مخيّم عين الحلوة تحت المجهر.. فهل
هناك مخطط جديد للفتنة؟
بسام غنوم
فيما تعيش الساحة السياسية حالة من
الاسترخاء السياسي، بعد الأجواء الإيجابية التي أثارتها الدعوة إلى الحوار بين
«تيار المستقبل» و«حزب الله»، والتي تعززت بعد المقابلة التفزيونية للرئيس سعد
الحريري، الذي أكد فيها ترحيبه بالحوار مع «حزب الله» من أجل المصلحة الوطنية، وأن
«من أهم وظائف الحوار احتواء الاحتقان السنّي-الشيعي»، برز إلى الواجهة مجدداً
موضوع مخيم عين الحلوة، والشائعات المتداولة عبر وسائل الإعلام المختلفة عن فرار
مطلوبين من طرابلس إليه، أبرزهم شادي المولوي، حيث تحوّلت هذه القضية بعد انتهاء
الأحداث في طرابلس الى الشغل الشاغل للجهات الأمنية اللبنانية وبعض الجهات
السياسية التي وجهت كل الأنظار نحو مخيم عين الحلوة، باعتبار أنه أصبح «مأوى
للإرهابيين» الفارين من العدالة. وقد تزامنت هذه التحركات مع أخبار عن قدوم وفد
أمني أوروبي رفيع إلى لبنان لمتابعة الوضع في مخيم عين الحلوة ومعالجته، وهو ما
أثار الكثير من التساؤلات عن طبيعة ما يُعَدّ للمخيم في الفترة المقبلة، سواء من
قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية أو من قبل بعض أجهزة المخابرات الدولية.
فهل ما يجري في مخيم عين الحلوة، أو
بالأحرى ما يشاع عمّا يدور فيه، مقدمة لتجربة جديدة شبيهة بمعركة طرابلس الأخيرة،
وما هي طبيعة التحركات الأمنية الاستخبارية التي تستهدفه؟
عند الحديث عن مخيم عين الحلوة
والوضع الأمني فيه، لا بدّ من الحديث عن الوضع الأمني في صيدا والجنوب، حيث إن
صيدا هي بوابة الجنوب ويمثّل مخيم عين الحلوة بالنسبة إلى الجهات الحزبية والأمنية
التهديد الأبرز والأخطر للوضع الأمني في الجنوب عموماً.
هذه الحيثية كانت دائماً محل قلق
للأجهزة الأمنية اللبنانية، وللقوات الدولية العاملة في الجنوب، وقبل ذلك لـ«حزب
الله»، باعتبار أن مخيم عين الحلوة بيئة حاضنة لـ«الإرهاب والإرهابيين» الذين
يؤيدون قوى المعارضة السورية، وخصوصاً «جبهة النصرة» و«داعش»، ويعارضون قتال «حزب
الله» في سوريا إلى جانب النظام السوري.
لذلك هناك حرص كبير من قبل «حزب
الله» والأجهزة الأمنية اللبنانية على إبقاء الوضع في مخيم عين الحلوة تحت
السيطرة، سواء عبر ملاحقة بعض المطلوبين للأجهزة الأمنية اللبنانية، أو عبر
الشائعات التي تتحرك بين فترة وأخرى عبر بعض وسائل الإعلام، وكذلك عبر ما يسمى
«سرايا المقاومة» في صيدا وتعمير عين الحلوة التي تفتعل إشكالات أمنية بين فترة
وأخرى، وأيضاً عبر عمليات الاعتقال في مدينة صيدا وجوارها بناءً على وشايات من بعض
المخبرين المرتبطين بهذا الفريق أو ذاك.
هذا الجو الأمني الضاغط يقابل دائماً
بتأكيد كل الفصائل الفلسطينية في مخيم عين الحلوة وخصوصاً الجهات الإسلامية انها
حريصة كل الحرص على أمن مدينة صيدا واستقرارها وانها ترفض زجّ مخيم عين الحلوة
بالخلافات اللبنانية-اللبنانية، وانها على استعداد لتسليم أي مطلوب في المخيم
للأجهزة الأمنية اللبنانية. وقد قامت القوى الإسلامية في مخيم عين الحلو بناءً على
معلومات مقدمة من مخابرات الجيش بتفتيش البيوت والأماكن التي قيل ان شادي المولوي
ومن معه موجودون فيها، فلم يُعثَر عليه ولا على الشيخ خالد حبلص وغيرهما في هذه
الأماكن. وقد أكد الشيخ أبو شريف عقل باسم وفد اللجنة الأمنية الفلسطينية في مخيم
عين الحلوة بعد جولة على الفاعليات السياسية في صيدا قائلاً: «لن نسمح لأي كان، من
داخل المخيم، ان يعتدي على الجيش اللبناني ولا على الجوار اللبناني». لكنه رأى أن
هناك إصراراً من «بعض الجهات اللبنانية، ويبدو أن عندها معلومات غير متوافرة
لدينا، ان شادي المولوي دخل الى المخيم».
وهذا الإصرار الأمني والحزبي على أن
شادي المولوي في مخيم عين الحلوة يثير تساؤلات كثيرة عن أسبابه ودوافعه، خصوصاً
بعد الحديث عن وصول وفد أمني أوروبي الى لبنان لمتابعة ومعالجة الوضع في مخيم عين
الحلوة، وهو ما يؤكد أن هناك نيات سيئة مبيتة للوضع في المخيم، وانه يجري العمل
على أمر ما بالتنسيق مع جهات أمنية واستخباراتية محلية ودولية تحت عنوان «مكافحة
الإرهاب».
هذا الوضع يفرض على الفاعليات السياسية
والدينية في صيدا وليس فقط في مخيم عين الحلوة التحرك بسرعة لمواجهة هذا المخطط
المشبوه الذي يعمل عليه بالخفاء من أجل افتعال معركة في صيدا ومخيم عين الحلوة
شبيه بما جرى أخيراً في طرابلس. ولذلك وحتى لا تصل الأمور الى ما لا تحمد عقباه،
على المرجعيات السياسية والدينية ان تقوم بواجبها تجاه أهل المدينة في صيدا.
أولاً: لناحية وقف الاعتقالات العشوائية لبعض
الشباب المسلم في صيدا تحت عنوان «أنصار الأسير»، آخرهم هشام الدنب الذي اعتقل
وأطلق سراحه بعد القول انه من أنصار الأسير وعنده مخزن أسلحة.
ثانياً: منع التعرض لكرامات الناس
واعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية بدون مذكرات قضائية وبناءً على اخباريات أمنية،
حيث دُهم أحد البيوت في منطقة الفيلات بطريقة عشوائية دون مراعاة لحرمة النساء
والأطفال وأهل البيت. وهذه التصرفات إذا كانت مقصودة فإنها تزيد التوتر وتفتح
أبواب الفتنة.
ثالثاً على المرجعيات السياسية
والدينية التحرك لمنع الفتنة في مخيم عين الحلوة وصيدا عبر وضع الأمور في نصابها
سواء مع الجهات السياسية في الحكومة أو عبر قيادة الجيش اللبناني من أجل تفويت
الفرصة على المصطادين في الماء العكر.
باختصار، يمكن القول إن الوضع في
صيدا ومخيم عين الحلوة مقلق، وما لم يتم تدارك الأمور بالتي هي أحسن، فقد يجري
افتعال معركة لأهداف لا تخدم إلا من يريدون الشر للبنان واللبنانيين.
المصدر: جريدة الأمان اللبنانية