القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

مشروع وطني فلسطيني بدون حركة فتح!

مشروع وطني فلسطيني بدون حركة فتح!

عزالدين أحمد ابراهيم

عندما تأسست حركة فتح في ستينات القرن الماضي، كانت الفكرة الأساس التي قامت عليها الحركة -بحسب قادتها الشهداء التي قرأناها في أدبياتهم وسيرهم الذاتية- هي ايجاد اطار وطني فلسطيني خالص، بعيدا عن توجيهات الأنظمة العربية التي ثبت فشلها في تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني.

واليوم، ونحن نرى ان حركة فتح باتت جزءا لا يتجزأ من النظام العربي الرسمي الذي تهاوى جزء منه تحت اقدام الثائرين العرب، نتساءل فلسطينيا عن مسقبل القضية الفلسطينية في ظل هذه التطورات المتلاحقة، وعن مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني في ظل بقاء أنظمة عربية تقمع شعوبها ولا تتورع عن ارتكاب المجازر بحقهم وتنقلب دمويا على خياراتهم.

حركة فتح التي أطلقت شرارة الثورة الفلسطينية أضحت اليوم وبلا مواربة ذراعا لأنظمة الفساد العربية لتصفية ما تبقى من قضية الشعب الفلسطيني ومقاومته، فتقزمت فلسطين من بحرها لنهرها إلى دولة على حدود عام 67، فسيطرة أمنية على بعض المناطق، وصولا إلى جدل حول فكرة تبادل الأراضي، وليس انتهاء باستجداء لتجميد الاستيطان هنا او هناك.

بل إن اختلالا كبيرا طرأ على المفاهيم الوطنية التي تغنت بها الاجيال، فأصبحت المقاومة المسلحة في نظر "الفتحاويين الجدد" عبثا، والتنسيق الأمني مع الاحتلال ضرورة من ضرورات "الدولة"، وتقزمت المقاومة بنظرهم إلى غضن الزيتون والشموع، لا نقول ذلك تجنيا فالشواهد كثيرة، غير أن ثمة من يكابر في حركة فتح ويصر على التغني بماض مشرق حوله قادتها لواقع كئيب ومستقبل مظلم.

موقف حركة فتح من الربيع العربي ووقوفها حركة وسلطة ضد خيارات الشعوب التي خرجت ضد طغاتها ينسف ما قامت عليه الحركة لنصرة قضية ظلمت وما تزال من أنظمة قدمت مصلحتها الشخصية على قضية الأمة المركزية، حتى باتت الحركة تدور في فلك هذه الأنظمة حتى باتت هي نفسها تنفذ ما تقوم به الحكومات العربية من قمع وكبت للحريات ومحارية لكل رأي معارض.

أين هو شعار التحرر الوطني الذي ترفعه فتح وهي تؤيد قتلة وانقلابيين سلبوا خيارات شعوبهم ولم يتورعوا عن سفك دمائهم، وهي تعرف قبل غيرها انها أنظمة لم ولن تقدم شيئا لفلسطين سوى المزيد من التواطؤ والتخاذل عن نصرة القضية ومقدساتها التي تستباح؟!

هذا كله يدفعنا للتساؤل عن المشروع الوطني ومستقبله في ظل وجود حركة فتح التي تتفرد بالقرار الفلسطيني بحكم الأمر الواقع وبحكم دعم أمريكي وعربي رسمي لها، عن أي مشروع وطني نتحدث ورئيس "دولة فلسطين" يتعهد لقادة الاحزاب الاسرائيلية بعدم العودة لحيفا ويافا وعكا وصفد؟ أين هو المشروع الوطني في ظل حركة تتخذ موقفا عدائيا من شعوب خرجت ضد أنظمة القمع وفلسطين حاضر في كل مظاهرة أو مسيرة يخرجون فيها؟!

الشراكة السياسية في أي نظام سياسي يكون متاحا للجميع على قاعدة الثوابت والقيم الوطنية التي يتفق عليها أبناء الوطن الواحد، وفي الحالة الفلسطينية ما هو الثابت الذي بقي ولم تتنازل عنه حركة فتح وسلطتها، أين هو الكفاح المسلح الذي أطلقته فتح؟ اين هي فلسطين من بحرها لنهرها؟ أين هي محاربة الاستعمار والصهيونية التي دفع آلاف من أبناء فتح دماءهم؟!

ونحن نتحدث عن مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني لا بد ان نتساءل عن المشاركين في صنعه او الداعين له، هل يصنع المشروع الوطني من يعتبر مقاومة المحتل عبثا، وتاريخ طويل من المقاومة الملحمية خرابا ووبالا، وهل يصنعه من يسارع إلى مصالحة عدوه ويتلكأ ويماطل في مصالحة شريكه في الدم ورفيقه في السلاح؟!

يا سادة نحن لا ندعو إلى إقصاء أحد من أي حراك وطني حقيقي ينهي الاحتلال ويعيد الحق لأصحابه، اذ أثبتت التجربة أن العمل على الميدان وطني يتسع للجميع، وضربت أروع الأمثلة في وحدة الصف خلال مقاومة الاحتلال في الانتفاضتين الأولى والثانية والعداونين الاخيرين على غزة، ولكن بالضرورة نحن ندعو لاقصاء من يسعى لشرعنة الاحتلال، وتثبيت أركانه تحت مسميات متطلبات السلام والتنسيق الأمني وإرداة المجتمع الدولي!

الكرة الآن في ملعب الفصائل الفلسطينية، والتي احسنت اذ خرجت في اعقاب استئناف جلسات التفاوض بين السلطة والكيان وأعلنت موقفا رافضا لها، غير أن هذا الموقف لا يكفي ان لم يقترن بخطوات عملية، إذ لا بد من الوصول إلى صيغة جديدة تنهي احتكار حركة فتح للقرار الفلسطيني من خلال تصعيد الخطاب السياسي ضد كل المفرطين وصولا لإطار جامع للعمل الوطني، يمكن لحركة فتح الانضواء تحت مظلته إذا عادت لرشدها ولما قامت عليه أصلا من أفكار وقيم وطنية نبيلة.

لم يعد مقبولا ان تواصل حركة فتح العبث بمصير الشعب الفلسطيني والمتاجرة بدماء أبنائه بمباركة من فصائل مجهرية تنافقها بحثا عن مكاسب شخصية وفئوية تضمن استمراريتها في المشهد السياسي الفلسطيني بعد ان نفد رصيدها الوطني والنضالي منذ عقود.

التغير المتسارع في المنطقة، والتطورات المتلاحقة في العالم ومحاوره، كل هذا يفرض على الفلسطينيين عامة وفصائلهم الحية خاصة الالتقاء على الثوابت الواضحة، والعمل سويا للوصول إلى مشروع وطني شامل وجامع يعيد للقضية الفلسطينية بريقها وحضورها، كما يفرض على البعض الفلسطيني ايضا الخروج من قمقم "الرصاصة الأولى" التي حولّها الورثة إلى ديكور مكون من شرطي بهرواة و علم ونصف كرسي في المحافل الدولية، ظنا منهم أن الدولة قد قامت والتحرير قد تحقق!.