مخيمات الفلسطينيين
في الأردن "جزر معزولة "!
بقلم: د. فطين
البداد
لا يكاد يمر أسبوع
في أي مخيم فلسطيني في الأردن، إلا ويشهد انفلاتا أمنيا قد يكون شجارا أو إغلاق شارع
أو ما شابه، وآخره ما جرى في مخيم البقعة نهاية الأسبوع، عندما تجمع عدد من أصحاب البسطات
وبدأوا بإلقاء الحجارة على دائرة الشؤون الفلسطينية، متهمين إياها بأنها لا تراعي حاجات
أبناء المخيم، وأنها السبب وراء ملاحقتهم في أرزاقهم، وهدم بسطاتهم ومنعهم من البيع
و"طلب الرزق " الأمر الذي تسبب باعتقال عدد من الأشخاص.
وبغض النظر عما
يقول هذا وذاك، فإنه آن الاوان أن توضع قضية المخيمات تحت الضوء، وأن تتم معالجة هذا
الملف بكل حكمة وروية وبالشكل الذي لا يؤثر سياسيا على حق العودة (إن كان هناك من يريد
أن يؤكد على ذلك).
المخيمات، ولمن
لا يريد أن يعترف، تشكل جزرا معزولة عن أرض المملكة الأردنية الهاشمية، رغم أن الأردن
والحكومات الاردنية المتعاقبة لم تأل جهدا في خدمة أهلها بقدر استطاعتها وضمن إمكاناتها
المحدودة، والحكومة نفسها تعترف بأن المخيمات بحاجة إلى مزيد عناية، وهي تتواصل - لهذه
الغاية - مع الأمم المتحدة ووكالة الغوث وغيرهما، ومن أجل ذلك عقدت لجنة فلسطين النيابية
نهاية الأسبوع لقاء مع زير البلديات ووزير التخطيط من أجل الوقوف على مشاكل وحاجات
المخيمات الفلسطينية في الأردن، فلقد بات الأمر يتطلب نفض السجل، ولا ابالغ إذا قلت
وقفة وطنية شاملة:
لقد ضاقت المدارس
بطلبتها، وبات من العسير توفير قطع أراض لبناء مدارس جديدة، ووزارة البلديات معنية
بأمر مثل هذا، وإذا لم يقف الأمر عند المدارس فإنه لا بد لنا من الإعتراف أن تكاتفا
للجهود يجب بذله من أجل الضغط على الأونروا لتزيد من نشاطاتها على الصعد كافة: الصحية
والتعليمة والخدمية، وأن لا تعتبر وزارة البلديات أي مخيم من المخيمات الثلاثة عشر
الموجودة في الأردن خارج سلطتها أو إدارتها كما يحدث الآن، فبإمكان الوزارة تفعيل دورها
بعد انتهاء دوام الاونروا، ولا بأس من أن تعمل دائرة الشؤون الفلسطينية بشكل استثنائي
غير مرتبط ( من حيث الدوام ) مع دوام وزارة الخارجية بعد تحسين موازنتها، من أجل أن
تظل حاضرة مساء، لأن أي مكرهة صحية في أي مخيم لن تقتصر أمراضها على سكان المخيم، بل
ستمتد لكل مواطني البلد، وعليه، فمن مصلحة الجميع أن تنعم المخيمات بخدمات جيدة على
كافة الصعد.
ولقد علمت أن أيا
من مخيمات الأردن لا يوجد فيها لودرلات أو ضاغطة نفايات، فكيف سيتم جمع النفايات من
الازقة والحواري والمدارس، ناهيك أن أحياء بكاملها في المخيمات لا تصلها أيادي عمال
النظافة أصلا، وليس مخيم حطين عن ذلك ببعيد، حيث إن هناك أحياء في هذا المخيم الواقع
بين الرصيفة والزرقاء لا يتبع لأي كان: لا لوزارة البلديات ولا لدائرة الشؤون الفلسطينية
أو غيرها، وتتكدس فيه النفايات بشكل مؤذ وخطر، فهل يجوز لوزارة الصحة الأردنية أن تقول:
إن مسؤولية ذلك تعود على الأونروا أو لجنة تحسين المخيم، أو دائرة الشؤون الفلسطينية،
أو غيرهم؟ وهل سيظل موقف الوزارة كما هو الآن إن انتقل مرض ما من المخيمات إلى المحيط
لا سمح الله؟
وأضرب مثالا آخر
على تهرب الحكومات المتعاقبة من مسؤولياتها ووضعها هذه المسؤوليات على الأونروا والشؤون
الفلسطينية، بما أمر به الملك من حيث السماح لسكان المخيمات ببناء الطابق الثالث، وهو
أمر لا تنفذه دائرة الشؤون الفلسطينية وتضع أمامه العصي بدعاوى شتى، مع علمها أنه لا
مساحات جديدة في أي مخيم، وكان الحل في السابق ببناء الطابق الثاني، ولما ضجت المخيمات
بأهلها مع زيادة عدد السكان، اشتكى الأهالي لجلالته خلال زيارته للمخيمات فأمر بالسماح
ببناء الثالث ولكن الأمر الملكي لم ينفذ، ولم يسأل أحد لماذا، وظل الناس يعيشون كالسردين،
فلا هم مسموح لهم توسيع منازلهم عاموديا، ولا هم مسموح لهم بالتوسع أفقيا، فماذا يفعلون،
وهل يكون صحيحا أن يتكدس ثمانية أو عشرة أنفار في غرفة واحدة؟
هل يصدق أحد أن
مخيما بحجم مخيم البقعة لا يملك " جرافة " مثلا، فكيف سيستقيم الأمر مع معايير
الخدمة والصحة والأمن الإجتماعي؟ وهل يصدق أحد أن مصابيح الأعمدة التي تحترق في شوارع
المخيمات لا بديل لها، وأن وزارة البلديات ليس من اختصاصها إعادة إنارة عشرات الأزقة
والشوارع المطفأة؟.
ولكي لا أتهم بالمبالغة،
فإني أضرب مثالا بموازنة دائرة الشؤون الفلسطينية التي هي الجهة الرسمية المسؤولة عن
مخيمات الفلسطينيين في الأردن، فهل من المعقول أن تكون الموازنة السنوية لهذه الدائرة
مليون دينار فقط، دون أن ننسى أن 90 % من هذا المبلغ المضحك تذهب كرواتب، فكيف ستقدم
هذه الدائرة الهامة خدماتها للناس وهي خاوية الجيوب؟
وإذا أضفت لما
سبق شيئا لا يعرفه كثيرون، فإن الأمر سيلخص الحالة، وهو أن أراضي المخيمات في الأردن
أنشئ بعضها على أملاك خاصة لافراد، ومن أجل ذلك فإن هناك قضايا في المحاكم تطالب باسترجاع
الأرض التي بني عليها مخيم ما، وهو ما ينبئ بأن كل ما يتعلق بالمخيمات في الأردن يتم
معالجته خبط عشواء.
ألم أقل لكم إن
مخيمات الأردن جزر معزولة؟؟
المصدر: المدينة نيوز