مخيم
وشعب في قصص امرأة وحيدة
جنى
نخال
تجري
في مخيّم برج البراجنة أعمال لإنتاج فيلم يصوّر قصّة بيوغرافية، تتمدّد لتتناول
أوضاع مخيّم بأكمله، وقضية لجوء. تبدأ قصة الفيلم (للمخرج فادي دباجة ومساعدة
المخرج ساندي شمعون وكتابة عبد العوجي) عند أم فادي. وتنمو القصّة وتنسج نفسها
حولها. وأم فادي امرأة فلسطينية تعيش في المخيّم، ترمّلت.. فتعاونت أختها وأخت
زوجها وعمّاتها على إلباسها الأسود.. حتى مماتها.
«هناك
أمر يربطني بهذا المخيم بالذات»، يقول دباجة. يضيف: «وهو أميّ. تعرّفت الى الناس
والحياة وما يربطني بالحياة منها وعبرها، في هذا المخيم». وقد نشأ دباجة في المخيم
وحيدا مع أمّه، وقد تزوّج إخوته وغادروا المنزل. فنمت علاقة صداقة بينه وبين أمّه.
روت له قصصها، فأصبح ابن الثامنة عشرة «دفتر ذكريات» المرأة المتّشحة بالسواد. «أمّي
بقيت أربع سنين تلبس أسود في البيت، لأن المجتمع يفرض ذلك، وعيب ما بيصير. من هنا
طلعت القصة».
يبدأ
دباجة قصّة شعب ومخيّم.. من أمّه. القصّة شخصية، لكنّها لا تدور في فلك نفسها، لا
تموت في ذاتيّتها وحدودها، بل تنمو لتصبح قضية الآخرين، وتصبح قصّة بدلاً من أن
تكون ما يمكن أن يُسمّى خواطر ومشاكل نفسية. ومن هنا أهمّيتها، وأهمية انتمائها
إلى المخيم ونموها فيه.
نرى
هذا في اختيار المكان - البيت الذي تصوّر فيه القصة.. ينسج دباجة من قصة أمّه قصّة
بطلة شابة، وعلاقاتها بالنسوة في حياتها. بعد المشي في الزقاق المظلم ينفتح باب
صغير يُفضي إلى الدار. بيت صغير يدخله ضوء خجول، تفتح غرفه على بعضها أو تغلق بحسب
انكماش الشخصية وانفتاحها.. البيت يمتدّ أمامك وقصصه أيضا. ينفصل فيه الخاص عن
العام بضرورة الحرام والحلال، وتكسر حدودهما في غرفتها والتلاعب بالشفافية بين
المساحات.
«أسمّي
ما أفعله تجربة»، يقول المخرج الشاب، «هو عمل غير نهائي، لأنني أشعر بأنني أعيش مع
عملي وأتغيّر معه، كتجربة شخصية».
وما
يزيد هذا العمل التصاقاً بناسه وهمومهم هو تواصل العاملين فيه مع أهل المخيم. فأحد
أهم مركّبات العمل هو إقامة عدد من ورش العمل صفوفاً مسرحية في مخيمات برج
البراجنة وشاتيلا والبص (في منطقة صور) وغيرها. «الناس من المخيم موجودون في القصة
يشتغلون معنا في التحضير والتمثيل والتصوير. حتى الصفوف التي ننظمها يقدّمها
مخرجون من المخيم».
يعتبر
دباجة أن ما ينتجه ليس العمل النهائي، فالعملية التي تبدأ من الفكرة التي تحرّر
صانعها من ماضيه إلى تبلورها وتغيّرها عبر تجارب الآخرين، تنتهي حتما بحسب ما تعطي
المجتمع الذي تخلق فيه ويعطيها هو بدوره.
اخترع
المعماري بكمنستر فوللر، في ستينيات القرن الماضي، المنازل القليلة التكلفة
والسهلة الصنع، لتجمع سكان الضواحي والمنبوذين (Charas). وساهم في نقل العمل الفني من النخبوية إلى
الفئات الاجتماعية الفقيرة، إذ علّم الشبان والشابات والأطفال كيف يطوّعون الأدوات
المعقّدة للعلم والفن معاً. وبذلك قدّم مثالاً بسيطاً لمقدرة الفنان أو المثقّف - إذا
ما قرّر أن يعمل مع الناس في أبسط اهتماماتهم وأكبرها. وهذا ما يفعله دباجة وشمعون
والعوجي ورفاقهم في المخيمات.
المصدر:
جريدة السفير اللبنانية