مسيرات القدس والزخم الشعبي وتراجع القضية
ياسر
الزعاترة
في
عشرات العواصم العربية والإسلامية وبعض المدن الأخرى، فضلا عن الداخل الفلسطيني، أقيمت
أول أمس الجمعة مسيرات شد الرحال القدس التي باتت مناسبة سنوية تقيمها القوى الإسلامية
والوطنية بالتعاون مع فعاليات شعبية عديدة.
ولا
شك أن لهذه المسيرات رمزيتها من زاويتين، الأولى- هي إصرارها على الإبقاء على قضية
القدس، وتبعا لها القضية الفلسطينية قضية مركزية في وعي جماهير الأمة العربية والإسلامية،
والثانية- هي تكريس نهج الإصرار على حق العودة؛ عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم التي
شردوا منها في العام 48.
والحال
أننا إزاء قضيتين تحظيان بقدر هائل من الإجماع في الساحة السياسية الإسرائيلية، ففي
الأولى يُجمع الصهاينة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين على رفض التنازل عن السيادة
على القدس الشرقية، مع الإصرار على بناء الهيكل الذي يراه سياسي حمائمي جدا هو يوسي
بيلين أنه مثل الكعبة بالنسبة للمسلمين، أما في الثانية فيجمع الصهاينة على رفض حق
العودة إلى الأراضي المحتلة عام 48، حتى أن تسيبي ليفني كما كشفت وثائق التفاوض رفضت
عودة عشرة آلاف (من عشرة ملايين لاجئ) على عشر سنوات كما وافق أولمرت، معتبرة أن ذلك
رأيه الشخصي، وأن رقم من سيعودون "هو صفر”!!
لكن
السؤال الذي طرح نفسه هذا العام هو ذلك المتعلق بالزخم المحدود للمسيرات التي أقيمت
بهذه المناسبة، وهنا يمكن القول إنها لم تكن محدودة تماما، إذ شهدت في بعض الدول، كما
هي الحال هنا في الأردن، إقبالا جيدا رغم بُعد مكان الفعالية (أقيمت في سويمة قرب الحدود
مع فلسطين)، لكن ذلك لا ينفي أن ثمة تراجعا في الزخم الشعبي ينبغي التساؤل حول أسبابه.
لا
شك أن أكثر العرب هذه الأيام مشغولون بتحولات الربيع العربي وطغيان الهم المحلي، فيما
تحتل سوريا المساحة الأكبر من الاهتمام في الشارع العربي والإسلامي بسبب التضحيات التي
قدمها ويقدمها الشعب السوري في مواجهته مع النظام المجرم، تماما كما احتلت دول أخرى
ذات الأهمية في أوقات معينة (مصر وتونس وليبيا واليمن).
في
السياق السوري، يمكن القول: إن ما يجري فيها هو الذي يحظى بالاهتمام الأكبر في الأوساط
العربية والإسلامية، لاسيما بعد تحولات الموقف الأخيرة بدخول حزب الله وإيران على الخط
بقوة وفاعلية استفزت ولا زالت تستفز الغالبية في الأمة، مع تصاعد الحشد المذهبي بسبب
ذلك. وفي هذا السياق كانت سوريا حاضرة في مختلف الفعاليات التي أقيمت من أجل القدس،
ودائما في معرض رفض استخدام اسم فلسطين والقدس والأقصى في الترويج للدفاع عن نظام مجرم
مثل نظام بشار الأسد، فضلا عن التورط في قتال الشعب السوري كما فعل حزب الله.
من
المؤكد أن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية في الشارع العربي والإسلامي بسبب تحولات
الربيع العربي، لكن السبب يتجاوز ذلك، إذ حتى لو لم يكن هناك ربيع عربي، وكانت حال
القضية على ما هي عليه، فإن الزخم الشعبي لن يختلف كثيرا، والسبب بكل تأكيد يتعلق بحالة
التيه التي تعيشها القضية إثر حشر حماس في قطاع غزة، واستهدافها في الضفة، واستمرار
قيادة السلطة والمنظمة وحركة فتح في نهجها التفاوضي التقليدي، ورفضها المطلق لبرنامج
المقاومة الحقيقي الفاعل.
نتذكر
في هذا السياق ذلك التفاعل العربي والإسلامي مع القضية إبان جولة المواجهة التي أطلقتها
حماس قبل شهور بعد اغتيال قائدها العسكري الشهيد أحمد الجعبري، وهو ما شهدناه بطبيعة
الحال، وربما بزخم أكبر أثناء مواجهة (2008، 2009)، وقبل ذلك في انتفاضة الأقصى.
حين
يفتخر قائد الشعب الفلسطيني المعترف به عربيا ودوليا بالتنسيق الأمني مع العدو، ويصر
على رفض المقاومة، ويساند التنازل العربي الجديد فيما يتصل بتبادل الأراضي، ويمضي في
برنامج السلام الاقتصادي لصاحبه نتنياهو، فكيف يمكن أن تكون ردة فعل الشارع العربي
والإسلامي؟!
لا
أحد يتفاعل مع من يتصالح مع عدوه بالمجان، وقضية القدس هي قضية سياسية وقضية احتلال،
وليست قضية منازل وتهجير واستيطان وتهويد فقط يمكن مواجهتها بالتبرعات، فضلا عن مجابهتها
بالطلب من أبناء الأمة أن يأتوها سياحا، وحين يسكت الشعب الفلسطيني ولا يشتبك مع عدوه،
فمن الطبيعي أن يتراجع الزخم الشعبي في التفاعل مع القضية.
المسؤول
الأول والأخير عن هذا الوضع البائس للقضية هو القيادة الفلسطينية التي تمضي في برنامج
السلام الاقتصادي والدولة المؤقتة، وإن رفضتها بالكلام، وحين يتغير هذا الوضع ويستعيد
الشعب قراره المقاوم، سنرى كيف يعود الزخم الشعبي للقضية، وسيتأكد الجميع أنها لا تزال
القضية المركزية للأمة.
الدستور، عمان، 9/6/2013