ماذا بعد تشكيك الحلفاء والأصدقاء بـ«حماس»؟
بقلم : رأفت مرة
عرّضت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في الأشهر الأخيرة، إلى موجة من الانتقادات والتشكيك في مواقفها وتحركاتها بسبب مجموعة من التطورات والأحداث الحاصلة في المنطقة.
وكانت حماس عرضة لاتهامات صادرة من جهات سياسية بسبب مجموعة من المواقف التي اتخذتها الحركة أو التحركات التي أقدمت عليها، ومنها على سبيل المثال تخفيف تواجدها في دمشق، وعدم اتخاذ موقف منحاز تجاه الأزمة في سوريا، وزيارات قيادتها لكل من عمّان والدوحة وأنقرة، و«إعلان الدوحة» الذي نص على تكليف محمود عباس برئاسة الحكومة الفلسطينية الانتقالية المشرفة على الانتخابات، وصعود «الإخوان المسلمين» في كل من تونس ومصر وغيرها من الدول العربية، وصدور موقف من أحد قيادات الحركة في غزة يقول إن حماس لن تقف إلى جانب إيران إذا تعرضت الأخيرة لعدوان أميركي أو إسرائيلي.
والمؤسف أن حملة التشكيك والاتهام صدرت من أطراف تربطها علاقات تاريخية واستراتيجية بحركة «حماس»، وأن هذه الأطراف لها علاقات سياسية متينة مع حركة «حماس»، وبينها جميعاً آليات تنسيق دائمة.
وهذه الأطراف مطّلعة بالكامل على استراتيجية «حماس»، ولها إطلالة عميقة على مشروع المقاومة الذي تحمله الحركة، ولها معرفة بالكثير من المواقف السياسية التي اتخذتها «حماس» سابقاً، وتمسكّت من خلالها بمشروع المقاومة والتحرير والعودة، ورفضت من خلالها أيضاً كل ما يؤدي إلى التفريط بالحقوق الوطنية الفلسطينية. وهذه الأطراف لها إطلالة كبيرة جداً على الجهد الذي تبذله «حماس» لتحسين وضعها العسكري المقاوم، ورفع مستوى جهوزيتها القتالية للتصدي لعدوان إسرائيلي قادم حتماً، بعد الاستفادة من تجربة العدوان على قطاع غزة العام 2008.
فهذه القوى مطلّة على برامج التسليح والتدريب، كما كانت مطلّة على المواقف السياسية التي اتخذتها «حماس» في حواراتها السياسية، والتي انتهت إلى تأكيد «حماس» على تحرير كل فلسطين، وعودة اللاجئين، ورفض الاعتراف بدولة الاحتلال.
هذه التطورات والمواقف والأعمال، لم تكن «حماس» تخفيها عن حلفائها، بل كانت تضعهم بشكل دائم في صورة مواقفها ومختلف المراحل التي تمر بها، سواء من خلال آليات التنسيق الدائمة، أو من خلال الزيارات الخاصة، أو من خلال اللقاءات التي كانت تحرص قيادة «حماس» على ترتيبها عند كل حدث، وكان الأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة أكثر من قام بهذا الجهد.
كان من اللافت أن يصدر التشكيك والاتهام من بعض القوى الإسلامية والقومية والوطنية التي في غالبيتها على علاقة وثيقة بـ«حماس»، ومنها قوى بينها وبين الحركة تعاون متميز يصل إلى مستوى التعاون الاستراتيجي أو الشراكة الدائمة.
وهذا التعاون قديم، ويقوم على أسس ومبادئ، وتجمعه قواسم مشتركة كثيرة، واختبر في مراحل كثيرة وأثبت صموده، وتخطى استهدافات خطرة. والمؤسف أن هذه القوى أطلقت مواقفها من دون أن تستمع إلى وجهة نظر «حماس»، ومن دون أن تعرف حقيقة مواقفها، ومن دون أن تطّلع على ما جرى في دمشق وعمّان، أو لماذا كان «إعلان الدوحة»، أو ما هو سقف العلاقة بين حماس وتركيا ومضمونها. لذلك، لم يكن من المفهوم مبررات توجيه هذا الاتهام أو التشكيك.
فإذا كان هذا التشكيك ناتجاً عن قراءة سياسية أظهرت تغير استراتيجية «حماس»، فهي قراءة خاطئة، للأسباب التالية:
1- إن حركة «حماس» لم تغير استراتيجيتها وأهدافها وخطها السياسي القائم على المقاومة ورفض الاحتلال مطلقاً. وهذا التغيير لم يحصل في أي ثابتة من ثوابت «حماس». وتغيير برامج «حماس» وخططها وأولوياتها أمر ليس سرّياً، ولا يمكن إخفاؤه، ولو حدث داخل أي مؤسسة من مؤسسات «حماس» القيادية، وكان له مؤيدون ـ على افتراض ـ فإن له معارضين كثراً، وهم لن يسكتوا على استبدال المشروع أو تحويل البوصلة أو تغيير الاستراتيجية، التي قامت عليها «حماس» ومكنتها من إحداث تميز سياسي كان علامة فارقة في التاريخ الفلسطيني.
2- هذا في الاستراتيجية، أما في التكتيك، فإن القراءة السياسية العلمية والموضوعية تظهر أنه لم يحصل أي تبدل سياسي أو أي تغير جوهري في مواقف الأطراف الأساسية المعنية بالصراع في المنطقة، يدفع «حماس» لتغيير نهجها.
فالولايات المتحدة والكيان الصهيوني لم يقدما على أي تغيير في نهجهما السياسي، وبالتالي ما الذي يدفع «حماس» اليوم إلى التنازل، وهي التي صمدت في ظروف أصعب منها، على سبيل المثال العام 1993 وقت توقيع «اتفاق أوسلو»، وبين أعوام 1994-1997 مرحلة محاولة اجتثاث «حماس» بالكامل، وبينها مؤتمر لمكافحة الإرهاب العام 1996 في شرم الشيخ الذي أعلن حرباً على المقاومة في المنطقة (حماس وحزب الله)، ومنها مرحلة الاستئصال بين عامي 2005-2007 التي نفذتها السلطة في الضفة الغربية، بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، و15 جهازاً أمنياً غربياً وعربياً، ومنها مرحلة الإنهاء العام 2008 (عدوان الرصاص المسكوب) الذي صمد فيه الفلسطينيون وصمدت فيه «حماس» وأفشلت المخطط.
فإذا صمدت «حماس» أمام كل هذه الموجات، فما الذي يدفعها اليوم للتنازل أو للانحراف ووضعها الشعبي والسياسي والعسكري أكثر قوة من السابق بكثير، والسلطة قدمت تنازلات ضخمة ولم تحصل على شيء وهو أمر يدركه الجميع؟
إن توصيف حملة الاتهام والتشكيك ضد حماس ناتج عن احتماليْن لا ثالث لهما:
1- وجود رغبات ونوازع ضيقة ومصالح فئوية، تقاطعت مع توجيهات معينة.
2- وجود قراءة سياسية خاطئة، وعدم إدراك دقيق لنهج حركة «حماس».
وإذا اجتمع العاملان الأول والثاني نصبح أمام واقع صعب عبّرت عنه هذه المجموعات التي استهدفت «حماس»، وبالتالي أصبحت الأزمة داخل هذه المجموعات وليس داخل «حماس». لكن ماذا بعد التشكيك بحماس؟!
هناك ثلاثة خيارات أمام هذه المجموعات:
1- البقاء في حالة التشكيك والاتهام، وهذا يعني إصدار مواقف سلبية ضد حماس، وهي حالة لا تقدم ولا تؤخر.
2- الانتقال إلى موقف عدائي أكثر ضد «حماس» ومعارض لها. لكن هذا الخيار له كلفته السياسية والشعبية ولا يستند إلى معطيات، وسيدخل أصحابه في مواجهة مع «حماس» وجمهورها الفلسطيني والعربي والإسلامي.
3- العودة إلى المرحلة السابقة، أي مرحلة التفاهم مع «حماس» وتفهم مواقفها، وهذه المرحلة إن لم تحصل بشكل علمي وموضوعي فستحصل عند أي تطور سياسي أو عسكري تصنعه «حماس»، وعندئذ تكون هذه القوى تعاملت مع ردود فعل وليس مع حقائق ثابتة.
لكن الخيار الأفضل يبقى في قيام المشككين بإجراء مراجعة نقدية لمواقفهم تقوم على قاعدة إدراك مشروع «حماس» وطبيعته ومعرفة الوقائع التي تعيشها الحركة. فإذا كانت هذه القوى التي تشكك في حماس اليوم، وهي على علاقة استراتيجية بها، قد اكتشفت بعد 24 عاماً أن حماس «منحرفة» أو «مفرّطة» أو «متذبذبة»، فهذه مشكلتها.
القراءة الموضوعية لحملة اتهام «حماس» تدفعنا إلى الإقرار، أن هناك مواقف أو تصريحات خاطئة أقدم عليها قادة في «الحركة» وتتعارض مع ثوابت «حماس» ونهجها، وهي في الوقت نفسه وفّرت فرصة للإساءة لـ«لحماس».
لكن لا يمكن لمن يعرف كيف تؤخذ مواقف «حماس» وكيف يعبر عنها ويعرف ثوابتها، أن ينحرف عن كل ذلك لمجرد سماعه تصريحاً لهذا أو ذاك من المسؤولين في «الحركة».
فنهج «حماس» الثابت تجاه المقاومة والأرض والتسوية ورفض الاعتراف بالاحتلال، والوحدة الوطنية، وحق العودة، كلها كانت ولا تزال منذ 24 عاماً، والمؤتمر الأخير للحركة في بداية العام 2012 أكد عليها جميعاً، ولا داعي للقلق أو للتخوف. فنهج الحركة صنيع المؤسسات، والمؤسسات تقوم على مبادئ شرعية ووطنية وثوابت سياسية، وعلاقة «حماس» مع دولة ليست مطلقاً على حساب أي دولة أخرى، فـ«حماس» كانت ولا تزال صلب المشروع المقاوم في المنطقة وتحالفاتها تقوم على أسس استراتيجية، وهي لم تغير خياراتها، ولا رهاناتها.
المصدر: السفير