ما قبل لقاء مشعل – عباس!
الخميس، 17 تشرين الثاني، 2011
كثيرة هي الآمال المطروحة على هامش اللقاء المنتظر بين رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل والرئيس محمود عباس، وبعضها يبدو متفائلاً أكثر مما يجب في توقع إنجاز وطني حقيقي يناسب التغيّرات التي طرأت على المشهد الفلسطيني منذ توقيع المصالحة في أيار، وأهمها إنجاز حماس لصفقة التبادل (وفاء الأحرار)، وفشل قيادة السلطة في مسعاها نحو الأمم المتحدة للحصول على عضوية لدولة فلسطين.
ومع ذلك، ففهمنا لعقلية السلطة وقيادتها يدفعنا لأن نقتصد في التعويل على هذا اللقاء، وعدم توقّع إنجازات ذات وزن ثقيل يطال سياساتها العامة، أو يدفع باتجاه التأسيس لاستراتيجية وطنية شاملة لا يكاد يختلف على ضرورتها فلسطينيان. ذلك أن التمسك بنهج التسوية عموماً والمفاوضات خصوصاً بات أشبه ما يكون بالعقيدة غير القابلة للتبديل مهما تبدلت الظروف أو تحوّلت من حول قيادة السلطة على الصعيدين المحلي والإقليمي.
ومن جهة أخرى فإن الرغبة بإعطاء عجلة المصالحة دفعة كبيرة إلى الأمام كان يتطلب قبل كلّ شيء إلزام الأجهزة الأمنية في الضفة بتجميد نشاطها الأمني بحق الناشطين السياسيين، لكن ما جرى كان تصعيداً في حملات الاعتقال والاستدعاء خلال اليومين الماضيين، وخصوصاً من قبل جهاز الأمن الوقائي، الذي يبدو أن له سياسة ورسالة خاصة لا تتقاطع في أية نقطة مع النهج السياسي للسلطة التي تحكمه، وهو لا يبدو في هذا السياق مختلفاً عن أي جهاز أمني عربي تتصرف عناصره بوحي من عقلية قمعية خالصة لا تعنيها المواقف السياسية، ولا تلزمها بتغيير نهجها أو (عقيدتها) الأمنية التي تعامل الخصوم الداخليين كأعداء متآمرين، وتجتهد في ملاحقتهم ورصدهم.
ولذلك ما زلنا نرجو بألا يتكرر سيناريو العلاقات العامة في اللقاء القادم، وألا يتم تسطيح مفاصل الخلاف بين النهجين واختزالها في ملفات الحكومة ورئيسها والانتخابات. فلا تغيّر الحكومة سيعني شيئاً ذا قيمة في ظل استمرار حظر الحريات والملاحقات الأمنية وتغوّل سطوة الأجهزة، ولا النجاح بالاتفاق على نظام الانتخابات وموعدها سيعدّ إنجازاً عملياً قبل أن تتوفر الأرضية التي تشجّع المواطن الفلسطيني على تكرار تجربة سابقة لم يُحترم فيها خياره، وأفضت لخلاف أوسع، وصولاً إلى التنكر لنتائجها وتنصيب حكومة غير شرعية يراد الآن فرض رئيسها بحجة أنه الشخصية الوحيدة المقبولة خارجياً لشغل هكذا منصب.
وسيكون من الأجدى معالجة الإشكالات الداخلية التي أفرزتها المرحلة السابقة، وإعطاء وقت كافٍ لاختبار النوايا في ظل تعزيز الحريات وإنهاء مظاهر التغوّل على الآخر، حتى يعايش المواطن الفلسطيني أجواء داخلية سويّة تعينه على التفكير بالخطوة التالية والاستعداد النفسيّ لها وتقرير الأنسب بخصوصها. وأرجو ألا نغفل هنا أن تكرار تجربة الانتخابات دون توفر الحد الأدنى من ضمانات عدم إفشالها وإنكار نتائجها يعدّ بالنسبة لكثير من الفلسطينيين قفزة عبثية في الهواء. خصوصاً وأن التجارب الثورية في دول الجوار أثبتت لقطاع عريض من الجمهور العربي (والفلسطيني جزء منه) أن العمليات الانتخابية المجدية هي تلك التي تأتي على إثر تغيرات شاملة في بنى النظم المستبدة، وليس عبر توافقات مجتزأة تفتقد للضمانات المطمئنة، أو في ظلّ وجود احتلال قادر على تغيير المعادلة كما يشاء بتغييب الفئة غير المرضي عنها إن كان الطرف الفلسطيني المقابل متساوقاً مع أهداف الاحتلال بدرجة معينة تلبي مصلحته الخاصة وتعزز استمرار هيمنته.
نتمنى أن يكون اللقاء هذه المرة مختلفاً، وأن تدار الملفات كافّة وفق آلية مغايرة لما كان الحال عليه سابقا، وأن تراعى التغيرات لدينا ومن حولنا، فندرك معها أين وصلنا صعوداً وهبوطا، وما الذي يناسبنا ويمثّل أولوية لقضيتنا وشعبنا في هذه المرحلة التي نقف فيها وأمتنا على مفترق طرق سيؤدي حتماً إلى تغيّرات وتحوّلات كبيرة وشاملة لا بدّ من امتلاك القدرة على استشرافها وقياس مدى انعكاسها على قضيتنا.
المصدر: لمى خاطر – شبكة فلسطين للحوار