سماح خليفة
وجود الأونروا يعني وجود لاجئين، ووجود
اللاجئين يعني وجود محتل غاصب، ووجود المحتل يعني بالفطرة وجود مقاومة. القضاء على
الأونروا يعني -على المدى البعيد- القضاء على فكرة اللاجئين تمامًا، وبالتالي محو
فكرة وجود احتلال على أرض مغتصبة من أهلها المهجّرين؛ لتصبح تلك الدولة المحتلة
تلقائيًّا مع الوقت دولة مقيمة صاحبة أرض ووطن، وبالتالي يُستكمل مشروع القضاء على
المقاومة باسم آخر، هو القضاء على الإرهاب الخارج عن الدولة (دولة الاحتلال غير
شرعية= دولة قائمة شرعية).
هذا ما تسعى إليه حكومة الاحتلال
الإسرائيلية من خلال اتخاذ الكنيست قراراً بحظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين على كامل أرض فلسطين التاريخية، بعد أن سبقه قرار رفض إقامة دولة
فلسطينية على الأراضي المحتلة 1967م.. إن أغلبية 92 صوتًا، باستثناء أصوات العرب،
تُمنح لكل من القرارين السابقين، تعني إجماعًا صهيونيًّا بين كافة الكتل والأحزاب
السياسية؛ لتصبح المعارضة في حالة توافق تام، فيما يتعلق بقرارات الأمم المتحدة
فيما يخص الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني.
الأمم المتحدة التي تكفّلت من خلال
قرارها رقم 194، بأن تؤسّس هيئة خاصة باللاجئين الفلسطينيين، لا تشبهها من حيث
التكوين والتشكيل والمهمات والأبعاد السياسية أي هيئة أخرى أنشأتها للاجئين في
العالم، تقف اليوم عاجزة أمام قرار الحكومة الإسرائيلية، التي تتحداها من جهة، وهي
من جهة أخرى تمثل أيديولوجيتها في تناقض شكلي وتوافق مبطن.
دولة الاحتلال التي فشلت سابقًا في
إلغاء الأونروا، وإحالة ملف اللاجئين الفلسطينيين إلى هيئات أخرى ذات أبعاد
إنسانية؛ لنزع الصفة السياسية والحقوقية عنها، ها هي اليوم تتكئ على القوة لإنهاء
وجود وعمل الأونروا على أرض فلسطين، الذي يكشف عن أهدافه في إنهاء اللاجئين
وحقوقهم التي أقرتها الجمعية الدولية، وهذا ما صرح به كذلك المفوض العام لوكالة
غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني، الأربعاء،
بقوله: إن الهجوم على الوكالة دافعه سياسي؛ للتخلص من اللاجئين الفلسطينيين. خاصة
بعد تحقيقات الأمم المتحدة التي أظهرت زيف الادعاءات الإسرائيلية بأن موظفيها
يعملون لصالح حركة حماس، وتتضح نوايا الاحتلال من خلال طريقته الممنهجة في تدمير
قطاع غزة، في ظل ظروف صعبة يعيشونها، خاصة شمال القطاع.
ولتحقق "إٍسرائيل" هدفها
بتصفية القضية الفلسطينية، سبق أن وافق الكنيست يوم الثلاثاء 29/10/2024 على قرار
منع أي دولة من إقامة قنصلية في القدس تقدم الخدمة للفلسطينيين، ليقطع كذلك الطريق
أمام الولايات المتحدة بتحقيق وعدها السابق بإعادة افتتاح قنصليتها في القدس.
إن هذا القرار الذي لم يستفز أي إدارة
أميركية قائمة أو قادمة، يشكل تحديًا سافرًا للمنظومة الدولية، سواء على مستوى
المؤسسات الجامعة أو على مستوى الدول منفردة.
إذا استطاعت دولة الاحتلال إلغاء عمل
الوكالة داخل فلسطين المحتلة، هل تستطيع إلغاءها خارجها؟ هل تستطيع إلغاء 40% من
اللاجئين في الأردن و10% في سورية، و8% في لبنان
دولة الاحتلال التي فرضت نفسها بالقوة
أولا قبل إرادة الولايات المتحدة -كما صرح نتنياهو في حديثه حول شرعيّة بلاده- تضع
نفسها الآن في تحدٍّ مع الأمم المتحدة، بكافة مؤسساتها وقراراتها ومنظوماتها
القانونية والقيمية، وفي تحد مع النظام الدولي القائم، الذي لا تزال الولايات
المتحدة تقف على رأسه، وتجتهد لمنع انهياره أو تغييره.
ومع أن قرار إقامة دولة فلسطينية ومنح
الفلسطينيين حقهم لم يصدر حتى الآن بقرار صريح، وإنّما بقرارات غير مباشرة، بما في
ذلك موقعها في الأمم المتحدة في مكانة مراقب، وقرار الجمعية العامة الأخير، بتعزيز
مقعدها في الجمعية العامة، أسوة بأعضائها، فإن ملف "الأونروا" صدر بقرار
صحيح وواضح من قبل الجمعية العامة، وهو المعروف بقرار "حق العودة" رقم
194 للعام 1949م.
القرار رقم 194 كان واحدًا من اشتراطات
الأمم المتحدة للاعتراف بدولة الاحتلال بعد حرب 1948م، ويشكل جزءًا من ترجمة
القرار رقم 181، الخاص بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: إذا
استطاعت دولة الاحتلال إلغاء عمل الوكالة داخل فلسطين المحتلة، هل تستطيع إلغاءها
خارجها؟ هل تستطيع إلغاء 40% من اللاجئين في الأردن و10% في سورية، و8% في لبنان،
عدا الموجودين في دول أخرى عربية وأجنبية؟ وهل ستنجح في إلغاء القرار 194، وما
يمثله من حماية حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة؟
ردود الفعل الدولية والعربية لن تتوقف
عند حدود التنديد والتعبير عن القلق وإصدار البيانات؛ لعلمهم أن نتائج مثل هذا
القرار ستوقظ في كل لاجئ قضيته التي خُدّرت منذ قرن تقريبًا، وبذلك لن تزيده إلا
فعلًا مقاوِمًا سيؤرق دولة الاحتلال والمجتمع الدولي بأكمله
أتكون "إٍسرائيل" بممارساتها
المتحدّية للقوانين والقرارات والقيم الدولية والإنسانية، ومؤسسات العدالة
الدولية، قد فرضت نفسها كأمر واقع على الدول التعامل معه وقبوله على علّاته، أم
سيكون مصيرها دولة مارقة لا تنتمي إلى القيم والمؤسّسات الدولية، ما يجعلها في
مواجهة مفتوحة، ليس مع الشعب الفلسطيني وحسب وإنّما مع المجتمع الدولي ككل، ومع
النظام العالمي والأمم المتحدة؟
يوفّر قرار الكنيست بشأن
"الأونروا"، المسوّغ القانوني المشروع لقرار تجميد عضوية دولة الاحتلال
في الجمعية العامة، أو ربما الجرأة على إقرار طرد "إٍسرائيل" من المؤسسة
الدولية.. لا شك بأنها معركة صعبة في الجمعية العامة، لكن الولايات المتحدة لن
تكون قادرة على منع صدور القرار في حال عرض على التصويت، وبذلك تكون دولة الاحتلال
قد اختارت عزلة دولية شاملة، لا يفيد معها ما تمتلك من وسائل القوة الآخذة بدورها
في الانهيار.
إن ردود الفعل الدولية والعربية لن
تتوقف عند حدود التنديد والتعبير عن القلق وإصدار البيانات؛ لعلمهم أن نتائج مثل
هذا القرار ستوقظ في كل لاجئ قضيته التي خُدّرت منذ قرن تقريبًا، وبذلك لن تزيده
إلا فعلًا مقاوِمًا سيؤرق دولة الاحتلال والمجتمع الدولي بأكمله.