«مشكلة لاجئين» بدلاً من «حق العودة»!
بقلم: أنطـوان شلحـت
من المتوقع أن يعقد في الصيف الحالي، بمبادرة من وزارة الخارجية الإسرائيلية وبالتعاون مع منظمات يهودية متعددة في إسرائيل والعالم، مؤتمر دولي يتم تخصيصه لموضوع «اللاجئين اليهود من الدول العربية»، ويهدف إلى بلورة برنامج بشأن إثارة قضية هؤلاء اللاجئين اليهود في أي إطار للتفاوض السلمي، سواء تم إجراؤه مع الفلسطينيين، أو مع الدول العربية.
وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية قد عقدت في مطلع شهر نيسان/ أبريل 2012 مؤتمراً خاصاً برئاسة نائب وزير الخارجية داني أيالون، قدمت فيه لأول مرة تقريراً خاصاً صادراً عنها بعنوان «اللاجئون اليهود من الدول العربية»، وحضره مندوبون عن منظمات اليهود من سكان الدول العربية سابقاً.
وافتتح أيالون المؤتمر بخطاب أكد فيه ضرورة الاعتراف بـ «ما طال اليهود من إجحاف تاريخي وتشويه للعدالة من جانب الدول العربية ابتداء من سنة 1948». وخاطب أيالون جامعة الدول العربية على نحو مباشر في مناسبة مرور عشرة أعوام على إطلاق مبادرة السلام العربية، مطالباً إياها «بأن تعترف بذنبها التاريخي، وأن تتحمل المسؤولية عن طرد اليهود من الدول العربية، الأمر الذي أدى إلى تحويلهم لاجئين، وبأن تعترف في الوقت ذاته بالمسؤولية عن نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين جراء شنها الحرب على إسرائيل». وأضاف إن مسألة تعويض اللاجئين اليهود من الدول العربية ستكون جزءاً لا يتجزأ من أي مفاوضات أو تسوية سياسية في المستقبل، وسوف يرتكز التعويض المالي على مبادئ «صندوق كلينتون» من سنة 2000، والتي سيتم وفقاً لها تعويض اللاجئين اليهود والفلسطينيين، وكذلك الدول التي قامت باستيعابهم، مثل إسرائيل والأردن. وأوضح أن إسرائيل سوف تصرّ على دمج اللاجئين الفلسطينيين في الدولة الفلسطينية لدى قيامها، تماماً كما تم استيعاب اللاجئين اليهود في إسرائيل.
وتحضيرًا لهذا المؤتمر الدولي عمّمت وزارة الخارجية الإسرائيلية مذكرة قالت فيها إنه «حتى يومنا هذا يعاني اللاجئون اليهود من الدول العربية والإسلامية من إجحاف بحقهم، إذ تم إهمال حقوق ملكيتهم والعدالة التي يستحقونها. وخلال مختلف أنواع المساعي التي تم بذلها والمباحثات التي تم إجراؤها سعياً وراء السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، صرف المفاوضون أنظارهم عن عنصر مهم من عناصر النزاع العربي الإسرائيلي، وهو تهجير نحو 850 ألفا من اليهود الذين كانوا مقيمين في الدول العربية وفقدان ممتلكاتهم والمتاعب التي واجهوها عند هجرتهم إلى إسرائيل واستيعابهم فيها».
وأضافت: «إن ما يقارب نصف مواطني إسرائيل اليوم، بمن فيهم ذريتهم، قادمون من بلدان عربية، وعليه فإن محاولة حل النزاع عبر مسيرة سياسية لا بد من أن يتم استئنافها يوما ما في المستقبل، يجب أن تتطرق إلى هذه القضية بإسهاب، لتدفعها إلى الواجهة وتتعامل معها من جميع الزوايا والنواحي».
ممتلكات مزعومة
وادعت هذه المذكرة أن الممتلكات التي فقدها هؤلاء اللاجئون اليهود تشكل أهم جوانب هذا الموضوع، حيث قدرت دراسة إسرائيلية تم إجراؤها سنة 2008 نسبة الممتلكات اليهودية المفقودة في الدول العربية مقارنة بالممتلكات التي فقدها اللاجئون الفلسطينيون بما يقارب 1:2، حيث أن القيمة الإجمالية لما فقده الفلسطينيون بلغت نحو 450 مليون دولار (ما يعادل 3,9 مليار دولار بالأسعار الحالية)، بينما فقد اللاجئون اليهود ممتلكات بلغت قيمتها الإجمالية 700 مليون دولار (وهو ما يعادل نحو 6 مليارات من الدولارات بالأسعار الحالية).
واتهمت المذكرة الدول العربية تحت قيادة الجامعة العربية بتكريس مشكلة اللاجئين الفلسطينيين (باستثناء الأردن الذي منح المواطنة إلى سكانه الفلسطينيين)، وذلك بخلاف ما فعلته إسرائيل، حيث دمجت اللاجئين اليهود وضمنت إعادة تأهيلهم.
وأضافت إن ما كرّس أيضاً مشكلة اللاجئين كان ما أقدم عليه النظام الدولي من إنشاء وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين العرب في الشرق الأوسط وتشغيلهم (الأونروا)، من دون تخويلها إيجاد الحلول المستدامة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وبمقتضى المعايير التي وضعتها الأمم المتحدة بالنسبة لتعريف اللاجئ، فإن اللاجئين اليهود يعتبرون لاجئين بكل معنى الكلمة، وحين تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 242 في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 لم يتم التمييز بين اللاجئين الفلسطينيين واليهود، غير أن اللاجئين الفلسطينيين أصبح مركزهم كلاجئين مكرساً، فيما أقبل اللاجئون اليهود من الدول العربية «على بناء حياة جديدة لأنفسهم».
موضوع قديم - متجدّد
مع أن وزارة الخارجية الإسرائيلية الحالية تتولى مهمة دفع هذا الموضوع ضمن الدبلوماسية الحكومية والعامة، وفي شتى الساحات الإعلامية، إلا أن «قضية اللاجئين اليهود في الشرق الأوسط» ثارت في سبعينيات القرن الفائت، حين تم إنشاء أول منظمة متعلقة بالقضية هي «المنظمة العالمية لليهود المتحدرين من البلدان العربية» (ووجاك)، والتي ظلت ناشطة حتى سنة 1999. وقد بادر إلى تأسيسها «الزعيم» اليهودي العراقي مردخاي بن بورات، وهو عضو كنيست ووزير إسرائيلي سابق من حزب «مباي» ولاحقًا من حزب «رافي» (أسسه دافيد بن - غوريون بعد انشقاقه عن «مباي»)، سوية مع «شخصيات جماهيرية» من «وزنه الثقيل» من يهود المغرب وتونس وسورية والعراق. وقد ترأس بن بورات هذه المنظمة إلى جانب المليونير اليهودي العراقي ليئون تمان المقيم في لندن.
وفي مرحلة لاحقة تم تأسيس منظمة «العدالة من أجل اليهود المتحدرين من البلدان العربية»، والتي قامت في وقت قريب من موعد انعقاد مؤتمر أنابوليس (في خريف 2007) بالكشف عن وثائق للأمم المتحدة «تثبت أن دول الجامعة العربية وضعت وطبقت برنامجاً منهجياً لقمع اليهود في الدول العربية واضطهادهم عقب تأسيس دولة إسرائيل». وطالبت هذه المنظمة في ضوء ذلك بالاعتراف بمئات آلاف اليهود لاجئين، تماماً كما يُعترف بالفلسطينيين لاجئين.
وخلال محادثات كامب ديفيد سنة 2000، أعلن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون أنه في حال التوصل إلى اتفاق، سيتم إنشاء صندوق دولي لتعويض اللاجئين العرب واللاجئين اليهود من الدول العربية على حد سواء. وتبنى مجلس النواب الأميركي اقتراح الرئيس كلينتون في نيسان/ أبريل 2008، ضمن قرار يقضي بوجوب الاعتراف باللاجئين اليهود كلاجئين بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي وجوب إنشاء صندوق دولي لتعويض اللاجئين اليهود والفلسطينيين عن فقدان ممتلكاتهم. وقضى قرار مجلس النواب هذا، الذي عرف بقرار مجلس النواب رقم 185، بعدم حل قضية لاجئين واحدة من دون حل مشكلة اللاجئين الثانية في الوقت نفسه. ورغم ذلك تم الإلقاء به جانباً، ليبقى على هامش الخطاب الدولي. وفي العاشر من شباط/ فبراير 2010، نالت القضية اعترافاً داخلياً في إسرائيل، حيث قام الكنيست بسن «قانون الحفاظ على حق تعويض اللاجئين اليهود من الدول العربية وإيران». ويدعم القانون ضمان حقوق اليهود اللاجئين من الدول العربية، إذ يقضي بالتزام دولة إسرائيل بضمان شمول أي مفاوضات سلمية في الشرق الأوسط لمسألة تعويض اللاجئين اليهود أيضاً. وقبل ذلك تمّ إنشاء «الصندوق القومي لتعويض اليهود» برئاسة (الوزير السابق في حكومة إيهود أولمرت) رافي إيتان، وذلك ضمن أنشطة وزارة شؤون المتقاعدين، التي أنيطت بها مهمة تقديم المشورة للحكومة ورئيسها في قضية التعويض.
وأشار إيتان إلى أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، التي تولت لاحقًا رئاسة حزب كاديما، كانت أعربت عن رفضها طرح هذه المقاربة على أعتاب انعقاد مؤتمر أنابوليس، غير أنها «عادت وأعلنت تبنيها لضرورة طرحها». وبناء على ذلك لمحت مذكرة صادرة عن وزارة الخارجية الإسرائيلية بالتزامن مع انعقاد مؤتمر أنابوليس إلى هذا الموضوع حين ذكرت أن القرار الأممي رقم 194 استعمـل المصطلح العام «لاجئين» وليس مصطلح «لاجئين عرب». و«لذلك - أضافت - يشير القرار إلى جميع اللاجئين، من اليهود ومن العرب. ومن الجدير بالذكر أنه في إثر إقامة دولة إسرائيل في سنة 1948 أُجبر عدد مساوٍ، على الأقل، من السكان اليهود في الدول العربية ومن السكان العرب في إسرائيل على أن يصبحوا لاجئين»!
ثلاث نظريات
يشير أحد الباحثين الإسرائيليين النقديين إلى أن «الإنجاز الأبرز» لمنظمة «ووجاك»، خلال سنوات عملها المذكورة، تمثل في «صوغ ثلاث نظريات سياسية كبيرة» (من حيث كونها عظيمة الأهمية بالنسبة لإسرائيل وأيديولوجيتها الصهيونية):
النظرية الأولى ادعت بأقدمية الكيان اليهودي، قوميةً ودينًا، في منطقة الشرق الأوسط؛
النظرية الثانية أكدت أن تبادلاً سكانيًا بين لاجئين عرب ولاجئين يهود في الشرق الأوسط قد حدث فعلاً ويمكن الاستفادة منه في أي وقت؛
النظرية الثالثة أقرّت بأنه عقب تبادل السكان المذكور يمكن، في الوقت الحالي، تبني الادعاء بشأن الموازنة (أو التعويض) في الممتلكات بين اللاجئين العرب واللاجئين اليهود.
وعن أهمية هذه النظريات الثلاث كتب الباحث نفسه قائلاً: «إن هذه النظريات، التي تمت صياغتها في أواسط السبعينيات من القرن العشرين الفائت، أخذت مفعولاً مضاعفًا عقب اتفاق السلام مع مصر وبدء النقاش بشأن اللاجئين الفلسطينيين. وعلى أساسها، وفقًا لما اعتقده أعضاء إدارة المنظمة، في وسع دولة إسرائيل أن تدّعي من جهة أولى أن هناك حقوقاً شرعية لليهود في أرض إسرائيل (أقدمية الكيان اليهودي)، وأن ترفض من جهة ثانية المطلب الفلسطيني بحق العودة (تبادل السكان تمّ فعلاً)، وكذلك أن ترفض من جهة ثالثة المطلب بشأن التعويض عن الممتلكات الفلسطينية التي صادرها القيّم العام لدولة إسرائيل (موازنة الممتلكات)».
ويعتبر ألبرت بابوشدو، رئيس الغرفة التجارية والصناعية الإسرائيلية - المصرية، وهو يهوديّ من أصل مصريّ، من أبرز الشخصيات اليهودية ذات الأصل العربي التي تنخرط حاليًا في طرح هذا الموضوع.
وقد نشر بابوشدو في الآونة الأخيرة مقالات عدة بهذا الشأن في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أكد في سياقها أنّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وجدت حلاً عمليًا في أثناء نشوئها. وأوضح كيفية حدوث ذلك بالقول: «صحيح أن سبعمئة ألف لاجئ فلسطيني اضطروا إلى مغادرة بيوتهم في سنة 1948، وهذا أمر لا خلاف عليه، لكننا نميل إلى أن ننسى ونقلل من أهمية حادثة تاريخية أخرى لا تقل رعبًا هي أنه في تلك الفترة اضطر مليون ونصف مليون يهودي من مواطني الدول العربية إلى مغادرة بيوتهم. وأنا واحد من هؤلاء اللاجئين، وقد أحببت بيتي في مصر لا أقل مما أحب اللاجئ الفلسطيني بيته في يافا. ولقد حلّت المشكلة من خلال تبادل السكان وتبادل المعاناة، فاللاجئون الفلسطينيون عانوا الأمرين ونحن عانينا كذلك، وحان الوقت لإغلاق ملف الماضي والنظر قدمًا نحو المستقبل».
وفي رأيه لا تجوز «إعادة العجلة إلى الوراء»، أي لا تنبغي إعادة اللاجئين إلى أماكنهم وإيجاد مشكلات جديدة أكبر من المشكلات القديمة كثيرًا. ويجب أن يبقى اللاجئون اليهود والفلسطينيون في أماكن إقامتهم، لكن ينبغي دفع تعويضات لهم وتمكينهم من فتح صفحة جديدة في حياتهم ونسيان أوجاع الماضي.
لعلّ الأمر الأهم في كل التفصيلات الواردة أعلاه هو الدلالة التي تكمن فيها، والتي من شأنها أن تحيل إلى واقع أن جميع هذه التحركات والمبادرات مشدودة برباط وثيق إلى جذر أساسي واحد، هو رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهذا الرفض يشكل محل إجماع لدى اليمين واليسار والوسط في إسرائيل.
وللعلم فإن يوسي بيلين، وهو أحد أبرز رموز «اليسار الصهيوني» المؤيد لـ «التسوية السلمية» بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، سبق أن طالب في سنة 2002 بأن تنتقل المفاوضات السياسية بين الجانبين في هذا الشأن من التمحور حول «حق العودة» إلى التمحور حول «مشكلة اللاجئين».
ولا يُخفى على أحد أن الهدف من وراء مطالبة بيلين هذه هو هدف سياسي بعيد المدى أولاً وقبل أي شيء، ويعكس الإصرار الإسرائيلي على رفض الاعتراف بأن للفلسطينيين حقًا في وطنهم الذي اغتصب ولا يزال يغتصب.
* مدير وحدة « المشهد» الاسرائيلي في مركز مدار ـ عكا.
المصدر: السفير