القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

مستقبل قضية اللاجئين في ظلّ دولة فلسطينية غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة

مستقبل قضية اللاجئين في ظلّ دولة فلسطينية غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة

بقلم: حسام رمضان

تمثل قضية اللاجئين جوهر القضية الفلسطينية وأساسها، وتُعَدّ بمثابة حجر الزاوية لأي مشروع سياسي يقدم لحل القضية الفلسطينية. وقد مرت هذه القضية بالكثير من المؤامرات التي تسعى إلى النيل منها عبر تجاوزها أو إلغائها أو تجزئتها. لكن مع هذا كله، بقيت الركن الركين في عقل الفلسطينيين ووجدانهم، الذين يجمعون على التمسك به إذا ما خلا صفهم من مفرط أو مأجور أو متهاون. وأكثر الطعنات التي تصيب قضية اللاجئين في المقتل تأتي من بعض الفلسطينيين الذين يحسبون أنفسهم يمثلون الفلسطينيين ويقدمون وجهة نظر أو مشروعاً، أو يقبلون بمشروع ينال من قضية اللاجئين، فيشكلون بهذا اختراقاً فاضحاً للموقف الوطني الذي تعمد بدماء الشهداء طوال عشرات السنين من النضال والكفاح والتضحيات. ارتبطت الثوابت الوطنية الفلسطينية بقضية اللاجئين وحقهم في العودة إلى الديار التي أخرجوا منها عام 1948م، وبهذا اختصرت الثوابت الفلسطينية في ثابتين أساسيين تتفرع منهما بقية الثوابت الوطنية، هما:

• حق العودة للشعب الفلسطيني إلى أرضه ووطنه الذي أخرج منه عام 48م.

• حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على كامل ترابه الوطني.

شكلت المقاومة الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير درعاً حامية للمشروع الوطني الفلسطيني، وهي امتداد للمقاومة الوطنية منذ الانتداب البريطاني على أرض فلسطين، بما شكلته من حالة رفض للمشروع الصهيوني الذي بدأ يتشكل على أرض فلسطين منذ بداية الانتداب الذي اعتبر وظيفته العمل على إنشاء الكيان الصهيوني المغتصب للأرض الفلسطينية، فالمقاومة التي انطلقت سنة 1965 ومنظمة التحرير التي تشكلت عام 1964 كان هدفهما تحقيق الثابتين الرئيسيين للشعب الفلسطيني، العودة وتقرير المصير.

بعد نكسة 1967م بدأ المشروع الوطني بقيادة منظمة التحرير بالتراجع، وكان في ما بعد المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في الجزائر عام 1969 والذي أنتج النقاط العشر التي تتمحور حول إقامة الدولة الفلسطينية على أي شبر يُحرَّر. وتزامن هذا مع حالة المضايقات والنفي التي تعرضت لها المقاومة الفلسطينية من الأردن نحو لبنان، حيث بقيت المقاومة حامية للمشروع الوطني الفلسطيني، ولكن الآن تبحث المقاومة عن بقعة أرض فلسطينية تتمركز عليها لتقوم بواجبها في حماية الثوابت الفلسطينية.

طوال هذه الفترة، رفضت إسرائيل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وأخذت بالبحث عن بديل من خلال إنشاء روابط القرى في الضفة الغربية، بهدف إقامة كيان سياسي تتخلص من خلاله من المناطق المدارة (الضفة الغربية وقطاع غزة) ولا يشكل خطراً على مستقبل الكيان الصهيوني ولتشطب الثوابت الفلسطينية (حق العودة وتقرير المصير)، وبعد ذلك بتوقيعات اتفاقية كامب ديفيد التي نفذ شقها المصري ورفضت إسرائيل تنفيذ الشق الخاص بالجانب الفلسطيني الذي لا تعترف فيه بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.

وطوال الوقت، كانت إسرائيل ترفض تنفيذ حق العودة للشعب الفلسطيني إلى أرضه المحتلة عام 48، وكذلك ترفض إقامة كيان سياسي فلسطيني سيقوم على الأرض التي تزعم إسرائيل أنها شهدت أحداث التوراة (الخليل والقدس ونابلس) وهي أرض الميعاد. من جهة أخرى، إنّ قبول إسرائيل بكيان سياسي معادٍ لها على أرض فلسطين، يشكل تهديداً استراتيجياً لها على المدى الطويل؛ لكون هذا الكيان السياسي الفلسطيني يتبع له مواطنون جذورهم وحقوقهم الفردية والجماعية تنتمي إلى الأرض التي تحتلها إسرائيل، وبالتالي إن إسرائيل ترى أن أي اتفاق سلام لا يُسقط حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي احتلت عام 48، هو اتفاق بلا جدوى. وحتى لو تنازل الفلسطينيون عن حقهم في العودة، فإن هذا لن يكون جدياً، حيث سيعاود الفلسطينيون المطالبة بهذا الحق في حال تغيُّر موازين القوى في المنطقة، وبالتالي فإن هذا الكيان السياسي الفلسطيني لن يكون في مصلحة إسرائيل بأي شكل من الأشكال.

وهذا مغزى قول شامير عند إطلاق مباحثات مدريد عن نيته جعلَ العملية التفاوضية تستمر عشرات السنين بلا جدوى، وهذا أيضاً سر تلكؤ الجانب الصهيوني في تقديم ما عليه من التزامات بخصوص إقامة الدولة الفلسطينية ووضع العراقيل في طريقها.

الساحة الفلسطينية الآن تشهد مشروعين متناقضين: الأول يعتمد نهج التفاوض والتنسيق الأمني في سبيل تحقيق الحلم بوجود الدولة الفلسطينية، ولا مانع لديه من التفاوض على الحدود وحق العودة وتقديم تنازلات في هذا السبيل. والثاني ينتهج المقاومة خياراً للحفاظ على الثوابت الوطنية وتحقيق الأهداف الوطنية، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير للشعب الفلسطيني.

شهد التاريخ خلال القرن الماضي أنّ استمرار المقاومة الوطنية الفلسطينية هو الضمان الوحيد للحفاظ على الحقوق الوطنية، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير. ومن هنا لا بد من تسجيل النقاط الآتية كاستراتيجية لتحقيق الأهداف الوطنية، وهي:

• الحفاظ على المقاومة الوطنية الفلسطينية خياراً استراتيجياً لتحقيق الأهداف الوطنية.

• ترسيخ البنية العسكرية فوق الأرض الفلسطينية؛ لأنها تشكل الحماية الاستراتيجية لها، باعتبارها تنطلق من مخزونها الاستراتيجي، وهم أجيال المقاومين.

• العمل على خلق كينونة سياسية فوق الأرض الفلسطينية توحد الشعب الفلسطيني باتجاه الأهداف الوطنية وتقدم الغطاء السياسي للمقاومة الوطنية الفلسطينية خارج أي إملاء صهيوني أو أميركي.

• دعم وإسناد عربي وإسلامي ودولي للدولة الفلسطينية.

من شأن الحصول على دولة من خلال الأمم المتحدة أن يخفف من الضغوط والمساومات التي تمارسها الحكومات الأمريكية والصهيونية المتعاقبة على المفاوض الفلسطيني، وما يشكله هذا من عرقلة واستنزاف للجهد الوطني وتوجيهه من خلال المال والتنسيق الأمني نحو الوجهة الصهيونية.

وهذا سيساعد على الحد من تفرد الولايات المتحدة في القضية الفلسطينية نحو إشراك لاعبين دوليين آخرين، مثل مصر الحديثة وتركيا وغيرهما، والتي تتبنى المشروع أيضاً ويبقى حق العودة وديعة الشعب الفلسطيني صاحب هذا الحق، الذي يريد الدولة الفلسطينية ناقصة العضوية مؤقتاً لتحقيق النقاط الأربع السالفة الذكر، وليكون مشروع الكينونة السياسية التي توحد الفلسطينيين وتحمي المقاومة خطوة في اتجاه تحقيق الثوابت الفلسطينية (حق العودة وتقرير المصير)؛ فالإنجاز السياسي يأتي بالتراكم والنجاحات المتعاقبة، وما دام الشعب الفلسطيني يقاوم، فهو موجود، ولكنه الآن موجود ويقاوم على أرضه، وهذه الدولة ـ وإن انقسم الفلسطينيون في الوضع الراهن ـ ستكون عامل توحيد للشعب الفلسطيني، وحماية للمقاومة التي ستأتي الدولة عليه، وهي جزء أصيل من العمل الوطني الفلسطيني على الأرض الفلسطينية.

وهنا لا بد أن نشير إلى ما يأتي:

• إن الحقوق الوطنية الثابتة في قرارات الأمم المتحدة، لم تقدم للشعب الفلسطيني أي شيء سوى التعاطف الدولي المحدود جداً.

• إن ما حققه الشعب الفلسطيني من إنجاز، كان نتاج التضحيات والمقاومة الوطنية والفعاليات الشعبية.

• إن الشعب الفلسطيني لا يعلّق أمالاً على الأمم المتحدة، لتخبره يوماً بأن إسرائيل قد وافقت على العودة.

• إن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى إثبات وجوده السياسي، من خلال خلق كينونة سياسية على الأرض الفلسطينية تكون خطوة نحو استكمال الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني، هي العودة وتقرير المصير.

• إن استمرار الوضع الراهن عملية انتحار سياسي بطيء، يجب الخروج منه بانتصار وطني وليس أقل من القبول بفلسطين عضواً في الأمم المتحدة.

• إن اعتراف الأمم المتحدة بعضوية فلسطين فيها لا يمثل أي خطر يذكر على حق العودة، لكونه من الحقوق الأساسية الفردية والجماعية التي لا تسقط بالتقادم، ولا بتوقيع أيٍّ كان ممن يزعمون أنهم يمثلون الشعب الفلسطيني على إسقاطه.

لقد حظيت هذه الخطوة بشبه إجماع وطني عندما باركتها كبرى الفصائل الفلسطينية (حماس وفتح).

وفي ما يتعلق بالأسئلة الواردة في رسالة د. عصام عدوان رئيس دائرة شؤون اللاجئين – حماس وهي كما يأتي:

• هل الحصول على عضوية غير كاملة في الأمم المتحدة يعزز حق عودة اللاجئين إلى ديارهم؟

لا بد هنا ألا نقلل من شان المخاوف الخاصة بالحصول على العضوية غير الكاملة، ولكن التصدي الأمريكي الهادف إلى عدم إنجاح الخطوة الفلسطينية يعني كما صرحت الناطقة بلسان الخارجية الأميركية أن يبقى الفلسطينيون يطلبون حقوقهم من قوات الاحتلال عبر التفاوض، وألا يتحركوا في الساحة الدولية بمحض إرادتهم ووفق مصالحهم. وعلى كل حال، لا يوجد ضامن للحفاظ على حق العودة من دون الحفاظ على الوحدة الوطنية ووحدة الخطاب الوطني والحفاظ على المقاومة الوطنية. هذه تمثل ضمانات الحفاظ على حق العودة، فيما العضوية في الأمم المتحدة تحسن فرص الحصول على الدولة بعيداً قدر الإمكان عن الشروط الصهيونية والأميركية.

• أخطار قبول فلسطين بعضوية غير كاملة في الأمم المتحدة:

يمكن الحديث عن مخاوف، لكن التحول من عضو مراقب يمثل كل الفلسطينيين نظرياً، وهو في الواقع العملي يسعى إلى إنجاح التفاوض مع إسرائيل للحصول على دولة فلسطينية وفق الشروط الصهيونية والأميركية، أعتقد أن أداء منظمة التحرير في العقود الماضية، سواء في المنظمة الدولية أو في العملية التفاوضية، أمر لا تحسد عليه، ولا أدري سبب الحرص عليه في ظل اضمحلال فرص إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بعد إلغاء ميثاقها الوطني، وفي ظل تفرد عباس وزمرته بقيادة المنظمة، وخاصة أن خطوة الذهاب إلى الأمم المتحدة حظيت بقبول فلسطيني يتطلع لإيجاد ظرف تمكن القضية الفلسطينية من الخروج من حالة الجمود التي مر عليها أكثر من سبع سنوات (استمرار الانقسام، والحملة الاستيطانية المسعورة على الضفة الغربية، والحصار السياسي والاقتصادي لقطاع غزة، ورفض نتائج الانتخابات الديموقراطية الأخيرة)، حيث تلقي هذه الملفات بثقلها على مسألة حق اللاجئين في العودة وتدفعه إلى الخلف. وعلى أي حال، لا أحد يقول إن الدولة الفلسطينية غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وهي التي ستكون بديلاً لمنظمة التحرير الموجودة بصفة مراقب خارج الأمم المتحدة، حيث ستبقى بعد ذلك منظمة التحرير بصفتها البيت الذي يجمع كل الفلسطينيين في الداخل والخارج.

• كيفية الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة:

يتحقق هذا باستمرار النضال الفلسطيني في شتى المحافل الدولية حيث حصلت إسرائيل على عضوية مشروطة بتنفيذ القرار 194 وبقيت في الأمم المتحدة واستمرت في رفضها تنفيذ القرار، والحفاظ على قضية اللاجئين يكون من خلال:

• الحفاظ على المقاومة الوطنية الفلسطينية خياراً استراتيجياً لتحقيق الأهداف الوطنية.

• ترسيخ البنية العسكرية على الأرض الفلسطينية، لكونها تشكل الحماية الاستراتيجية للمقاومة، باعتبارها تنطلق من مخزونها الاستراتيجي، وهم أجيال المقاومين.

• العمل على إيجاد كينونة سياسية فوق الأرض الفلسطينية توحّد الشعب الفلسطيني باتجاه الأهداف الوطنية، وتقدم الغطاء السياسي للمقاومة الوطنية الفلسطينية، وتكون خارج أي إملاء صهيوني أو أميركي.

• دعم وإسناد عربي وإسلامي ودولي للدولة الفلسطينية.

المصدر: مجلة العودة، العدد الـ61