القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

مخيّم بسعة قارّة!

مخيّم بسعة قارّة!

بقلم: خيري منصور

قبل نصف قرن، كانت كلمات مثل لاجئ ومحتل وتحرير ومقاومة لا تحتاج الى اضافة او تفسير. فهي ما ان ترد في اي سياق اعلامي حتى ينصرف الذهن الى فلسطين، وكانت مفردة المخيم بكل ما افرزته من دلالات جديدة كالعالقين على الحدود تعني شيئا محددا لا التباس فيه، لكن مفارقة التاريخ والجغرافيا معا شاءت ان تعدو الخيول كما البغال والحمير الى الوراء.

وبدلا من حذف هذه المصطلحات من قاموسنا السياسي بعد تحرير فلسطين وعودة اهلها حدث العكس، فلم نعد ندري عمّ يتحدث المعلقون عندما يذكرون مفردات اللجوء والاحتلال والخيام.

اكثر من سبعة ملايين عراقي من اللاجئين الى مختلف قارات العالم. وثمة موجات اخرى اعقبت تلك الموجة في ليبيا وتونس والسودان ولبنان وسوريا وللقائمة تتمة!. ان امة من اللاجئين سواء في المنافي القريبة والبعيدة او في عقر الوطن لا بد ان يتحول وطنها من الدم الى الدم الى مخيم بسعة قارة، لكن ذلك يشترط اعادة تعريف الخيام فهي لم تعد من خيش او بلاستيك وقد تكون من حجر ورخام ومرمر. كان العرب قبل نصف قرن لفلسطين واحدة. ثم تعاقبت الفلسطينات واحدة بعد الاخرى باسماء مستعارة واحيانا باسماء حركية اشبه بالاحجيات التي لا يفككها غير الضليعين في فقه الخصخصة القومية والتذرر سواء كان اثنيا او طائفيا او وفق افرازات الايديولوجيا العمياء. من هو اللاجئ الان؟ ومن هو العالق بالجغرافيا والمعروض للاغاثة؟. هل هو الفلسطيني فقط ام ذووه الذين وعدوه بالتحرير والعود؟. هكذا استطاع فقهاء الظلام وسدنة التهجير ان يغيروا كل تفاصيل حصة الجغرافيا اضافة الى تزوير التاريخ ولعل جيلنا على الاقل يتذكر ذلك السؤال التقليدي في المدرسة وهو سافر على الورق من حيفا الى حلب او من اللد الى البصرة. بالطبع حذف هذا السؤال من مناهج الدراسة العربية لانه محرج ويشعر المدرس والتلميذ معا بالخجل. فالزمن القومي الجديد والمخترع من انابيب العولمة هو زمن الحواجز واشهار الهويات الصغرى والفرعية التي تتغذى كالاعشاب السامة على الهوية الام. ما جرى وسوف يجري يحجبه التواطؤ، والتجهيل المبرمج والسوق السوداء التي تعج بسماسرة السلاح والدم والاطفال. وحين كتب الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي قصيدته الشهيرة من سجنه قائلا ان العرب كلهم فلسطينيون ترك الباب مفتوحا للتأويل.

فهل هم فلسطينيون بالقلب والوجدان الى ان يحرروا فلسطين من غزاتها؟. ام انهم على موعد مع اللجوء والخيام خصوصا وان اللجوء لم يعد حكرا على الجغرافيا فالتاريخ له مشردوه والعالقون به ايضا!.

المصدر: جريدة الدستور الأردنية