القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

مشكلة "حماس" مع مصر سياسية

مشكلة "حماس" مع مصر سياسية

بقلم: علي جرادات

دفع الفلسطينيون، على مدار عقود، ثمناً باهظاً كي يكتشفوا كمْ هو ضروري لقضيتهم ألا يكونوا، (طوعاً أو قسراً)، جزءاً من المشكلات العربية الداخلية، سواء كانت بين مكونات قُطر بعينه أو بين قُطرين أو أكثر. والشواهد كثيرة بدءاً من الأردن مروراً بلبنان تعريجاً على الكويت والعراق، وانتهاء بما يجري في سوريا هذه الأيام.

وفي مصر اليوم يتبدى، (في الظاهر)، أن علاقة حركة "حماس” بمصر الدولة بعد ثورة 25 يناير وصعود جماعة "الإخوان” إلى سدة الحكم على ما يرام. فثمة تسهيلات أُدخلت على معبر رفح. وهنالك زيارات سياسية، عدا الأمنية المعهودة، تتوالى، وتبشر، بما يصدر عنها من تصريحات متفائلة، بميلاد عهد جديد مختلف نوعياً عما كانت عليه الحال في عهد النظام السابق. أما في الباطن فإن الأمور ليست كذلك. فموضوع "حماس”، دخل عملياً على خط أزمة الصراع السياسي الدائر بين سلطة "الإخوان” وقوى المعارضة بمشاربها المتنوعة. ولا يهم ما إذا كانت "حماس” قد دخلت على هذا الخط حقاً وطوعاً أو أُدخلت فيه زوراً وقسراً. المهم أنها صارت على صفيحه الساخن.

فالصحافة وأجهزة الإعلام المصرية ما انفكت تتهم "حماس” بالتعاطي مع الأزمة السياسية المصرية الداخلية من موقع أنها فرع لجماعة "الإخوان المسلمين”، وليس من موقع أنها تنظيم سياسي وطني فلسطيني. حيث تم اتهام بعض عناصرها باقتحام السجون وتحرير بعض قيادات "الإخوان” غداة ثورة 25 يناير، كما اتهمت بالضلوع في تفجير خطوط أنابيب تزويد "إسرائيل” بالغاز المصري، وتدريب شباب "الإخوان”، وعدم ضبط الأنفاق أمام تنقل المجموعات المسلحة من سيناء إلى غزة وبالعكس. وكان أخطر هذه الاتهامات اتهام عناصر من ""كتائب القسام” بالضلوع في "مذبحة رفح” التي راح ضحيتها 16 جندياً مصرياً. تنفي قيادة "حماس” جميع هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، وتتهم بقايا النظام السابق وأدواته الإعلامية بفبركتها للإيقاع بين الحركة والجيش المصري والقيادة السياسية المصرية الجديدة.

على أية حال، صحيح أنه لا يمكن التيقن من صحة هذه الاتهامات بالمعنى الأمني للكلمة إلا عن طريق أحكام قضائية تتلو تحقيقات رسمية جارية مطلوب البت فيها بأعلى قدرٍ من الشفافية بعد أن تحولت إلى قضية رأي عام مصري وفلسطيني وعربي، لكن من الصحيح أيضاً رؤية ما أفضت إليه هذه الاتهامات من مشكلة سياسية ينبغي على قيادة "حماس” معالجتها وعدم الاكتفاء بمعالجة بعدها الأمني الصرف، للأسباب الأساسية التالية:

* أولاً: إن الانعكاسات السلبية لهذه الاتهامات لا تصيب "حماس” التنظيم و”السلطة”، فحسب، بل تصيب فلسطينيي غزة، والشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، أيضاً.

* ثانياً: إن هذه المشكلة بهذه التداعيات والانعكاسات السلبية لا يمكن فصلها عما تخطط له "إسرائيل” وتنفذه في السياسة والأمن تجاه قطاع غزة الذي تحاصره وتتحكم بصورة أساسية في لعبته.

* ثالثاً: لعله في عداد السذاجة السياسية الاعتقاد أن بالإمكان حل هذه المشكلة أو التقليل من تداعياتها من دون إنهاء الانقسام الجيو سياسي بين غزة والضفة.

* رابعاً: إن هذه المشكلة، شاءت قيادة "حماس” أو أبت، هي تفريع لانحدار الحركة من جماعة "الإخوان المسلمين”، خاصة بعد انكشاف مدى تفرد جماعة "الإخوان” بسلطة ما بعد ثورة 25 يناير وميلها لإقصاء بقية ألوان المجتمع السياسي والمدني المصري، إذ ثمة دلالة سياسية لدخول أطراف من الحركة الوطنية المصرية على خط الاتهامات الإعلامية الموجهة ل”حماس”، علماً بأن هذه الأطراف كانت، ولا تزال، الأكثر جدية في تبني القضية الفلسطينية ودعمها، بل، وكان لها، ولا يزال، موقف وطني واضح وحازم من ضرورة رفع الحصار عن غزة رغم خلافها واختلافها الفكري مع حركة "حماس”.

* خامسا: إن هذه المشكلة هي واحدة من تجليات موقف سلطة "الإخوان” في مصر من القضية الفلسطينية والصراع العربي "الإسرائيلي” عموماً، كموقف يعيد، وربما بصورة أسوأ، موقف النظام المصري السابق ذاته، سواء لناحية الخضوع للشروط "الإسرائيلية” كما كرسها الملحق الأمني لمعاهدة كامب ديفيد، أو لناحية التبعية السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة كراعٍ لهذه المعاهدة. وهو ما يفسر خيبة أمل قيادة حركة "حماس” التي ظنت أن تولي جماعة "الإخوان” سلطة الدولة المصرية سيفضي، (تلقائياً وسريعاً)، إلى تبني موقف مختلف على الأقل تجاه حصار غزة.

* سادساً: أن هذه المشكلة غير مفصولة عن حسابات قيادة "حماس” الخاطئة تجاه التحولات العاصفة في أكثر من قُطرٍ عربي، حيث استعجلت، أو استعجل أحد أجنحتها، تغيير تحالفاتها السياسية العربية والإقليمية ارتباطاً بموقف جماعة "الإخوان المسلمين” من هذه التحولات.

* سابعاً: إن نفور الحركة الوطنية المصرية من جماعة "الإخوان المسلمين” لا يرتبط فقط بسلوكها الاستحواذي hلإقصائي بعد تسلمها السلطة، إنما أيضاً بموقف الجماعة السلبي من قضايا الاستقلال الوطني والقومي، وبإنكارها الأيديولوجي لمنجزات هذه الحركة على هذا الصعيد، خاصة في تجربتها الناصرية التي لم يكتف "الإخوان” مناصبتها العداء، بل ووقفوا إلى جانب خصومها أيضاً. إن انخراط فرع الجماعة الفلسطيني منذ العام 1988 في عملية النضال ضد الاحتلال، وإن بعد تأخرٍ لعقود، هو ما أفضى إلى ارتفاع أسهم هذا الفرع الذي صار اسمه "حماس” عند الحركة الوطنية المصرية، بل وعند شعوب الأمة وحركاتها الوطنية بمشاربها الفكرية القومية واليسارية والليبرالية.

قصارى القول: إن رصيد "حماس” كتنظيم فلسطيني مقاوم عند الحركة الوطنية المصرية هو اليوم عرضة للتراجع إذا لم تميز قيادة الحركة مواقفها عن مواقف سلطة جماعة "الإخوان المسلمين”، سواء لناحية موقف الأخيرة من الصراع العربي "الإسرائيلي”، وجوهره القضية الفلسطينية، كموقف جاء نسخة طبق الأصل عن موقف النظام المصري السابق، أو لناحية موقفها الاستحواذي ألإقصائي كسلطة تولت السلطة باسم، وعلى أكتاف، ثورة شعبية، أو لناحية موقفها الداعي إلى تدخل حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة في شؤون أكثر من انتفاضة عربية. هذا ما ينبغي على قيادة حركة "حماس” أن تدركه وتتصرف على أساسه. فمشكلتها مع الحركة الوطنية المصرية هي مشكلة يختلط فيها الأمني بالسياسي، بل ويمكن أن تمتد إلى خارج مصر، بحسبان أن للاستقطاب الفكري السياسي الدائر فيها امتداداته العربية.

المصدر: الخليج، الشارقة