القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

مستقبل المقاومة

مستقبل المقاومة

بقلم:عادل سليمان

صدر، أخيراً، عن محكمة ابتدائية مصرية، مختصة أساساً بالنظر في الأمور المستعجلة، حكم يلزم الدولة بإدراج حركة حماس منظمة إرهابية. وبعيداً عن نقد الحكم، أو التعليق عليه، أو تقييم انعكاسات هذا الحكم على علاقات مصر "الدولة" مع حماس "الحركة"، وعلى دور مصر في القضية الفلسطينية عموماً، بعيداً عن ذلك كله، فإن الحكم يطرح على الساحة أسئلة شديدة الأهمية حول قضية المقاومة، أعني مستقبل المقاومة، وبتحديد أدق المقاومة الفلسطينية المسلحة.

بدايةً، تحسن العودة إلى محطات رئيسية في مسار القضية الفلسطينية، أولها إعلان قيام دولة إسرائيل ونشوب الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، في مايو/أيار 1948، والتي انتهت بهزيمة للجيوش العربية النظامية، سميناها "نكبة فلسطين"، وأسفرت الهزيمة/ النكبة عن تكريس وجود دولة إسرائيل، وعقد اتفاقيات الهدنة معها: مصر في 24 فبراير/شباط 1949، لبنان في 23 مارس/آذار 1949، الأردن في 3 إبريل/نيسان 1949، سورية في 20 يوليو/تموز 1949.

وكانت المادة الأولى من تلك الاتفاقيات تنص على عدم اللجوء إلى القوة العسكرية في حل المسألة الفلسطينية، وانتهى الأمر بضم الضفة الغربية إلى الأردن، ووضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية وتواري الهوية الفلسطينية. وعلى الرغم من تعرض مصر للعدوان الثلاثي 1956، واحتلال إسرائيل سيناء وقطاع غزة، إلا أن ذلك لم يؤثر على وضع اتفاقيات الهدنة مع الأردن وسورية ولبنان، كما عادت إلى سريانها مع مصر، بعد انتهاء العدوان الثلاثي والانسحاب الإسرائيلي.

المحطة الثانية كانت تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، والتي مثلت نقلة رئيسية بوجود كيان مستقل يمثل الشعب الفلسطيني والهوية الفلسطينية، والأهم أنه انبثق عن مؤتمر القمة العربي الأول في الإسكندرية في يناير/كانون الثاني 1964، وكلف أحمد الشقيري ممثل الشعب الفلسطيني لدى جامعة الدول العربية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بذلك. وجاءت أهمية تلك الخطوة في أنها أعطت مشروعية للكفاح المسلح الفلسطيني خارج الأطر الرسمية للدول العربية.

وكانت المحطة الثالثة الهزيمة العربية في يونيو/حزيران 1967، والتي انتهت باحتلال إسرائيل كل فلسطين التاريخية، علاوة على احتلالها أراضي دول عربية أخرى، سيناء في مصر، الجولان في سورية، مزارع شبعا في لبنان.

وضعت المحطة الرابعة القضية الفلسطينية في مفترق طرق بين اختيارين، هما المقاومة في ظل ظروف شديدة الصعوبة، أو المصالحة بشروط يفرضها العدو. تلك المحطة كانت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1979، مع التزام سورية بوقف إطلاق النار واتفاقية الفصل بين القوات مع اسرائيل 1974.

وجاءت الإجابة من الشارع الفلسطيني، في الانتفاضة الشعبية التي انطلقت من غزة في 9 ديسمبر/كانون الأول 1987، وعمّت كل الأراضي الفلسطينية، وتحدى فيها الشعب الأعزل على مدى أكثر من أربع سنوات قوى الاحتلال. لكن، بدلاً من المضي في طريق المقاومة، تصورت قيادة منظمة التحرير، في ذلك الوقت، أن طريق المصالحة أصبح ممهداً، فكانت المحطة الخامسة، وهي اتفاقيات أوسلو 1993. المفارقة، هنا، أن الانتفاضة التي أدت إلى أوسلو واكبها تدشين حركة المقاومة الإسلامية، حماس، بقيادة الشيخ أحمد ياسين، وأعلنت أن طريقها هو الكفاح المسلح ضد العدو المحتل.

منذ ذلك الوقت، بدأت القضية الفلسطينية مسارين متعارضين. الأول مسار المفاوضات، أملاً في الوصول إلى المصالحة، واتضح أنها مفاوضات عبثية، ولم تصل إلى شيء. الثاني مسار المقاومة الذي تبنته حماس ومجموعة من منظمات المقاومة التي نشأت في قطاع غزة، من أهمها الجهاد الإسلامي، وكان لعملياتها الفدائية تأثير بالغ جعل من احتلال غزة عبئاً على إسرائيل، ما دفع شارون إلى الانسحاب أحادي الجانب إلى خارج القطاع في سبتمبر/أيلول 2005، على أمل أن تتمكن السلطة الفلسطينية من السيطرة على حركات المقاومة داخل القطاع.

أجريت انتخابات تشريعية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأسفرت عن فوز حركة حماس بالأغلبية، ما يعنى أن الشعب الفلسطيني اختار مسار المقاومة. هنا، انكشفت كل المواقف الإقليمية والدولية الرافضة هذا المسار، ووضعت أمام حماس بديلين: التخلي تماماً عن نهج المقاومة أو ترك المشهد السياسي برمته. وتعرضت حركة حماس لاختبار شديد الصعوبة، فمن ناحية، هناك عروض إقليمية ودولية مغرية في حالة قبول نهج المصالحة والمهادنة تتضمن مزايا مادية ومعنوية كبيرة. ومن ناحية أخرى، ترويج فكرة عدم جدوى المقاومة المسلحة. وفى سبيل ذلك، شنت إسرائيل، في صيف 2006، حربها على لبنان، مستهدفة حزب الله في الجنوب اللبناني، وكان من أغراض تلك الحملة العدوانية توجيه رسالة إلى المقاومة الفلسطينية، مضمونها أنه لا جدوى من المقاومة.

لم تبتلع حماس الطعم، ولم تقع في الفخ الذي كان يستهدف تسوية نهائية للقضية الفلسطينية طبقا للشروط الإسرائيلية، ولكن، مغلفاً بموافقة فلسطينية، ومباركة إقليمية، ودولية. واختارت البديل الصعب، وهو التحدي والمواجهة، والذي انتهى بما يعرف بالحسم العسكري، وإحكام السيطرة على قطاع غزة في 2007، وخلق أمر واقع جديد على الأرض، حيث أصبحت المقاومة ممثلة في حماس وتحالفاتها مع الجهاد الإسلامي، على الرغم من الاختلافات الأيدولوجية، وباقي فصائل المقاومة، رقماً أساسياً في معادلات حل القضية الفلسطينية.

وصمدت المقاومة أمام الحصار الذي فُرض على قطاع غزة، وأمام كل الضغوط الإقليمية، والدولية، بل وتصدت لحرب إسرائيلية شاملة في 2008، ثم هبت رياح الربيع العربي التي حملت، في بداياتها، بشائر أمل للمقاومة الفلسطينية، حاولت إسرائيل أن تُحبطه، بشن عدوانها على غزة في 2012، والذي لم يستمر أكثر من بضعة أيام، نظراً للموقف المصري الحاسم في ذلك الوقت. ثم جاء العدوان الأكثر وحشية في عملية الرصاص المصبوب، أو العصف المأكول، يوليو/ أغسطس 2014، التي استمرت 51 يوماً، وأبدت فيها المقاومة الفلسطينية، بكل أجنحتها، بسالة منقطعة النظير، وأبدى فيها الشعب الفلسطيني صموداً أسطورياً.

ولكن، جاءت الموجة الثانية من "الحرب على الإرهاب" التي سادت المنطقة، بذريعة التصدي لتنظيم داعش الإرهابي، والذي أعلن دولة خلافة إسلامية على أراضٍ عراقية وسورية، وظهرت أذرع تحمل فكره، وتعلن مبايعتها له في مناطق أخرى، مثل ليبيا وسيناء في مصر. وأشاع ذلك موجة من الريبة في كل التنظيمات، وهيأ الفرصة، من جديد، للخلط بين حركات المقاومة الوطنية المشروعة ضد الاحتلال والتنظيمات المسلحة المناوئة لنظم الحكم. وفي وسط هذا السياق الملتبس، جاء حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة باعتبار حركة حماس منظمة إرهابية، وقبله حكم بإدراج كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، منظمة إرهابية.

هذا يدعونا إلى وقفة جادة للنظر في مستقبل المقاومة الفلسطينية التي هي، بالتأكيد، أنبل ما أنتجته هذه الأمة طوال الصراع العربي الإسرائيلي، وتبقى هي الأمل في استعادة الحقوق الفلسطينية المشروعة في حدها الأدنى، وهو دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران 67، وعاصمتها القدس. وتبقى حقيقة أن حماس، والجهاد الإسلامي، وكل سلاح فلسطيني موجه للاحتلال الإسرائيلي مقاومة # مش ـ إرهاب.

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام