مخطط «كيرك» لشطب اللاجئين الفلسطينيين
د. سلمان أبو ستة * - (كاونتربنتش)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
في أيار (مايو) من العام 2012، توصل السناتور مارك كيرك (جمهوري عن ولاية إلينوي) إلى اكتشاف خارق، والذي كان قد فات على عشرات الساسة والدبلوماسيين والخبراء لنحو ستة عقود. لقد اكتشف أن عدد اللاجئين الفلسطينيين ليس خمسة ملايين نسمة، كما تشير سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وإنما مجرد 30000 شخص فقط. ويعود الفضل في هذا الاكتشاف إلى لجنة الشؤون الأميركية الإسرائيلية العامة (إيباك) ولإسرائيل، لأنهما تطرحان هذا "الاكتشاف" منذ الشهور الأربعة الماضية. والتقط كيرك "الإشارة" وتقدم باقتراح إلى الكونغرس مرر بعد إضافة تعديل طفيف عليه. وخلال أسبوع وحسب أوردت عشرات من المواقع المؤيدة لإسرائيل والمواقع اليهودية في الولايات المتحدة وكندا واستراليا هذا "الاكتشاف". وبالنسبة إليها، فإن إسقاط اللاجئين من الحساب يناظر حيلة يراد منها التملص من الصراع والحرب. فالفلسطينيون المشردون سيبقون فلسطينيين مشردين من دون عودة. ولا يعدو هذا التأويل كونه أحبولة من شأنها أن تفضي، إن هي أفضت لشيء، إلى إطالة أمد الصراع وزيادة المعاناة عند ملايين اللاجئين.
إن عدد اللاجئين الفلسطينيين ليس 30000 ولا خمسة ملايين. إنهم 7.400.000 فلسطيني لم يناموا في منازلهم وديارهم طوال 23400 ليلة، لأنهم حرموا من حق العودة إلى وطنهم. والفارق في العددين -2.4 مليون- يعود إلى أن بعض اللاجئين الفلسطينيين لم يرغبوا التسجيل في قيود وكالة الغوث.
وبالنظر إلى خريطة فلسطين ومقارنتها بالأرض التي احتلتها القوات الإسرائيلية في العام 1948/1949، وهو ما يعادل (78 % من فلسطين)، فإن هناك زيادة مرعبة وهائلة تزيد على 6 % المملوكة لليهود في فلسطين، نستطيع أن نحدد 530 بلدة وقرية فلسطينية قامت القوات الإسرائيلية بانتزاعها من سكانها خلال نكبة العام 1948. ويشكل أولئك الذين هُجروا من هذه القرى اللاجئين الفلسطينيين اليوم.
وكان طرد الشعب الفلسطيني وإجباره على الهروب هو الأكبر والأشمل الذي تم تنفيذه بدقة متناهية، ويمثل عملية تطهير عرقي في التاريخ الحديث.
والتطهير العرقي ليس سوى جريمة حرب، وجريمة ترتكب ضد الإنسانية وفق المبدأ السادس من ميثاق نورمبيرغ وقانون روما لمحكمة الجنايات الدولية للعام 1998، الذي جرى إقراره الآن على نطاق عريض. وعلى نحو متشابه، فإن تكريس التطهير العرقي يعد جريمة ضد القانون الدولي، سواء عبر إنكار حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، أو الإكراه على إعادة التوطن في مكان آخر، أو عبر النفي أو عبر أي وسائل أخرى مثل تغيير صفة اللاجئين، أو إجبارهم بأي طريقة أخرى على التخلي عن حقوقهم.
وما يفتأ التطهير العرقي أن يكون سياسة إسرائيلية ثابتة. وفي الأسابيع الستة الأولى التي سبقت إعلان قيام دولة إسرائيل، أفرغ ديفيد بن غوريون أكثر من 200 قرية فلسطينية من أهاليها بالقوة العسكرية، خالقاً بذلك نصف إجمالي عدد اللاجئين. وكان ذلك قبل الإعلان عن قيام دولة إسرائيل يوم 14 أيار (مايو) من العام 1948، وقبل نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين الذي كان من المفترض فيه أن يقوم بحماية المواطنين الفلسطينيين. وقد حدث هذا الجزء من التفريغ السكاني أيضاً قبل أن تطأ قدما أي جندي عربي أرض فلسطين، في جهد ضعيف لإنقاذ الفلسطينيين. وقد تعرض النصف الآخر من اللاجئين للطرد على يد الدولة الوليدة في الشهور الستة التي تلت ذلك.
وبعد أسبوع من الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، عينت الأمم المتحدة الكونت فولك برنادوت كأول وسيط لها. ولأنه كان رجلاً يتمتع بسجل لا تشوبه شائبة، صدم برنادوت من أبعاد التطهير العرقي الذي لحق بالفلسطينيين، فكتب قائلاً: "سيكون من المخالف لمبادئ العدالة الأساسية أن ينكر على هؤلاء الضحايا الأبرياء حق العودة إلى منازلهم، بينما يستمر تدفق المهاجرين اليهود إلى فلسطين...".
ويوم 16 أيلول (سبتمبر) من العام 1948، قدم برنادوت تقريره النهائي إلى الأمم المتحدة، مؤكداً على حق الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم. وفي اليوم التالي، تم اغتيال الكونت برنادوت على يد إرهابيين من اليهود، بمن فيهم إسحق شامير، الذي أصبح فيما بعد رئيساً لوزراء إسرائيل.
ومع ذلك، تبنت الأمم المتحدة تقريره الذي قدمه للجمعية العامة للأمم المتحدة تحت الرقم 194، والذي أعيد التأكيد عليه من جانب الأمم المتحدة أكثر من 130 مرة في الأعوام الستين الماضية.
ويدعو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 إلى ثلاثة إجراءات:
1 - عودة اللاجئين.
2 - ضمان سبل معاشهم إلى حين عودتهم.
3 - تحديد الآلية الخاصة بإعادتهم وتعويضهم.
ومن جهتها، رفضت إسرائيل بعناد السماح بعودة اللاجئين أو القبول بإعادتهم، على الرغم من أنها كانت قد أخذت على نفسها عهداً، لدى قبولها في عضوية الأمم المتحدة، بالتقيد بالقرار رقم 194. وقد قبلت إسرائيل طوعاً بأن تتولى الأمم المتحدة المسؤولية عن رعاية اللاجئين. ولولا ذلك، لكانت إسرائيل قد تحملت المسؤولية عنهم. وفي الحقيقة، فإن الاهتمام باللاجئين كان العنصر الوحيد من القرار 194 الذي قبلته إسرائيل.
وعندما نكثت إسرائيل بتعهدها بالسماح بعودة اللاجئين، وظلوا هم في مخيماتهم لأول ثلاثة أعوام من تفويض الأونروا، قدمت الجمعية العامة للأمم المتحدة المساعدة للاجئين وسلالاتهم التي ولدت في المنفى (حرفياً على بعد بضعة كيلومترات من منازلهم).
وتظل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) هي العنصر الوحيد المعمول به فعلياً من القرار 194. وتظهر سجلات أونروا، اسم اللاجئ وقريته الأصلية، ومخيم النفي الذي لجأ إليه. وهنا يكمن جسد الجريمة الموصوف بالتمام والكمال في سجلات الأمم المتحدة. وبذلك، يحمل تقويض الأونروا، في كل معانيه، تقويضاً للقرار 194، ويكرس من الناحية الفعلية جريمة الحرب المتمثلة في التطهير العرقي ضد الفلسطينيين.
يجب على السناتور كيرك وموظفيه أن يشعروا بالخزي والعار لإصرارهم على اقتراح التشريد النهائي للاجئين الفلسطينيين. وقد يعتقدون بأنهم أذكياء حين يقومون بإبعاد المشكلة، لكنهم فعلياً يرسون بذلك أرضية العمل على خلق المزيد من الألم والخلخلة في المنطقة. أولم يسهم المشرع الأميركي في نشر الفوضى والرعب في الشرق الأوسط بما فيه الكفاية؟
*هو مؤسس ورئيس جمعية أرض فلسطين المكرسة لتوثيق أرض وشعب فلسطين. وهو مؤلف الخلاصة الوافية "أطلس فلسطين 1917-1966" وعدة أطالس وكتب أخرى وأكثر من 300 ورقة عمل ومقال عن اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: The scheme to Define Away Palestinian Refugees
المصدر: جريدة الغد الأردنية