مخيم عين الحلوة .. الشعب مطالب بالتحرك للجم المتقاتلين
بقلم: نضال حمد
مخيم عين الحلوة المعروف بعاصمة الشتات الفلسطيني وبمخزن الثورة ومصنع الشهادة ومنبر العمل الثوري الفلسطيني ، والذي يقطنه أكثر من 70 ألف نسمة توزعوا على أقل من 2كلم هي مساحة المخيم منذ تأسيسه بعد النكبة الفلسطينية الكبرى سنة 1948 . مساحة المخيم لم تزد ، مما جعل البناء في المخيم وإن كان ببطء نتيجة التعقيدات الرسمية اللبنانية، يتصاعد عامودياً.
هذا المخيم الذي صان الثورة الفلسطينية ودافع عن منظمة التحرير الفلسطينية وقرارها المستقل - قبل أن يصبح في جيب الدول المانحة-، وحاصر حصاره سنة 1982 ولقن الاحتلال الصهيوني دروساً في المقاومة الشعبية. كما كان مركز المواجهة مع الدبابات الصهيونية الغازية على أبواب مسجد الشهداء في حي الصفصاف ، حيث تحولت الدبابات أرانب ، وحيث تطايرت رؤوس الجنود الصهاينة وأبراج دباباتهم بفعل المقاومين من أبناء المخيم. يوم أمس تعرض مسجد الشهداء او مسجد الصفصاف لوابل من القذائف الصاروخية الفتحاوية ولصليات كثيرة من الرشاشات التي كانت تطلق رصاصها بهمجية وبغريزة انتقامية ثأرية.وكأن المسجد هو مقر وزارة الدفاع الصهيونية. ترى أين كان هؤلاء المتصارعين يوم صمد المخيم وقاوم وانتصر واستطاع طرد الاحتلال وأعوانه ، ورد جماعات جعجع وسعد حداد ومن ثم محاولات حركة أمل للتحرش به أثناء حرب المخيمات.
فمخيم عين الحلوة لم يبخل على أشقائه في المخيمات الأخرى ، وسرعان ما هب لنجدة مخيمات بيروت والجنوب يوم كانت تتعرض لمذبحة عل أيدي مقاتلي حركة أمل. إذ سرعان ما سيطر مقاتلو المخيم على مواقع أمل الحصينة شرق المخيم وبالذات في بلدة مغدوشة الجبلية التي تقع على مرتفع يسيطر على المخيم. في تلك المعارك المؤسفة والتي فرضت على الفلسطيني استشهد بعض من خيرة شباب المخيم. أما اليوم وفي الاشتباكات التي لا تقل خطورة عن تلك التي شهدتها المخيمات سابقا ، تضع جماعات مسلحة تابعة لبعض الجماعات الإسلامية ولحركة فتح المخيم رهينة لإفلاسها السياسي والأخلاقي ولصراعاتها الثأرية والانتقامية. فإلى متى سيستمر هذا الأمر المؤسف و المخجل و الخطير؟ وهل سيخرج من بين أهل المخيم صوتا ينادي بالناس كي يهبوا الى الطرقات والأزقة منادين برفض وجود أي متقاتل ومتصارع على أرض عين الحلوة. لقد آن الأوان ليقول السكان في المخيم رأيهم بهؤلاء المتصارعين والمتقاتلين. خاصة ان تطور الأحداث في عين الحلوة مؤخرا يعيد ذاكرتنا الى تطورها في مخيم نهر البارد قبل ان تحل الكارثة الكبرى. ونحن على يقين أن هناك أطرافا عديدة تعد العدة لتدمير قلعة وعاصمة الشتات.
قبل نحو شهرين زرت مخيم عين الحلوة وخلال فترة وجودي هناك تم وضع قنابل ومتفجرات في المخيم كانت أقواها التي استهدفت سوق الخضار وأسفرت عن جرح ما لا يقل عن عشرة أشخاص منهم مجموعة من الأطفال وبعض الشباب المحسوبين على الإسلاميين. ترافقت التفجيرات مع إصدار بيانات من قبل مجموعة جديدة على الساحة مازالت غير معروفة ولم يسمع بها سكان المخيم من قبل. المجموعة أطلقت على نفسها " أنصار الإسلام". وهذا الاسم ينقلنا فورا الى القاعدة حيث كانت هناك مجموعة كردية تحمل نفس الاسم وتتبع تنظيم القاعدة. في بيانها تعهدت أنصار الإسلام بمكافحة الفسق والدعارة والمخدرات وبملاحقة العملاء في المخيم. لم تمض أيام قليلة على البيان الأول حتى بدأت التفجيرات تعصف بعين الحلوة. فهل هي الصدفة وحدها أم أن هناك أيضا من تدخل على خط البيانات وقام بوضع المتفجرات وزرع القنابل من أجل التصعيد وإلصاق التهمة بما يسمى أنصار الإسلام؟ من يدري قد يكون نفس هذا التنظيم من صنع جهات أو مخابرات خارجية يهمها إشعال فتيل الحرب بين أهالي المخيم وجماعاته الإسلامية والأخرى الفتحاوية.
منذ عدة أيام يشهد المخيم عمليات اغتيال وإلقاء قنابل ووضع عبوات ناسفة أدت الى جرح ومقتل بعض الأشخاص آخرهم مرافقان للينو احد قادة فتح في المخيم وشخص ثالث من مجموعة جند الشام الإسلامية المتشددة. معروف للجميع أن العداء بين هاتين المجموعتين محكم جدا. وقد يكون الاغتيال تبادلي رأس برأس وشخص بشخص ، وبنفس الوقت تحدي بين الطرفين وعرض عضلات واستعراض للقوة قبل المواجهة الشاملة. وقد يكون أيضا هناك جهات أخرى مجهولة تمارس الإرهاب على سكان المخيم وتريد توريط الطرفين في معركة مفتوحة لا تعرف ولا تحمد عقباها. فاشتباكات يوم الأحد 18-12-2011 أسفرت عن قتيل و16 جريحا وعن استخدام للرشاشات والقذائف الصاروخية وعن ظهور محاور قتال ثابتة في المخيم وموزعة حسب تواجد الإسلاميين والفتحاويين. ولم تفلح وساطات لجنة المتابعة المؤلفة من الفصائل والتنظيمات الفلسطينية بما فيها الإسلامية من وقف التدهور الذي حصل واشتد ليل الأحد. وهذا يدل على هشاشة وضعف هذه اللجنة بالرغم من أنها تجمع كل الأطياف السياسية الفلسطينية.
مشكلة مخيم عين الحلوة بحسب بعض سكانه تكمن في وجود هؤلاء المتقاتلين والمتصارعين ، فقد حدثتني قبل أيام امرأة فلسطينية من المخيم أنه حدث إطلاق نار في المخيم وكانت الألسنة تتناقل نبأ اشتباك في المخيم. وفر بعض السكان وبعض زوار المخيم مذعورين ، وعندما وصلت هذه المرأة ومن معها الى حدود منطقة حاجز الجيش في حي التعمير حيث معقل عناصر جند الشام ، كان الشارع يعج بالناس وبالصراخ وبضجيج أبواق السيارات.حينها خرج أحد عتاريس جند الشام محتجا وقال للناس الآن سوف أريكم كيف نخلص من هذه الفوضى ونفتح الطريق، وسحب رشاشه وبدأ إطلاق الرصاص في الهواء مما اثار هلع الناس. وعلى الجهة المقابلة فأن مرافق اللينو المدعو مازن أو عامر فستق الذي اغتيل يوم أمس الأحد على ما يبدو من قبل جند الشام ردا على قيام مجموعة اللينو باغتيال احد أفراد جند الشام. كان قبل وفاته يقوم بابتزاز وإرهاب الناس في سوق الخضار وبإطلاق الرصاص بالهواء وبالاعتداء على بعض المارة خاصة من الشباب مما تسبب بجرح بعضهم. ولا يخفي كثير من سكان المخيم كراهيتهم للطرفين وإن كان بتفاوت.
يأتي ذلك مع تشديد وخناق تمارسه حواجز ووحدات الجيش اللبناني المنتشرة حول المخيم والتي تحاصره من كل الجهات وتسد منافذه في وجه المركبات والمشاة. ويقيم الجيش حواجز ومواقع عسكرية عديدة حول المخيم وعند كافة مداخله الكبيرة والصغيرة. ويمنع أي كان من دخول المخيم بدون إذن من المخابرات العسكرية اللبنانية، باستثناء سكان المخيمات الفلسطينية في لبنان ، الذين عليهم إبراز بطاقاتهم الشخصية قبل السماح لهم بالدخول الى المخيم.
بالرغم من عشرين سنة حصار لمخيم عين الحلوة وتشديد في التفتيش والتدقيق في البطاقات إلا ان هذا الجيش الذي استضاف الغزاة الصهاينة في ثكنته بمرجعيون أثناء عدوان 2006 وقدم لهم ضباطه وجنوده الشاي والقهوة والماء البارد ، لا يريد أن يغير من سياسته اتجاه الفلسطينيين من سكان المخيم. إذ هناك آلاف المطلوبين داخل المخيم والمحاصرين أو المسجونين فيه منذ سنوات عديدة ولا تفكر الدولة بحل لقضاياهم، مع أنها مشغولة هي وبرلمانها منذ شهور عديدة بإيجاد مخرج يعيد عملاء الاحتلال الصهيوني ، وعناصر جيش العميل لحد من اللبنانيين وهم بالآلاف الى لبنان ، دون محاكمة ،ودونما محاسبة على عمالتهم وخيانتهم لشعبهم ولوطنهم. وهناك من هؤلاء من قتل ومارس الإرهاب والتعذيب والترويع وشارك في مجازر عديدة كما مجزرة صبرا وشاتيلا.
ومن مصائب وعجائب وغرائب حواجز الجيش اللبناني على مداخل مخيم عين الحلوة عدم استيعاب الجيش أو تعمده معاملة أصحاب الأسماء المتشابهة معاملة حقيرة ومهينة. هناك عدد من المطلوبين تشابهت أسماءهم مع أسماء آخرين غير مطلوبين. وهؤلاء غير المطلوبين يتم اعتقالهم كلما استبدل الجيش وحداته القديمة المرابطة حول المخيم بوحدات جديدة. وكأن التطور لم يصل بعد الى مؤسسة الجيش التي تستخدم الحواسيب والمعدات الحديثة. هذه المعاملة بالإضافة لمحاولة الجيش ومخابراته توريط بعض الفلسطينيين ، والطلب منهم العمل لحساب المخابرات اللبنانية جعل من بعض الناس مطلوبين فقط لأنهم رفضوا أن يتحولوا لمخبرين وعملاء ضد شعبهم وأهلهم كما فعل عملاء جيش لحد.
إن أي تغيير ايجابي في تعامل السلطات اللبنانية وجيشها وقوى أمنها وحواجزها مع سكان عين الحلوة والمخيمات الأخرى لا بد سينعكس إيجابا على أوضاع المخيم وعلى أوضاع الجوار. لكن هذا التغيير بحاجة لضوء اخضر من برلمان لا يمكنه القيام بذلك لأنه برلمان عنصري ومعادي في تعاطيه مع الموضوع الفلسطيني. ومن ناحية أخرى مطلوب من حركة فتح ورئيسها محمود عباس لجم تهور واندفاع عناصر الحركة وتغيير عقليتهم الانتقامية والثأرية فيما يخص تعاملهم مع الغير وبالذات مع الحالة الإسلامية في المخيم. أما جند الشام والذين لا يتجاوز عددهم عشرات العناصر في أحسن الأحوال. هؤلاء مطلوب من عصبة الأنصار والحالة الإسلامية في عين الحلوة لجمهم وتشديد المراقبة عليهم وإلزامهم بالهدوء أو رفع الغطاء عنهم. وفي الختام يبقى المخيم وامن سكانه وحياتهم أهم من فتح وجند الشام معاً. وإن لم يتحرك سكان المخيم للجم الطرفين فإن مصير مخيم عين الحلوة قد يكون نفس مصير مخيم نهر البارد وهذا ما تتمناه كل القوى المعادية للشعب الفلسطيني
موقع الصفصاف الالكتروني