القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

مرابطات الأقصى.. مقاومة لا يكسرها الإبعاد

مرابطات الأقصى.. مقاومة لا يكسرها الإبعاد


بقلم : هنادي قواسمي

"كله لأجل الأقصى يهون"، قالت الشّابة الفلسطينية عبير عودة (27 عاماً)، وهي تروي لـ"العربي الجديد"، ما جرى معها أثناء اعتقالها والاعتداء عليها من شرطة الاحتلال نهاية الشهر الماضي.

بعد أدائها صلاة الظهر في المسجد الأقصى، وقفت عبير عودة على أحد أبوابه تطلب من شرطي الاحتلال استرداد بطاقة هويتها التي سلّمتها عند الدخول، كما تشترط الشرطة. لكنها فوجئت بعناصر شرطة الاحتلال يحاصرونها، فيما قام أحدهم بدفعها من الخلف نحو الحواجز الحديدية، وهكذا وجدت نفسها معتقلة، والسبب: "الاشتباه بأنها ضربت شرطيّاً وقامت بالتكبير أمام المستوطنين".

اقتيدت عبير عودة إلى مركز شرطة الاحتلال المسمى "بيت إلياهو"، في حي باب السّلسلة غرب المسجد الأقصى. وما أن أغلق الباب عليها، حتى بدأت تصرخ مستغيثةً، فوصلت استغاثتها إلى مسامع إحدى صديقاتها خارج مركز التوقيف الإسرائيلي.

تعرضت عبير للضرب العنيف من 5 عناصر من شرطة الاحتلال. انهالوا عليها جميعاً بالضرب بأيديهم وأرجلهم في مختلف أنحاء جسدها.

"خرجت من الاعتقال ولدي رضوض في قدميّ وفي جبيني، وآثار ضرب على خدي"، تقول عبير. وهي لا تزال حتى اليوم تعاني من مضاعفات صحيّة في جسمها من أثر هذا الاعتداء. "في كلّ مرة أسمع عن سيدة تعتقل أبكي، لأنني أتخيل فوراً أنها تتعرض لما تعرضت له من اعتداء وحشي"، تضيف عبير.

أُفرج عن الشابة العشرينية لاحقاً بقرار من المحكمة الإسرائيلية بإبعادها عن الأقصى لمدة 30 يوماً.

23 "إبعاداً" خلال يناير

ليست عبير عودة وحدها من المرابطات المبعدات، فقد انضم إليها فلسطينيات أخريات مصرّات على التواجد في المسجد الأقصى وترفضن اقتحامات المستوطنين. وقد اعتقلت قوات الاحتلال خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي وحده 25 سيدة وفتاة فلسطينية من القدس المحتلة، من بينهن 23 اعتقلن من المسجد الأقصى المبارك أو حين الخروج منه، ووجهت إليهن تهم تتعلق بالتكبير والتصدي للمستوطنين المقتحمين.

وقد صدرت أوامر إبعاد عن المسجد الأقصى في حق 23 سيدة لمدد تتراوح ما بين 15 يوماً إلى 30 يوماً، من بينهن قاصرتان تتعلمان في المدرسة الثانوية الشرعية الموجود مقرها داخل المسجد الأقصى، إذ سُمح لهما فقط بالتواجد داخل مبنى المدرسة، على أن يغادروا المكان فور انتهاء الدوام مباشرة، وذلك لأسبوعين. بالإضافة إلى الطفلة حور عابدين (14 عاماً) وهي أصغر المبعدات عمراً، وأبعِدَتْ لـ 15 يوماً.

إضافة إلى المبعدات 23، هناك على الأقل 4 فلسطينيات مبعدات عن المسجد الأقصى لـ3 شهور، تنتهي مدة إبعادهن في نهاية شهر فبراير/شباط أو بداية مارس/آذار. مع ذلك لا تُثني قرارات الإبعاد الطويلة المرابطات الفلسطينيات عن "أقل الإيمان"، وهو المرابطة على أبواب المسجد الأقصى، في أقرب نقطة له قبل أن توقفهن الحواجز الحديدية لشرطة الاحتلال.

هنادي الحلواني، لطيفة عبد اللطيف، دلال الهشلمون، وزينة عمرو، وغيرهن، أُبعِدن لـ3 شهور، ولا يمنعهن ذلك عن التوجه يوميّاً إلى أبواب المسجد الأقصى والمرابطة هناك لـ4 ساعات على الأقل. وفي حال غيّبت الظروف الحياتية بعضهن، لن يهبط ذلك من عزيمة الواحدة منهن على المرابطة وحدها طوال تلك الساعات، لسان حالها يقول: "إن لم تكن مع الجماعة، فكن أنت الجماعة".

لطيفة (24 عاماً)، مبعدة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تستغل إتقانها اللغة الإنجليزية لنقل قضية المسجد الأقصى ومحاولات تهويده إلى السّياح الأجانب المارّين في "درب الآلام"، الطريق مرّ المسيح عليه حاملاً صليبه، بحسب المعتقد المسيحي، والذي يقع بمحاذاة الأقصى من الجهة الشّمالية.

في إحدى المرات، وقفت لطيفة مع زميلاتها المبعدات عن الأقصى، وإلى جانبهن لافتات كرتونية كبيرة مكتوبة باللغات الثلاث العربية والعبرية والإنجليزية: "إذا أردت أن تعرف لماذا نقف هنا، اسألنا"، "إن أبعدوا جسدي عن الأقصى فلن يبعدوا روحي". لاقت تلك الفكرة نجاحاً ولفتت نظر المارّين الفضوليين من السّياح الأجانب. "كنا في تلك الأيام نبقى هناك أكثر من 5 ساعات لكثرة من يسألنا ويتوجه إلينا لفهم ما يحدث"، تقول لطيفة.

أما هنادي الحلواني، فهي إحدى الإداريات في مشروع "مصاطب العلم في الأقصى"، ولم يمنعها الإبعاد من إكمال مسؤولياتها الإدارية. تقول لـ"العربي الجديد": "أقف عند أحد الأبواب، وتخرج الطالبات في مصاطب العلم لملاقاتي والتعبير عن تضامنهن معي، بينما أنجز بعض مهامي وأنا مرابطة على باب الأقصى".

وتشدد الحلواني على أنها ترفض أن تنقل حلقات العلم القائمة في الأقصى إلى خارجه، كنتيجة لإبعادها وإبعاد عدد من المدرسات. تقول: "في بعض الأحيان تأتي بعض الطالبات لأراجع لهن قواعد التجويد، ولكن ذلك لا يكون على حساب رباطهن داخل الأقصى في الأوقات التي تقع فيها اقتحامات المستوطنين".

تضيف الحلواني في حديثها لـ"العربي الجديد": "نحن هنا نوصل رسالتين: الأولى لسلطات الاحتلال بأن الإبعاد لن يؤثر فينا ولن ينجح في تخويفنا وثنينا عن حبّ الأقصى، والثانية: لأولئك اللواتي لم تطلْهم قرارات الإبعاد بأن يثابرن على التواجد في الأقصى، ويقمن بالدور الذي منعنا نحن من أدائه داخله". وأثناء الحديث مع الحلواني وعبد اللطيف، تتردّد تحيات السّلام من المارّة، والبعض يضيف إلى السّلام الدعاء بالتوفيق والنصر للمرابطات، بينما لا يتوانى الجيران عن توزيع المياه على المرابطات وسؤالهن عما يحتجن.

وفي الوقت الذي تجلس المبعدات للتعبير عن رفضهن الإبعاد على أبواب الأقصى، تستمر داخل المسجد حلقات العلم مستقطبة حولها ما يقارب 150 سيدة وفتاة يوميّاً. لا تنكر الحلواني أن سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة في حقّ المسجد الأقصى والمرابطين فيه قد أدت إلى انخفاض أعداد المنضمات إلى حلقات العلم، ولكنه لم يكن كبيراً. "بطبيعة الحال وكوننا نعيش في مجتمع عربي محافظ، فإن بعض الفتيات والسيدات لم يعد بمقدورهن الالتحاق بالمصاطب في الأقصى، لخوف أقاربهن الذكور من اعتقالهن أو الاعتداء عليهن"، تقول الحلواني.

في المقابل، تدرك استخبارات الاحتلال مواطن الضعف الاجتماعية هذه، وتستغلها في الضغط على النساء عند التحقيق معهم. ويتصل أفراد الاستخبارات الإسرائيلية أحياناً بأزواج المرابطات لتهديدهم، ومحاولة استيثار غضبهم تجاه زوجاتهم، كالقول لهم. إحدى المرابطات (45 عاماً) روت لـ"العربي الجديد"، كيف هدد أحد أفراد الاستخبارات الإسرائيلية زوجها قائلاً له: "احرص على ابنك"، علماً أن لديه ابناً وحيداً بين سبع أخوات.

وسبق أن أصدر وزير جيش الاحتلال، موشيه يعلون، في سبتمبر/أيلول الماضي قراراً يقضي بإغلاق مؤسسة "عمارة الأقصى" والمقدسات التي كانت ترعى مشروع "مصاطب العلم في المسجد الأقصى"، غير أن هذا الإغلاق لم يؤثر على عزيمة المرابطات وطالبات العلم على حدّ تعبير الحلواني. وتضيف "مشروعنا ليس مشروع مؤسسة أو تابع لجهة معينة، هو مشروعنا مع الله، ونحن أخذنا على عاتقنا مسؤولية الدفاع عن المسجد الأقصى".

وتلفت الحلواني إلى ارتفاع أعداد أوامر الإبعاد، وإلى تزايد الاعتداءات الإسرائيلية على النساء المرابطات في الأقصى. وتقول "في الماضي كان ضابط شرطة الاحتلال يكتفي بالوقوف بعيداً عن حلقة العلم وتصويرها بخاصية "الزووم"، أما اليوم فإنهم وقحون في الاقتراب أكثر فأكثر وتصوير الموجودات كافة".

ولا تكتفي سلطات الاحتلال بسلاح الإبعاد لمحاربة المرابطات، إذ تلقت ما يقارب 10 سيدات من المرابطات أوامر هدم إدارية من بلدية الاحتلال في القدس بحجة عدم الترخيص. وتكتسب هذه الأوامر طابع التهديد والترهيب، وتوجه بشكل مباشر إلى المرابطات بأسمائهن، مع العلم أن البيوت التي يسكنّ فيها ليست مسجلة بأسمائهن، وأن بعضها مرخص فعلاً ولا "حجة قانونية" في هدمه.

لن تتوقف سياسات الاحتلال ولا يُستبعد أن تُجدد قرارت إبعاد المرابطات حين انتهائها، خصوصاً مع اقتراب عيد الفصح اليهودي في أبريل/نيسان المقبل، حين تتكثف الدعوات الاستيطانية لاقتحام الأقصى.

لكن ماذا بعد؟ الإجابة عند الحلواني لا يهزّها الشّك ولا يرافقها التردّد: "الأقصى ثمنه غالٍ".

المصدر: العربي الجيد