«مسيرة العودة» تعيد
الاعتبار لمشروع سياسي فلسطيني مشترك
وديع عواودة
يعتقد مراقبون أن الفكرة جاءت مبادرة
من القاعدة، من حراك شبابي لا من الفصائل الفلسطينية، فيما يرى آخرون أنها ابتكار
لحركة حماس بعدما جربت واستنفدت وسائل نضالية وقتالية أخرى من سلاح الاستشهاديين،
وحفر الأنفاق والصواريخ، فيما يشكك آخرون بجدواها ويعتبرون تضحياتها باهظة ودون
طائل. بين هذا وذاك يتفق الكثيرون من الفلسطينيين على أن مسيرة العودة في غزة فكرة
خلاقة ومفيدة للشعب الفلسطيني ومن شأنها أن تستعيد الألق والأضواء لقضيته الوطنية
العادلة طالما أنها سلمية وتنم عن خطة سياسية واضحة المعالم ومنضبطة خالية من
الفوضى والارتجالية، كما يؤكد عدد من المراقبين ممن تحدثت معهم «القدس العربي».
ويرى أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة البروفيسور سعيد
زيداني ابن مدينة طمرة المقيم في رام الله داخل الضفة الغربية، أن موضوع العودة
يحتاج إلى تفكير وتخطيط ودراسة. مؤكدا انحيازه للحراك الشعبي أولا وتأييده لحق
العودة داعيا لتحييد الفصائل «المفلسة». ويتابع: «بصورة عامة اعتقد أن البحث عن
حلول للصراع ينبغي أن تبدأ من أراضي 48 قبل 1967. علينا المبادرة لهذا الاتجاه،
وهناك أسئلة لابد من دراستها: كيف نبدأ ومن يحمل هذا العبء وكيف يتم التعامل مع
ردود الفعل الطرف الآخر». ويتفق معه في ذلك أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا
البروفسور أسعد غانم.
ويرى أن القضية الفلسطينية تعيش أياما
مجيدة – رغم الجراح والتضحيات – لم تعشها منذ الانتفاضة الأولى التي انطلقت عام
1987. ويتابع «لكن بعكس الانتفاضة الأولى التي أسست لمشروع سياسي فلسطيني لإقامة
دولة إلى جانب إسرائيل وفشلت في ذلك نتيجة عدة أسباب، منها تقسيم الشعب الفلسطيني
إلى قضايا مختلفة من قبل القيادة الفلسطينية، فان تحرك الشارع الغزاوي هذه المرة
يجب ان يعيد الاعتبار لمشروع سياسي فلسطيني مشترك».
وتسعى إسرائيل في رأي غانم إلى شيطنة
مسيرة العودة التي انطلقت من غزة، وسوف تستمر إلى ان يتم تحقيق حق اللاجئين
بالعودة إلى بلداتهم التي طردوا منها قبل وخلال وبعد النكبة. ويضيف: «ليس خافيا
على أحد ان انطلاق الحركة الوطنية مجددا بعد النكبة اتكأ قبل كل شيء، على وضع قضية
عودة اللاجئين في صلب العمل الوطني، وتم العمل في كل الاتجاهات لكي يتجذر في الوعي
الفلسطيني والعربي والعالمي هذا الحق كشرط أساسي لأي تسوية مستقبلية. وهنا ليس
خافيا على أحد ان الفصائل الفلسطينية عملت على اثبات الحق، لكنها عملت قليلا لأجل
العودة الحقيقية». ويقول انه في السنوات الأخيرة انقلبت المحاولات، ففيما تسعى بعض
القوى الشعبية لتنفيذ العودة بترتيب مسيرات عودة من لبنان وسوريا (عامي 2008
و-2011) وأخيرا مسيرة العودة الكبرى من غزة مؤخرا، تراجعت محاولات العودة لدى
الفلسطينيين في الداخل. ويتابع في نقده للواقع الفلسطيني «اكتفت الهيئات القيمة
على الموضوع بتنظيم مسيرات العودة للتذكير بالنكبة وبحق العودة، وأخذ بعض أهالي
القرى المهجرة النهج نفسه من خلال ترتيب سهرات وجولات وزيارات عودة، لكننا،
باستثناء النقب وبير هداج بشكل خاص، لم نعمل على تنفيذ حق العودة بشكل حقيقي،
ونستطيع ذلك. خصوصا وان أهالي القرى المهجرة يسكنون قريبا جدا من بلداتهم
الاصلية.» ويرى ان لفلسطينيي الداخل دورا حقيقيا في إسناد غزة بالقول، ان على
الفلسطينيين في إسرائيل الآن ليس فقط القيام بترتيب مشاريع عودة وتنفيذها، بل تقع
على عاتقهم مسؤولية انقاذ مسيرة العودة الغزية. لافتا إلى ان إسرائيل تعمل على
شيطنة مسيرة العودة، وخصوصا بالادعاء ان حماس تقف وراءها، بعكس الحقيقة ان المسيرة
الغزية تقف خلفها قوى شعبية تتطلع إلى تحقيق ما لم تستطع تحقيقه القرارات الدولية
ولا الفصائل الفلسطينية. وتعقيبا على مظاهرة شهدتها مدينة سخنينا أمس تضامنا مع
غزة يقول غانم «لسنا محتجين فقط، ولا متضامنين فقط». معتبرا ان مظاهرة سخنين يجب
ان تؤسس لانخراط في النضال الفلسطيني العام لعودة اللاجئين. ويعتقد أن أهم ما يمكن
ان تقوم به قيادة فلسطينيي الداخل هو دعوة أهالي القرى المهجرة في الداخل إلى
الزحف إلى قراهم والعودة إليها، حتى ولو لعشر قرى مهجرة. كما يعتبر الناشط السياسي
علي زبيدات أن هذا أهم من كل المظاهرات والمسيرات وجلسات التذكر والتذكير ومهمتها
الحث على ذلك وتوفير الدعم بكل الوسائل المشروعة والسلمية. وفي تصريح لـ «القدس
العربي» يشدد على ضرورة بلورة رؤية سياسية لمسيرة العودة في غزة تتولى التوضيح
للعالم ـ ولإسرائيل، ان عودة اللاجئين إلى بلداتهم هو مشروع سياسي موحد وانها
تستطيع ان تقتل، لكنها لا تستطيع ان تتفرد بكل جزء من الشعب الفلسطيني لوحده خصوصا
في قضية أساسية تجمعه.
كما يتفق زبيدات مع غانم على أن منظمة
التحرير هي أداة سياسية، والسلطة الوطنية هي أداة كذلك، لأجل تمكين الشعب
الفلسطيني من تقرير مصيره والعودة. زاعما أن عدم قيام السلطة بالحث، على الأقل،
لعودة لاجئي الضفة في نضال سلمي وشعبي كما أخوتهم في غزة ومحاولتها «التحرك دوليا»
فقط للاستفادة من تضحيات غزة، وهي محاولة لإلهاء الفلسطينيين بمشروع الدولة غير
الموجود أصلا.
المقاومة الشعبية
مبدئيا يرى الأمين العام السابق للتجمع
الوطني الديمقراطي عوض عبد الفتاح أن ثقافة المقاومة الشعبية المدنية ليست غريبة
عن التجربة الكفاحية التحرّرية لشعب فلسطين. ويوضح أن الشعب الفلسطيني مثل معظم
الشعوب التي وقعت تحت غزو استعماري كولنيالي، وخاضت في مختلف مراحل المقاومة،
مقاومة شعبية مدنية، بدأت بالعرائض والاجتماعات والمظاهرات والاعتصامات، قبل أن
يضطرها المستعمر إلى حمل السلاح الذي هو حق منصوص عليه في المواثيق الدولية.
ويضيف حول اعتماد أدوات سلمية «الثورة،
أو التجربة الفلسطينية، ليست مستثناة من هذه الأخطاء، فقد أُخذ عليها، في مرحلة
معينة، تقديس العمل العسكري على حساب العمل الشعبي والإعلامي والثقافي. ما معناه
أن السياسي بات تابعا للعسكري وليس العكس». وفي رأيه يُفسّر هذا التقديس الذي طغى
على العمل الفلسطيني بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية، أنه ليس بسبب طبيعة
القيادة فقط، بل أيضا بسبب الطبيعة الاقتلاعية التي ميّزت سلوك المستعمر الصهيوني
منذ اليوم الأول. مستذكرا ان تمركز الحركة الوطنية الفلسطينية في المنفى، في الدول
العربية، كان يُحد من أي حراك شعبي سلمي. ويذكر أن لاجئين فلسطينيين كثيرين حاولوا
العودة، بعد النكبة مباشرة، إلى بيوتهم في فلسطين، كانوا يقتلون أو يعتقلون. ولم
يخطر في بال أحد، أو لم يفطن أحد لفكرة تنظيم عودة شعبية حاشدة واختراق الحدود في
ذلك الوقت. ولهذا كان حمل السلاح ردا طبيعيا. من المرجح أن تُولّد مسيرة العودة في
قطاع غزة تفاعلات في عموم الوطن، التاريخي، كما هو مأمول ومطلوب. ويخلص للقول
«لذلك، واجب كل تجمع فلسطيني، من خلال هيئاته الحزبية والشعبية والتمثيلية، أن يرى
نفسه في إطار هذه المعركة، الوطنية الإنسانية، ذات الشكل الشعبي المدني للنضال.
لتكن فاتحة أفق حقيقي أمام النضال الفلسطيني التحرّري، ولتأطير الشعب في كل أماكن
تواجده في المنفى والوطن».
المصدر: القدس العربي