القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

محاولات تصفية "أونروا" مستمرة

محاولات تصفية "أونروا" مستمرة

بقلم: مصطفى إبراهيم

في غزة يقال ان مدير عمليات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" السابق في قطاع غزة "جون جنج"، قام قبل مغادرته منصبه بإعداد ملفاً ضد رئيس اتحاد الموظفين العرب في الوكالة بغزة، واتهامه بانتمائه لحركة حماس وتوليه منصباً سياسياً كبيراً فيها، لرفضه الموافقة على تدريس مادة عن "الهولوكوست" (المحرقة النازية لليهود) ضمن مناهجها الدراسية في حقوق الإنسان.

"أونروا" اتخذت قراراً بوقف رئيس اتحاد الموظفين عن العمل بدون راتب مدة ثلاثة اشهر، وتوجيه إنذارٍ نهائي له بالفصل من وظيفته، لأنه شارك مع رئيس وزراء حكومة حماس إسماعيل هنية احتفالاً جماهيرياً، و كان حضر لقاءً جماهيرياً قبل عدة سنوات استضاف الراحل الشيخ أحمد ياسين، على ضوء القرار اتخذ الاتحاد العام للموظفين قراراً بتصعيد الاحتجاجات ضد قرار "أونروا" بوقف رئيسه عن العمل، وصلت إلى إعلان الإضراب الشامل عن الدراسة للطلاب في جميع المدارس، وسيكون نهاية الأسبوع إضراباً شاملاً للطلاب والمعلمين والعاملين.

في حديثي مع عدد من المعلمين تبين ان عدد منهم لا يعلم السبب الحقيقي في وقف رئيس الاتحاد، وفي ظل الانقسام لا تجد خطوة الإضراب إجماعاً فلسطينياً، وهم لا يدركون خطورة ما تتخذه "أونروا" من العجز المتعمد في ميزانيتها، وان ذلك يأتي من خلال محاولات التصفية لدورها الحقيقي في إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

ربما هذا يتطابق مع عدم معرفة كثير من الفلسطينيين أن دولة الاحتلال صوتت لصالح القرار رقم 302 الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن من كانون الأول / ديسمبر عام 1949 بإنشاء وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، كما صوتت الدول العربية تأييدا للقرار، وربما لا يدرك كثير من الفلسطينيين أيضا أن تصفية "أونروا" قد تحولت إلى هدف رئيسي تسعى إليه دولة الاحتلال بمساعدة الكونغرس الأمريكي، وبتنفيذ بعض المسؤولين الكبار في "أونروا" الذين اخذوا على عاتقهم تنفيذ تلك السياسة من خلال برامج تعليمية وصحية.

منذ قيام السلطة الفلسطينية في العام 1993، ومع ما يسمى عملية السلام بدا واضحا أن الشح في تمويل "أونروا" متعمداً، حيث زاد التمويل للسلطة ومؤسساتها، وبدأت في تقليص خدماتها بما فيها الأساسية كالتعليم والصحة، وعلى اثر سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، ازداد التقليص في الخدمات بشكل كبير جداً، وأصبح التهديد بوقفها عن العمل بسبب النقص المتعمد في التمويل.

وبدأت "أونروا" تلعب دورا سياسياً واضحاً ومفضوحاً، من خلال استقبالها وتنظيمها لزيارات المسؤولين الأجانب، والتدخل في المناهج من دون استئذان السلطة الفلسطينية، والادعاء بالتراجع الكبير في مستوى تحصيل الطلاب خاصة مادتي اللغة العربية والرياضيات، ومن ثم إدخال مادة حقوق الإنسان ومحاولة إدخال تدريس مادة "الهولوكوست" في مناهج التدريس في قطاع غزة دون باقي المناطق التي تشرف عليها "أونروا"، ومن دون حدوث تقدم ملموس في نتائج الطلاب.

وبدا واضحا ان الممولين خاصة الولايات المتحدة وأوروبا يريدون تحصيل أثمان سياسية من حركة حماس لوجودها في السلطة بسيطرتها على قطاع غزة، في الوقت الذي يرون أن "أونروا" قد استهلكت دورها، وأصبحت أزمتها المالية مزمنة، والتهديد بتوقفها عن العمل أمراً واقعاً، كما يجب ان لا نغفل أن أزمة "أونروا" المالية هو ليس خارج السياق التي تسعى إليه دولة الاحتلال بتصفيتها ونقل صلاحياتها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العالم التي تأتي في سياق الالتفاف على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.

دولة الاحتلال ومن خلفها أعضاء في الكونغرس الأمريكي يعملون على تقليص ميزانياتها ومحاولات تصفية "أونروا"، وفي الوقت الذي يجب فيه ان يمارس الموظفين الفلسطينيين فيها حقهم في العمل النضالي والنقابي والمشاركة في الشأن العام والدفاع عن هموم الناس ومشاكلهم، بعيدا عن لعب دورا سياسيا بارزا، ويجب على "أونروا" احترام رموز الشعب الفلسطيني، كما يجب الحذر من استغلال ذلك، وما تقوم به دولة الاحتلال من ضغط وابتزاز للمجتمع الدولي لتصفية "أونروا".

القضية لم تعد قضية توقيف موظف كبير عن العمل، بقدر ما هو إشغال اللاجئين عن قضيتهم الأساسية، ودفع جهة سياسية معينة لدفع أثمان سياسية مقابل وجودها في السلطة والضغط عليها مقابل قضية اللاجئين، وان ما يدفعه الممولين يجب ان يكون له ثمن، ويجب عدم اختزال القضية في القلق كما قيل أنه نابعاً من أن غزة لا تحتمل كما ما تم وصفه من قبل بعض المسؤولين في حكومة حماس بالنزاعات النقابية في ظروف الحصار، وتفاقم البطالة، والتي لها تداعيات خطيرة في الساحتين الاجتماعية والأمنية، وان تعنت " أونروا " من شأنه أن يبعث القلاقل والاضطرابات الاجتماعية والأمنية في غزة، وأن ذلك لا تحتمله الحكومة في غزة ولا تحتمله الساحة المحقنة.

مبعث القلق الحقيقي هو استمرار محاولات تصفية "أونروا"، وأن نكون نحن ضمن تلك المحاولات بقصد أو من دون قصد، في ظل استمرار الانقسام وعدم مواجهة ما تقوم به " أونروا"، ونحن غير موحدين وغير مدركين حجم الخطر على قضية اللاجئين، وما تتعرض له من ضغوط ومحاولات تصفية، وفي ظل غياب دور حقيقي لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، المطلوب منها التحرك العاجل في إطار الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والدول المضيفة للاجئين من أجل منع أي مساس بالوكالة وضمان استمرار وجودها بمسماها وتفويضها وخدماتها.

المصدر: دنيا الرأي