ماذا يعني التضامن مع
الأسرى الفلسطينيين؟
القائد الأسير إبراهيم حامد
شهد
هذا العام 2012 على طوله حركة إضرابات فردية وجماعية أخذت صورة «ماراثونية» غير
مسبوقة، ليس فقط في تاريخ حركات الاحتجاج داخل سجون العالم، الأمر الذي لفت
الانتباه إلى ما تمثّله حالة الأسر في المعتقلات الصهيونية.
ورغم
انشغال دوائر الإعلام والسياسة عن الشأن الفلسطيني في العامين الماضيين اللذين
شهدا تحولات الربيع العربي العاصفة، والتي كان يعتقد معها بأنّ إضراب الأسرى أو
أيّ فعالية نضالية أخرى تتعلق بالقضية الفلسطينية سوف تتأخر في درجات الاهتمام،
غير أنّ المفاجآت كانت أنّ إضراب الأسرى لم ينجح فقط في إحياء قضيتهم الإنسانية
العادلة، بل وأيضا أحيا معها القضية الفلسطينية، حيث وجدنا دوائر التضامن تتّسع مع
كل يوم إضراب جديد خاضه الأسرى في إضرابهم الجماعي في الربيع الماضي 2012، ممّا
شكّل في حينه أحد أهم عوامل الضغط على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لتسعى إلى
الاستجابة لتلبية مطالب الأسرى.
في
الحقيقة شكّل الفعل التضامني الذاتي في التجربة النضالية الفلسطينية، النواة
الأولى التي يعود لدحرجة أشكال التضامن ومراكمتها السبب الجوهري في انفجار ثورات
الفلسطينيين وانتفاضتهم، ولربما تعلّم هذا الدرس منهم بقية العرب بعد أن سطّروا
النموذج والأمثولة طيلة تاريخ العرب الحديث في المئة عام الأخيرة.
وقد
لمسنا في إضراباتنا التي لم تتوقف هذا العام حالات تضامن في محيطنا الإسلامي
والعربي والإنساني معنا ومع ما نمثّل من قيم تعكس حالة تضامن ضميرية تكشف عن عمق
تأثير القضية الفلسطينية في نفوس شعوب المنطقة والعالم الذي لا يزال حياً وعامراً
في النفوس، وفي الحقيقة إنّ حالة التضامن مع الأسرى الفلسطينيين إنما تحمل في
طياتها مستويات من التضامن الذي طالما كانت القضية الفلسطينية تعيد إنتاجه
باستمرار، ويمكننا هنا أن نشير إلى بعض ما يعنيه التضامن مع الأسير الفلسطيني.
أولاً:
يعني التضامن مع الأسير الفلسطيني تضامناً مع القضية الفلسطينية التي تمثّل ضميرنا
والتي ضحّى من أجلها المعتقلون بزهرات شبابهم وسنيّ أعمارهم الطويلة التي تجاوزت
عند بعضهم الثلاثين عاماً. هذه القضية التي لا تزال تحمل جميع عناصرها «رغم ما جرى
في النهر من مياه» كقضية حق وعدل في وجه ظلم واغتصاب واستعمار، وقضية مركزية
لذراري المسلمين والعرب، ورغم زخم الأحداث العاصفة التي تمرّ بها منطقتنا «والتي
تمثّل في جوهرها أحد مضاعفات القضية الفلسطينية المزمنة»، ربما اعتقد البعض أنّ
تلك الأحداث ستغطّي على القضية الفلسطينية وتدعها خلفها، ممّا جعل الناطقين باسم
العدو يدّعون أنّ قضية صراع المسلمين والعرب معهم ليست هي أساس مشاكل منطقتنا،
وأنّ هناك مشاغل وهموم جديدة أقوى منها غطّت عليها. في الحقيقة، إنّ دوائر التضامن
التي واكبت إضراب الأسرى كذّبت جميع تلك التخرصات والافتراضات، وبرهنت على أحقيّة
ومركزيّة وحميميّة هذه القضية في نفوس العرب والمسلمين وبقية أحرار العالم.
ثانياً:
إنّ التضامن مع الأسرى الفلسطينيين إنما هو في جوهره تضامناً مع النفس بالنسبة لكل
مسلم وعربي، يمليه واجب الأخوة والشعور بالهمّ المشترك، والمصير المشترك.
وكم
كان مؤثراً ذلك النوع من التضامن الروحي الذي جسّده الكثير من إخواننا متطوعي
العالم الإسلامي الذين أدّوا فريضة الحج أو نافلة العمرة عن إخوانهم الأسرى
الفلسطينيين، إنّ هذا المستوى من التضامن الروحي يستدعي توسيع حلقاته، وتطوير حالة
التضامن التي من طبيعتها أن تتدحرج وتتراكم وتتعاظم كلما مرّ الزمن، لتشمل
الارتفاع إلى واجبات القضية الفلسطينية التي من أجل إنجازها يتواجد الأسرى
الفلسطينيون في المعتقلات.
إنّ
ما لمسناه من تضامن يدعنا نعتقد أنّنا مع حالة جديدة لنواة سوف تكبر مع الأيام
ونرجو أن تنضج لنرى ثمارها وقد ارتفع المسلمون والعرب لمستوى طرح الإجابة على
التحدي الذي يمثّله العدوان الصهيوني المستديم منذ عام 1948 واغتصابه لمقدساتهم
وترابهم وعقر دارهم (فلسطين).
لطالما
خرجت صرخات الفلسطينيين جافة ومريرة طيلة محطات المحنة التي مروا بها، لقد كانت
صرختهم الحائرة عند كل مجزرة ومجزرة تعرضوا لها «وين العرب»، طبعاً قالت لنا ثورات
الربيع العربي أنّ العرب كانوا مستلبين، ولكن مع ذلك كانت تعني تلك الصرخة، رغم
جفافها السياسي، إيماناً راسخاً في اللاشعور أنّ هناك أمة اسمها «أمة العرب» التي
تنحدر ونتناسل منها ستهبّ يقظة ذات صباح لتردّ صدى صرخاتنا الخرساء. لقد طور
الفلسطينيون مع خيبات أملهم من عربهم شعار «يا وحدنا».
لعلّ
العرب هذه الأيام يشاركوننا ما كنّا متباينين فيه طيلة محنتنا، ونسمع من أفواههم
نفس الصرخات التي كنّا نطبقها، ولكن الذي تغيّر هذه المرّة، ولأول مرّة أن بدأت
تسمع أصداء صرخاتنا في الميادين والمنابر والضمائر والوجدان، إنّ حالة التضامن
الآخذة بالتدحرج تقول لنا: إنّكم لستم وحدكم، إننا معكم، بأرواحنا وألسنتنا
وسواعدنا، إنّنا نستبشر بهذه الروح التضامنية التي ترتفع وتائرها ونرجو أن نكون
على موعد قريب معها في ميادين الحرية والانعتاق.
إنّ
التضامن مع القضية الفلسطينية يستوجب تحويل المشاعر والعواطف وترجمتها بخطوات
عملية من خلال الآتي:
قيام
جميع المتضامنين من شتى البلدان إلى حمل حكوماتهم وبرلماناتهم وأحزابهم على إدراج
القضية الفلسطينية على رأس برامجهم السياسية والوطنية، وجعلها همّاً نضالياً يدخل
في نسيج البناء الثقافي والفكري والتربوي والسياسي لكل هيئة سياسية.
العمل
على اعتماد سياسات في الوزارات ومؤسسات الدولة الرسمية المختلفة لربط سياساتها
ومصالحها مع الدول الأجنبية أو الصديقة، أو مع الدول العربية، أو حتى في السياسات
المحلية، تقوم على أساس إدماج القضية الفلسطينية في تلك السياسات.
سنّ
قوانين وتشريعات وبروتوكولات إدارية وقانونية وتشريعية لتأكيد وترسيخ الالتزام
بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية لكل قطر عربي.
ثالثا:
التضامن مع الأسرى الفلسطينيين يعني أيضاً الانتصار لإنسانية الإنسان، خاصة عندما
يتكشّف الأمر عن قصة معاناة إنسانية طويلة ومستديمة، حيث أنّ العشرات من الأسرى
أمضوا أكثر من ربع قرن من الزمان في السجون. كما أنّ الأسير الفلسطيني مجرد، في
العديد من الحالات، من أبسط حقوقه الإنسانية، مثل الحق في زيارة ذويه أو مجرد الحق
في القراءة والمطالعة، الأمر الذي دعا العديد من الأسرى الدخول في إضرابات
«استشهادية»، حيث بلغ أحدث هذه الإضرابات مدة تزيد عن 150 يوماً، وكان قد ابتدأها
الأخ المجاهد خضر عدنان في بداية هذا العام، والذي تمكّن من الانتصار وإنهاء
معاناته من خلال المثل والنموذج الذي ضربه في الإضراب المفتوح عن الطعام، وهكذا
حدث مع بقية إخوانه جماعة وفرادى.
المصدر: السبيل، عمّان