يوسف نعنع
شاتيلا هي الذكرى المؤلمة التي تعيدنا عند سماعها
إلى أبشع مجزرة ...
كأنه كُتب على أهالي هذا المخيم العيش في حالة رعب
دائم. لم يكفهم الوضع الاقتصادي الصعب، وأزمة البطالة الخانقة، ومنعهم كفلسطينيين من
ممارسة كثير من فرص العمل بسبب قانون جائر بحجة التعامل بالمثل، وكذلك منعهم من امتلاك
مسكن يأويهم أسوة بأي مواطن مقيم على أرض لبنان؛ فها هو الكورونا، الوباء، الذي يجتاح
العالم، ينوء بكل ثقله فوق أكتافهم.
الاحتياطات الصحية والإجراءات الوقائية اللازمة
شبه معدومة؛ فالحجر المنزلي لا يلتزم به إلاّ القليل، ولا يتجاوز العدد الـ 10% من
سكانه. المحلات التجارية والمقاهي وأندية الإنترنت والمطاعم تفتح أبوابها كالعادة؛
الأولاد يملأون الأزقة والشوارع على الرغم من التحذيرات المتكررة، والإرشادات الصحية
والوقائية وحملات التعقيم التي تقوم بها بعض الهيئات الأهلية العاملة في المخيم، عدا
عن نشاط بعض الأفراد، وذلك في ظل غياب تام للقوى الأمنية للفصائل الفلسطينية واللجان
الشعبية. ومما يثير الحزن والأسى أنه عندما تبرعت بلدية الغبيري بمضختين لرش مواد التعقيم،
تنازع تحالف القوى والفصائل الفلسطينية فيما بينهما على هاتين المضختين وتحاصصا واحدة
لكل منهما.
وكل هذا يجري في غياب تام للأونروا وعدم قيامها
بدورها الخدماتي، وعدم وضعها خطة طوارئ للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وللفلسطينيين
الذين لجأوا إلى مخيمات لبنان بعد نزوحهم من سورية، حتى إنها لم تقدم أي وسيلة للوقاية:
كمامات، وقفازات ومواد تعقيم للمخيم. لم تقدم شيئاً، متخلية بذلك عن مهمتها الأساسية
التي قامت من أجلها، بل أكثر من ذلك، فقد أعلنت تقليص خدماتها، وتخفيض ساعات عملها
في ظل الوضع المستجد بدلا من وضع خطة للطوارىء. وبالأمس قامت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني
بتجهيز غرفة لإجراء فحص الـ PCR للأشخاص
الذين تظهر عليهم عوارض وباء الكورونا عند بوابة مستشفى الهمشري القريب من مخيم عين
الحلوة، ومن تثبت إصابته يتم تحويله إلى مستشفى بيروت الحكومي، ولا يزال الطاقم الطبي
الموجود في هذا الموقع يخضع للتدريب على إجراء هذا النوع من الاختبارات، أي أنه لم
يمارس مهمته حتى الآن.
منذ اليوم الأول لانتشار الوباء، حاول بعض المؤسسات
الأهلية وعدد من الأفراد في مخيم شاتيلا ومنطقة صبرا وضع خطة طوارئ، فتوجهوا إلى المدارس
والروضات التابعة للأونروا في المنطقة، التي كانت حينها في حالة دوام عادي، وبدأوا
باستخدام الأجهزة المتطورة لقياس الحرارة عن بعد "اللايزر"، وهي المرة الأولى
التي تُستخدم فيها هذه الآلة، كما قاموا بحملة تعقيم عامة داخل المخيم وعلى أبوابه.
كذلك قامت هذه الهيئات ومنها: جمعية الشفاء، وأحلام لاجىء، ومساواة، وآمنون، وبسمة
وزيتونة وغيرها، بحملة إرشادات وتوعية عبر بعض الملصقات والجولات الميدانية على المحلات
التجارية والمنازل، وعبر مكبرات الصوت للتنبيه إلى مخاطر وباء الكورونا وسبل الوقاية
منه. كل ذلك في ظل غياب تام للأونروا، كما لسفارة فلسطين أيضاً، وخصوصاً لمسؤول اللجان
الشعبية الذي ظهر على قناة فلسطين في مقابلة أُجريت معه في منطقة "سبينيس" (spinneys)، وأطلق تصريحاً مدوياً: "نحن اتخذنا احتياطاتنا
ولدينا خطة عمل"، وقد سخر من تصريحه العناصر التابعون له في اللجان الشعبية لأن
كلامه عار من الصحة.
وعلى صعيد الإغاثة الاجتماعية، فإن المواد الغذائية
التي يتم جمعها تأتي كتبرعات من أصحاب المحلات التجارية، ومحلات وبسطات الخضروات واللحامين،
ويتم توضيبها حصصاً توزع بكميات متواضعة لا تكفي حاجة السكان، وخصوصاً بعد توقف العمل
حتى بالنسبة إلى المياومين بسبب إعلان التعبئة العامة والحد من التجمعات. أمّا فيما
يتعلق بالأوضاع الصحية والطبية، ولا سيما الأدوية، فإن تأمين ما يمكن منها يأتي بواسطة
تبرع بعض الصيدليات العاملة في المخيم، أو عبر بعض الأطباء الذين يقدمون بعض النماذج
الطبية المجانية، ومن بقايا أدوية لدى بعض الأهالي الذين توقفوا عن استعمالها، فيقوم
بتصنيفها صيادلة متطوعون، بعد التأكد من تاريخ صلاحيتها، ويتم توزيعها بحسب حاجة المرضى
إليها. وهذا بالتأكيد لا يشمل أدوية مرضى السرطان والأمراض المزمنة. إنها مسؤولية صعبة،
ولا يمكن لأي جمعية أو مؤسسة مهما علا شأنها القيام بها، وتأمين كل ما يحتاج إليه الأهالي؛
إنها مهمة تحتاج إلى مرجعية كبيرة كالأمم المتحدة/الأونروا والمرجعية الفلسطينية.
جمعية الشفاء للخدمات الطبية والإنسانية، وهي إحدى
الجمعيات العاملة في المخيم، لديها فريق طوارئ على مدار 24 ساعة وذلك قبل تفشي وباء
الكورونا، ولديها سيارتا إسعاف، كما أنها جهزت براداً لحفظ جثث الموتى. وهناك حوار
قائم بين الجمعيات العاملة في المخيم من جهة، وأطباء بلا حدود من جهة أُخرى، لتحسين
سير العمل ولتطوير خطة عمل تمكنهم من تجاوز غياب دور الأونروا والمرجعية الفلسطينية.
أمّا فيما يتعلق بمشكلة الوافدين إلى المخيم، والذين
باتوا يشكلون أكثر من نصف سكانه الأصليين، فيؤكد العاملون في المؤسسات والجمعيات أن
حرصهم على عدم تفشي الوباء، الذي لن يوفر أحداً منهم أو من أفراد عائلاتهم، يجعلهم
يتخوفون ممن لا يلتزمون الحجر المنزلي، والذين يتوجهون إلى عملهم خارج المخيم في ورش
البناء وغيرها، فيغلقون الأبواب على أنفسهم ويعملون. ويرجع أعضاء الجمعيات خوفهم هذا
إلى أن هؤلاء يمثلون خطراً كبيراً بسبب احتكاكهم بالخارج واحتمال نقلهم الوباء إلى
داخل المخيم، حيث الكثافة السكانية العالية، وأنهم على متابعة دائمة لمعظم هؤلاء، لكنهم
- كما يقولون- لا يستطيعون القيام بهذه المهمة الصعبة بشكل كاف، وأن هناك إهمالاً في
هذا المجال. لكن لحسن الحظ وبفضل العناية الإلهية، لم تُسجل حتى الآن أية حالة في المخيم،
الذي لا سمح الله، إن حدث ذلك فسيُصاب حينها المخيم بكارثة إنسانية كبرى.
يوسف نعنع: من فريق عمل مكتبة مؤسسة الدراسات الفلسطينية
في بيروت