القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

ما الجديد في خطاب هنيّة؟

ما الجديد في خطاب هنيّة؟

هاني المصري

تباينت ردود الأفعال على خطاب اسماعيل هنيّة، بين مؤيّدٍ بحماسٍ شديد أو ببعض التحفظ من على يساره، أو معارضٍ بشدةٍ أو ببعض الترحيب، أو مؤيّدٍ بحذر.

المؤيّدون اعتبروا أنّ الخطاب جاء شاملا قويًّا حتى من حيث اللغة، وهو وضع العلاجات المطلوبة لكل القضايا المطروحة، وطالب بوضع رؤية إستراتيجيّة شاملة وبرنامج وطني، وركّز على المقاومة وذكرها ثلاثين مرةً، وأكّد على ثوابت «حماس»، وتمسّك بموقفها من الربيع العربي وصحة انحيازها لخيارات الشعوب، وفند حملات التشويه الإعلامي وحرب الإشاعات، خاصة في الشأنين المصري والسوري، ووعد بمفاجآت.

المعارضون اعتبروا أنّ الخطاب لم يحمل جديدًا، وجاء مخيّبًا للآمال، بدليل أنه لم يقدم اعتذارًا عن الانقسام والانقلاب وتبعاته، ولم يطرح مبادراتٍ ملموسةً، مثل: الإفراج عن المعتقلين؛ والموافقة على تشكيل حكومة الوفاق الوطني؛ وإجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة بعد ثلاثة أشهر على تشكيل الحكومة؛ وإنهاء سيطرة «حماس» الانفراديّة على قطاع غزة.

المرحبون بحذر بالخطاب اعتبروا أنه يحتوي على نبرة تصالحيّة وعناصر إيجابيّة يمكن البناء عليها، بدليل تضمنه دعوة صريحة لتنفيذ «اتفاق القاهرة» و«إعلان الدوحة» من دون أي تحفظ أو شروط، مثل: ضرورة تنفيذ الاتفاقات رزمة واحدة؛ أو ضرورة تهيئة الأجواء وإطلاق سراح المعتقلين؛ أو وقف التنسيق الأمني؛ وغيرها من الشروط التي كانت تضعها «حماس» في كل مرة يتم الحديث فيها عن المصالحة.

من الملاحظ أن البعض من المعروفين بتأييد «حماس» انتقد بعض ما جاء في الخطاب، خصوصًا أنه لم يكن واضحًا بالنسبة للأسس التي يجب أن تستند إليها المصالحة، وتساءل: هل نبحث عن أسباب القوة أم عن مصالحة بلا أسس تضعفنا أكثر؟ كما أن البعض من «فتح» أو المؤيدين لها، أشاد بالخطاب ودعا إلى البناء عليه، ولاحظ المزج في الخطاب بين العملين المقاوم والسياسي، وتأييد الهجوم السياسي في الأمم المتحدة والانضمام إلى المؤسسات الدوليّة.

الجديد في الخطاب أنه يؤكد سعي «حماس» بعد سقوط حكم «الإخوان المسلمين» إلى العودة إلى ما كانت عليه سابقًا بوصفها حركة مقاومة وجزءًا من محور الممانعة، بعد أن قطعت شوطًا بعيدًا في الابتعاد عما كانت عليه بعد انخراطها في السلطة وإرسالها عدة رسائل اعتداليّة، خصوصًا بالنسبة لموقفها من المفاوضات والتسوية، وتعليق المقاومة بعد اتفاقيات الهدنة، وبعد القطيعة التي شهدتها علاقاتها مع سوريا، وتدهور علاقاتها مع إيران و«حزب الله» واستبدالها بالعلاقات مع قطر وتركيا ومصر قبل سقوط مرسي.

المعضلة التي تواجهها «حماس» أنه لا يمكن إعادة عقارب التاريخ إلى الوراء، فهناك مياه كثيرة قد جرت وحقائق سياسيّة عديدة ظهرت، أهمها تراجع الإسلام السياسي بحدة؛ لذا ليس من السهولة إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، ولعل التصريحات الأخيرة لخالد مشعل بخصوص الربيع العربي وسوريا وإيران، التي فهم منها محاولة لفتح صفحة جديدة مع أطراف محور الممانعة، ما استدعى الرد عليها من أحد قادة «الإخوان المسلمين» في سوريا؛ توضح اتجاه «حماس» للعودة إلى ما كانت عليه وصعوبة ذلك.

إن مسارعة «حماس» إلى العودة إلى ما كانت عليه قد تخسّرها قطر وتركيا وتؤثر على علاقتها بـ«الإخوان المسلمين»، وليس من المضمون أن تكسبها دمشق وطهران وحزب الله، خصوصًا في ظل أجواء الصفقات الإقليميّة والدوليّة التي بدأت بالاتفاق على الكيميائي السوري، والمكالمة التاريخيّة بين أوباما وروحاني، ويمكن أن تصل إلى نجاح مؤتمر جنيف 2، والاتفاق على التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، وهذا يدل على أن إيران وسوريا آخر ما تحتاجهما الآن هو عودة علاقتهما مع «حماس» إلى ما كانت عليه. طهران ودمشق بحاجة إلى الورقة الفلسطينيّة ولكن بشكل أقل، وليس بالضرورة أن يكون ذلك من خلال «حماس» أو من خلالها لوحدها، خصوصًا في ظل دفء العلاقات بين رام الله ودمشق، وبدء السعي لتحسين العلاقات الإيرانيّة الفلسطينيّة.

كما أن التركيز على خيار المقاومة ليس سهلاً في ظل القطيعة بين النظام المصري و«حماس»، ومواصلة هدم الأنفاق، وظهور «حماس» كامتداد لـ«الإخوان المسلمين» أكثر ما هي حركة مقاومة وجزءًا من الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة. يمكن أن تنفذ «حماس» عمليات مقاومة من غزة أو الضفة أو من أي مكان، ولكنها ستدفع ثمنًا غاليًا عبر الرد الإسرائيلي من دون أن تحصل على التأييد الذي كانت تحصل عليه سابقًا، لأن قطاعات سياسيّة وشعبيّة فلسطينيّة وعربيّة ستنظر إلى مقاومة «حماس» كإجراء تكتيكي ناجم عن أزمتها الراهنة وليس جزءًا من إستراتيجيّة التحرير.

بالرغم من الإنكار العلني إلا أن «حماس» تدرك أنها في أزمة شديدة لا يمكن أن تخرج منها من دون الاحتماء بمظلة الوحدة الوطنيّة والشرعيّة، وهي قد تكون مستعدة لتقديم شيء من أجل ذلك، ولكنها لا تريد أن تقدم مبادرة يُفهم منها أنها في حالة ضعف تفتح شهيّة خصومها لجباية ثمن باهظ لا تتحمله.

على «حماس» أن تدرك مثلها مثل «فتح» وجميع الفلسطينيين أنهم جميعًا في مأزق عام، متفاوت، ولكنه خطير للغاية ويهدد قضيتهم بالتصفية، ولا مخرج لهم إلا بالوحدة في إطار مؤسسة جامعة ورؤية إستراتيجيّة ينبثق عنها برنامج قادر على مواجهة التحديات والمخاطر من دون سعي كل طرف إلى إلحاق الطرف الآخر تحت قيادته، وإذا لم يوافق فلتذهب الوحدة إلى الجحيم!

على «حماس» أن تدرك أنها مطالبة بـ:

أولاً. إبداء الاستعداد العملي للتخلي عن السيطرة الانفراديّة على قطاع غزة مقابل شراكة كاملة في السلطة والمنظمة، من خلال إجراء الانتخابات أو عبر توافق وطني.

ثانيًا. وضع مسافة واضحة وكافيّة بينها وبين جماعة «الإخوان المسلمين»؛ حتى تبدو جزءًا من الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة أكثر ما هي امتداد لهذه الجماعة.

لا يكفي أن تقول «حماس» إنها لا تشارك في الحرب ضد النظام المصري، فيكفي أنها انحازت إلى عدوه سياسيًا وإعلاميًا، خصوصًا أن قطاع غزة محاذٍ لسيناء، وتوجد فيه جماعات متطرفة مثيلة لها في سيناء، و«حماس» بوصفها السلطة الحاكمة في غزة تتحمل المسؤوليّة عن كل ما يحدث في القطاع أو بينه وبين سيناء وبالعكس، فمسؤوليتها لا تقتصر على أعضائها وإنما تشمل ضبط كل الجماعات المتواجدة في غزة.

من دون هذين الشرطين سينظر إلى الأجواء الإيجابيّة والدعوة للحوار الوطني ووضع إستراتيجيّة متكاملة، الواردة في خطاب هنيّة، على أنها مجرد مناورات لكسب الوقت ريثما تمر العاصفة العاتية من دون سقوط «حماس» وإلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.

السفير، بيروت، 22/10/2013