القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

محاولة اغتيال الحلم الفلسطيني

محاولة اغتيال الحلم الفلسطيني

بقلم: محمد المحسن

"..أقفلوا دَمَ الشهداء.. لافتتاح الحوار..!/ فلسطين لا تغلق الدَّمَ.. مهما ضياعُ الأدلة/ تبقى تحقّق مهما يطول الحصار/ تبقى تفتّش في شركات الدّماء/ وتربط بين سماسرة دوليين جدّا/ وبين الطغاة الكبار.. (مظفر النواب).

.. في التاسع والعشرين من سبتمبر/ أيلول 2000 كان الزلزال الشعبي الهادر صدمة كهربائية قلبت موائد اللعب رأساً على عقب، فقد اشتعل لهيب الانتفاضة، وتأجّج، كما قرّر الشارع العربي. وبعد بدء الحريق بقليل، وفي لحظة مشرقة من التاريخ، قلّما تجود بها الأقدار، اتخذ قرار مغاير لحسابات واشنطن وتل أبيب وعواصم الدول الغربية، وبفطرة سياسيةٍ لا مثيل لها أُعلن رفض الهزيمة. رفض الصلف الإسرائيلي بكل تمظهراته المخاتلة، وأشكاله المخزية، وبدأ، تبعاً لذلك، العقل الجمعي للشعب الفلسطيني يرى في الانتفاضة رمزاً نضالياً لهذا الرّفض، وتحرّك، بشكل مباغت، ليجسّد هذا الرّمز، وبذلك تجلّى الصّراع حاسماً بين نقيضين: الانتفاضة الشاملة من جهة، والعربدة الإسرائيلية من جهة أخرى، وكان خط الدّفاع الأوّل: العقل العربي، جاهزاً للدّفاع عن قومية التراب العربي والوجدان الديني معاً، كان الفكر حاضراً والضمير أيضاً، وكان شعب برمته على استعداد للشهادة من أجل ما يعتقد أنّه الحق.

ما وقع في التاسع والعشرين من سبتمبر 2000 هو حصاد التراكمات الحاكمة لنضال الشعب الفلسطيني، وقواه الوطنية، طوال سنوات، وهو كذلك نقطة لقاء الغضب الشعبي المتصاعد، وثأر الفصائل الفلسطينية لشرفها الكفاحي، وهو، أيضاً، تأكيد الشارع العربي على ارتباطه العضوي بطموحات الشعب الفلسطيني المشروعة في الاستقلال والتحرّر والانعتاق. وهو تجسيد راقٍ لأسمى أشكال الصمود في وجه الطغاة، وهو إصرار إنسانيّ شامل، ترجمه الشعب الفلسطيني وأمته العربية للعالم، وهو أنّ المساس بمقدّسات الأمّة وأهدافها الوطنية النبيلة أمر يهون دونه الموت، وأنّ الحسابات الوهمية التي يخطّط لها الأجنبي في عدائه أمّتنا وحضارتنا، مصيرها الزوال، وأنّ كذلك معانقة الموت بروح استشهادية عالية سوف تستمرّ، حتى ولو لم يبق في الأرض الفلسطينية غير شجرة زيتون واحدة، ترنو بعنفوان إلى الآتي الجليل.

وبعد مرور سنوات طوال على انتفاضة الأقصى، لأنّ بعضنا ما زال يزخرف استراتيجية السّلام زخرفة ميتافيزيقية، ويؤسّس لسلام لا وجود له في عقلية توراتية جُبلت على إراقة الدّم والتخريب. فالمفاوضات العبثية التي انطلقت من أوسلو، وحطّت في شرم الشيخ، ثم عادت لاهثة إلى طابا، واستراحت قليلاً بـ"أنابوليس"، ما فتئت تترنّح وتلامس مهاوي الضياع. وفي المقابل، ما زال الجميع يتجاهلون حقيقة أنّ القانون الدولي يكفل لأهل البلاد الواقعة تحت احتلال عسكري حق المقاومة، والدفاع عن أنفسهم، بشتى الطرق الممكنة.

والسؤال: لمَ لا نحتكم للسّلاح؟ ولمَ الاتكاء على ركيزة الرأي العام العالمي، وهو الذي وقف منذ 1948 إلى جانب إقامة دولة يهودية في فلسطين، وما زال يعادي ضمنياً الطموحات العربية لاسترداد فلسطين؟

المصدر: العربي الجديد