مخيم اليرموك: من حصار التجويع إلى التدمير الشامل
فاطمة حوحو
»لك يوم أسود يا مخيم
اليرموك»، هذا ما توعد به قائد الجيش الإسرائيلي أرييل شارون في الثمانينات، لكن النظام
السوري كان أسرع في إبادة المخيم الذي يتعرض اليوم لهجوم كبير وقصف يومي منذ حوالي
8 أيام، وكان المخيم تعرض عام 2015 لحصار تجويعي خرج بعده سكانه الفلسطينيون والسوريون
بصعوبة، ثم جرى تسليمه للمجموعات الإرهابية مثل «داعش» والنصرة التي يقاتلها النظام
معتمدا على الدعم الروسي، وأدى هذا الوضع إلى ارتفاع صرخة مرجعيات فلسطينية، تطالب
بوقف الهجمات على المخيم بعد تهجير 200 ألف فلسطيني من سكانه، وها هو اليوم يتعرض للتدمير
بشكل مدروس وممنهج، لمنعهم من العودة إليه بشكل نهائي.
الشتات الفلسطيني
وصف المخيم الواقع في جنوب دمشق بعاصمة الشتات الفلسطيني،
وكان القلب النابض للفلسطينيين في سورية، وحسب الإحصاءات لم يبق هناك سوى 3000 مدني
من بين المليون الذين كانوا يسكنون هناك، ربعهم من اللاجئين الفلسطينيين، والبقية من
مواطنين سوريين.
والمعروف أن النظام السوري يضغط عسكريا في منطقة
في جنوب دمشق، غير عابئ بالمدنيين أو بحجم الدمار الذي يخلفه قصف الطائرات، وسط أوضاع
صعبة يعيشها من تبقى هناك نتيجة انقطاع وسائل الحياة، من مياه وكهرباء وتضرر المستشفى
الوحيد وهو مشفى فلسطين، والتجويع الناتج عن الحصار المعيشي وعدم وجود فرق إغاثة.
وحسب المعلومات، فان العائلات المحاصرة تعيش في
أقبية دون مواد غذائية، وسط استمرار الاشتباكات على أطراف المخيم بين تنظيم «داعش»
الإرهابي وقوات النظام السوري.
تهجير المدنيين
أوضح الناشط وليد الآغا لـ«الوطن»، وهو مقيم جنوب
العاصمة دمشق، أن حزب الله الذي يتخذ من موقع السيدة زينب قاعدة له والميليشيات الشيعة
حتى الآن، لم يشاركوا في المعركة بسبب تحديد دورهم من الروسيين الذين يديرون المعركة
هناك، ولكن ربما يتم الزج بهم بعد عجز قوات النظام عن تحقيق أي تقدم ميداني في مناطق
سيطرة «داعش».
قال الآغا «تهجير المدنيين حاصل حتى قبل المعركة
الأخيرة، فمعظم سكان هذه المناطق (الحجر الأسود، مخيم اليرموك، التضامن، العسالي، القدم)
كانوا نزحوا عن مناطق باتجاه البلدات المجاورة أو خارج جنوب دمشق كُلياً، وفي حال سيطرة
النظام عليها أعتقد أنه لن يسمح بعودة أهلها إليها على الأقل فترة طويلة، متذرعا بالدمار
الكبير كما الحال في المناطق التي سيطر عليها في جنوب دمشق في أواخر عام 2013 وداريا
في 2016«.
أهمية إستراتيجية
أفيد أن أكثر من 300 غارة وقعت على المخيم خلال
الـ3 أيام الأخيرة استهدفت مواقع تنظيم «داعش»، و«هيئة تحرير الشام».
ويعدّ «اليرموك» أحد أكبر المخيمات الفلسطينية في
سورية، وأنشئ عام 1957 على مساحة تقدر بـ2.11 كلم مربع، لتوفير الإقامة والمسكن للفلسطينيين
بعد النكبة.
ورغم أنه غير رسمي، حسب تصنيف «الأونروا»، له رمزية
كبيرة قياسا بالمخيمات الأخرى.
ويكتسب المخيم أهمية إستراتيجية خلال موقعه الجغرافي،
فيحده شمالا حيي الميدان والشاغور، ومن الشرق يشرف على امتداده حي التضامن، ومن الجنوب
الحجر الأسود، وحي القدم غربا.
وغالبية بيوته من المساكن الأسمنتية، تربطها الشوارع
الضيقة، ولا يقتصر سكانه على اللاجئين الفلسطينيين فقط، بل يضم عددا كبيرا من السوريين
المدرجين في الطبقة المتوسطة أو الفقيرة.
وقد تحول المخيم في السنوات الأولى للثورة السورية
إلى ملجأ لكثير من أهالي ريف دمشق، خاصة مدن ببيلا ويلدا وأحياء التضامن والحجر الأسود
والقدم والعسالي.
الميليشيات الفلسطينية
في ديسمبر 2012، بدأت قوات الأسد حملة عسكرية عليه،
بعد تقدم فصائل المعارضة من الأحياء الجنوبية في دمشق. ورافق ذلك قصف من الطيران الحربي
استهدف النازحين من الأحياء المجاورة، مما أدى إلى سقوط ضحايا وجرحى.
ولم تتوقف الضربات الجوية منذ 2012، وتعاونت قوات
الأسد وقوات فلسطينية تابعة لأحمد جبريل الموالي للنظام على قصف المخيم بالصواريخ والبراميل
المتفجرة، وصولا إلى فرض حصار كامل عليه، في يونيو 2013 وحتى اليوم.
وفي بداية أبريل 2015، نجح تنظيم «داعش» في اقتحام
المخيم على مرأى ميليشيات النظام، وسيطر على أجزاء كبيرة منه تبلغ اليوم 70 %، بينما
تسيطر«هيئة تحرير الشام» على مساحة منه تقدر بـ10 %، والنسبة المتبقية ضمن نفوذ الميليشيات
الفلسطينية المساندة لقوات الأسد.
داعش والنصرة
أشار الآغا إلى أن «داعش» يسيطر على معظم أجزاء
مخيم اليرموك منذ عام 2015، وذلك بتحالف مع «هيئة تحرير الشام» النصرة سابقا، حينها
أدى إلى طرد فصيل أكناف بيت المقدس الفلسطيني المعارض للنظام من المخيم، لكن التحالف
بين «داعش» والنصرة تحوّل إلى صدام بعدها ومعارك أدت إلى انحسار عشرات العناصر من النصرة
في منطقة صغيرة شمال غرب المخيم «الريجة«.
وعدّ أنه «بعد المعركة التي تشير معطياتها حتى الآن
أنها ستطول، سيتم إنهاء ملف البلدات المجاورة «ببيلا، يلدا، بيت سحم» الخاضعة لسيطرة
فصائل المعارضة، وبالتالي تأمين محيط دمشق بشكل كامل بالنسبة للنظام للمرة الأولى منذ
2012«.