريبة والبعيدة ، وتتطلب تنظيم حلقات الحوار والنقاش والبحث عن سبل التعامل مع المرحلة المقبلة ، ليس على مستوى القيادة الرسمية وقيادة الفصائل فحسب (إن كان في مقدروها ذلك) ، بل على مستوى القواعد الشعبية والفعاليات المدنية والفكرية ، لأن الخطر المحتمل هو خطر الاختراقات واستغلال الفلسطيني العفوي والجاهل والمفقر والمهمش.

والسبب الثاني : أن ما هو قادم ربما يتجاوز نمط العقول والأفكار التي تمتلكها قيادات الفصائل الفلسطينية في لبنان ، وبالتالي لا تمتلك سبل المواجهة والمحافظة على الأمن والاستقرار ، وهذا ما أكدته السنوات الماضية ، بل يحتم الاسراع في التخلص من العقول العاجزة والمترهلة والبليدة ، واستنهاض الهمم والارادة المنظمة والواعية.

إذا كانت التطورات القادمة على الساحة اللبنانية ، مصيري وخطير ، فإن ذلك يتطلب المزيد من الوعي والعمل في الأوساط الفلسطينية من أجل مواجهة المرحلة المقبلة بإرادة فلسطينية منظمة وواعية ، ولديها برامج محددة مهمتها حماية مصالح الشعب الفلسطيني ومخيماته وعدم التدخل بأي شكل من الأشكال بالشؤون الداخلية واللالتزام الكامل بالقوانين والاعراف اللبنانية.

ذلك لأن أي انخراط وتدخل فلسطيني بالوضع الداخلي اللبناني ، سيؤدي إلى إدخال العامل الفلسطيني في بحر الأزمة اللبنانية المتخبط ، ويدخل الفلسطيني في صراعات ليس له فيها أية مصلحة ، وسيكون حتما الخاسر لأنه الأضعف ومن السهل أن يكون شماعة تعلق عليها ملابس الأزمة ، ويدفع ثمنها الفلسطيني من ذاته وأسرته وقضيته وحقوقه ، وستنعكس سلبا على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين وسمعتهم بعد سنوات غابت (أو نامت) إلى حد كبير سياسة التحريض التي كانت تشاع ضد الفلسطيني في لبنان.