مبادرات حماس وتأخّر فتح!
بقلم: لمى خاطر
لم تتوقف حماس منذ نهاية العدوان على قطاع غزة عن تقديم مبادرات حسن النية فيما يخص الوضع الفلسطيني الداخلي، وتجاه حركة فتح أيضا. فعلت ذلك رغم أنها الطرف المنتصر والمقدم بين يدي تجربته دليلاً عملياً على نجاعة مساره، ورغم أن قيادة السلطة في رام الله تعيش أزمة سياسية وإفلاساً على صعيد البرنامج وانعدام الخيارات البديلة!
أصدرت حركة حماس في غزة عفواً عم مرتكبي جرائم أحداث 2007، مع أن هذا لم يكن مطلوباً منها، فالمجرم يبقى مجرماً وخصوصاً من تورط في سفك دم دون وجه حقّ، وهو في هذا لا يختلف عن العميل الذي لا يتغيّر الموقف منه، ولا يخضع الحكم عليه لأية اعتبارات سياسية.
ومع ذلك انتظرنا أن تبادر حركة فتح في الضفة الغربية إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وتعلن بشكل واضح لا لبس فيه إغلاق ملف الاعتقال السياسي، رغم أن هؤلاء المعتقلين لا يجوز أن يقارنوا بمرتكبي الجرائم في غزة، كون اعتقالهم كان على خلفية نشاطهم ضد الاحتلال، وفي سياق سياسة التنسيق الأمني التي ما زالت السلطة في رام الله متمسكة بها. لكن السلطة وأجهزتها الأمنية أبت أن تنزل عن هذه الشجرة، رغم إدراكها تغيّر المعطيات من حولها، وانحياز المزاج العام تجاه المقاومة، وعدم قبوله بالمساس بعناوينها وناشطيها مهما كانت المبررات!
أما المبادرة الثانية المفاجئة فكانت إعلان الحركة دعم محمود عباس في توجهه نحو الأمم المتحدة، مع تقييد ذلك بالإصرار على الثوابت وبضرورة أن يكون التحرك ضمن استراتيجية وطنية شاملة ورؤية جماعية لا تتيح الاستفراد بالقرار.
وهذه المبادرة أثارت استياء عدد من محبي حماس وأنصارها وخصوصاً من رأوا أن كرة المبادرات ليست في ملعب حماس الآن ولا يجوز أن تكون كذلك، إنما هي مطلوبة من الطرف الآخر، لجملة طويلة من الأسباب من بينها تماديه سابقاً في محاربة حماس والنيل منها حتى وهي في دائرة الاستهداف، والتواطؤ في حصار غزة، إضافة إلى فشله السياسي وتعثّر مساراته وتسجيله إخفاقات متكررة.
لن أناقش فكرة تأييد مسعى التوجه للأمم المتحدة الذي قدمته حماس، فللحركة اعتباراتها الوجيهة لفعل ذلك، كما للمنكرين ذلك اعتباراتهم وتخوّفاتهم المشروعة أيضا. غير أنه من المهم هنا ألا تُسرف حماس في تقديم بوادر حسن النية من طرف واحد، في وقت لا يبدو أن السلطة في رام الله عازمة على أن تبدّل أو تغيّر من سياساتها المختلفة السياسية والأمنية، وإذا ما كانت هناك نيّة جدية لأن تكون الخطوة الفلسطينية القادمة هي العودة لطاولة المصالحة، فعلى حماس أن تكون الأكثر حرصاً على أن تُبنى هذه المصالحة على قاعدة متينة وواضحة، بعيدة عن منطق الابتزاز الممارس عليها، وعميقة إلى ما هو أبعد من القشور التي اعتاد المتحاورون بحثها كشكل الحكومة ومهماتها، لأن مصالحة لا تتأسس على قاعدة المقاومة واحترامها وصون إنجازاتها، ولا تستفيد من قوة الدفع المعنوية التي أفرزتها في الوعي الفلسطيني هي مصالحة شوهاء ومشبوهة الأهداف، ولن يكتب لها الاستمرار طويلاً ولا قصيرا، لأنها ستكون خطوة للخلف ومحطة انتكاس جديدة!