مصالحة فتح وحماس: الثانية ثابتة؟
للمرة الثانية توقِّع كل من فتح وحماس اتفاقية لإنهاء الانقسام بينهما؛ فبعد اتفاقية مكة، جاءت اتفاقية القاهرة. لكن كيف تلقّى أبناء المخيمات هذه المصالحة بعد كل التحركات التي قامت تحت شعار «الشعب يريد إنهاء الانقسام»؟
قاسم س. قاسم - الأخبار
«عاجل»، يلمع الأحمر على شاشة الجزيرة القطرية. ينتقل البث المباشر إلى المؤتمر الصحافي الذي كان يعقده القياديان الفلسطينيان، عزام الأحمد عن حركة فتح، وموسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. في المؤتمر، يعلن الرجلان أن الحركتين وقعتا بالأحرف الأولى الورقة المصرية التي تعلن إنهاء حالة الانقسام السياسي التي يعاني المجتمع الفلسطيني تبعاتها منذ قرابة أربع سنوات. تقول في نفسك: فلأخرج لأرى المخيم. تتخيل العشرات يخرجون محتفلين بتحقق الأمنية التي تجمع بين أهل الشتات والداخل. تسير في المخيم. لا أحد.
لم يخرج الفلسطينيون في مسيرات عفوية للاحتفال، كما لم يطلقوا رصاص الابتهاج. في أحد مقاهي مخيم البرج، تجلس مجموعة من الشبان المؤيدين لحركة «فتح» يتابعون المؤتمر. «إيش عمّال يصير، خلص تصالحوا؟»، يسأل محمود معطي صديقه، ثم ينهال على الحاضرين بوابل من قصف تعليقاته العشوائي: «شو كان مانعهم إذا الأمور بهالبساطة؟»، أو «يعني حماس ستكون عضواً في منظمة التحرير؟ طيب هالمصالحة مزبوطة أم أنها شكلية من أجل الانتخابات التشريعية والرئاسية؟». هي أزمة ثقة الشارع بالقيادات. أزمة لم تخفف وثائق ويكيليكس من حدتها، لا بل زادتها. الجميع كان كأن على رؤوسهم الطير وهم يتابعون وقائع المؤتمر. «إيش مالكم ساكتين، حدا يجاوبني» يقول معطي مستفزاً. يرد عليه محمد عمر بهدوء: «من كان يمنع عقد المصالحة خلعه الشعب المصري، لم يعد هناك رجل اسمه حسني مبارك. فهمت؟». يقتنع معطي بردّ عمر. لكن الأخير يبدي قلقه على استمرار المصالحة. «للصراحة لست متفائلاً، وخصوصاً أنه في المرة الأخيرة التي تصالحوا فيها على مشارف الكعبة، حتى قدسية المكان لم تلزم أياً منهما بما وقّعاه»، يقول عمر.
وأزمة الثقة بين «حماس» و«فتح»، وبينهما وبين الناس، لم تكن منعكسة والحمد لله على الأرض. على الأقل، ليس بنحو كبير؛ إذ طوال فترة الانقسام لم يقع أي نوع من الاشتباكات المسلحة بين أبناء الحركتين في المخيمات، ولم يكن الجار الحمساوي يخاصم جاره أو أخاه الفتحاوي كما هي الحال في قطاع غزة مثلاً. أما جلّ ما عاشه فلسطينيو لبنان جراء الانقسام، فكان على الصعيدين السياسي والمطلبي. فخلال حملة المطالبة بالحقوق المدنية والاجتماعية، كانت كل من فتح وحماس والجمعيات التي تدور في فلكيهما، تعقد المؤتمرات كل على حدة. أما المصالحة الحقيقية بين الحركتين، التي سبقت المصالحة في مصر، فكانت قد فرضتها عليهما الحرب التي وقعت في مخيم نهر البارد. فالفصيلان كانا قد شاركا في لجنة موحدة لمتابعة عملية إعادة إعمار المخيم مع الأونروا ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني.
الطرفان كانا قد اتفقا على وضع الخلافات جانباً وتوحيد صفوفهما للتفاوض والتنسيق مع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني والأونروا. وكانت حركة حماس قد عرضت مسبقاً على فتح تأليف لجنة موحدة منهما من أجل التنسيق على الصعيدين السياسي والشعبي في المخيمات، إلا أن هذا الطلب رد عليه السفير السابق عباس زكي معتذراً «بسبب الظروف التي أملتها عليه التطورات»، كما يقول ياسر عزام مسؤول مكتب شؤون اللاجئين في حماس
لذلك، إن من يتجول في مخيم شاتيلا لا يشعر بفارق ما بعد إجراء المصالحة. هنا ليس للصلح مطرح؛ لأنه لم يكن فعلياً للانقسام «مطرح». ومع ذلك، فهم يعلمون أن إنهاء الانقسام سينعكس على القضايا الكبيرة التي تهمهم، مع أن معظمهم لا يصدقون أن الانقسام انتهى. «تعوّدنا، على حالة الاستنفار والاتهامات المتبادلة بين الفصيلين، لكن للصراحة كانت مفاجأة جميلة أن يعلنا اتفاقهما لنا على أمل أن يدوم الوفاق»، يقول الصيدلي الذي رفض الكشف عن اسمه، لأسباب تتعلق بمهنته غداة إعلان الاتفاق. في صيدليته داخل المخيم، يشرح الرجل سبب مخاوفه على عدم استمرار هذه المصالحة. «إسرائيل بدأت تحشد جهودها لإسقاطه، مهددة أبو مازن، طالبة منه الاختيار بين حماس وبين السلام معها»، يقول. يسحب الرجل من بين أوراقه صحيفة، ويقول: «انظر العنوان الرئيسي، نتنياهو يخيّر أبو مازن بينه وبين حماس، ويجب علينا أن ننتظر إذا كان أبو مازن سيرضخ لضغوط إسرائيل»، يقول. لم يكن أبو مازن قد رد بعد على نتنياهو بتخييره بين الاستيطان والسلام حين قال ذلك.
إعلان المصالحة أعطى شحنة تفاؤل لأبناء مخيم شاتيلا؛ إذ يمكن «حماس أن تشتغل بالعسكر، أي المقاومة، ويمكن المنظمة أن تفاوض الإسرائيلي»، يقول أحمد ابن الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين. يضع الرجل الأربعيني بندقيته على ركبتيه، يتذكر الأيام الخوالي عندما كان «أبو عمار يفاوض الإسرائيلي ويطلب من حماس أن تنفذ عملياتها في أراضي الـ48 ليضغط على إسرائيل في المفاوضات»، يقول الرجل. أحمد يأمل أن تنعكس عملية المصالحة على المخيمات مباشرة. فمن المطلوب توحيد عمل اللجان الشعبية إذا كانت حماس والفصائل المنضوية تحت تحالف القوى الفلسطينية ستنضم إلى منظمة التحرير بعد انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني. هكذا، لن يعود هناك «لجنتان في كل مخيم، واحدة لمنظمة التحرير، وواحدة لتحالف القوى»، يقول الرجل. أما في مخيم مار إلياس، أصغر المخيمات الفلسطينية في بيروت وأهدئها، فلا يختلف الجو العام عن باقي المخيمات. الجميع هنا يتفق على أن المصالحة كانت مفاجئة. فبالنسبة إلى رفعت المصري، الصدمة التي سببها توقيع المصالحة مطابقة «للبنانيين عندما زار سعد الحريري سوريا»، يقولها الشاب ضاحكاً. «تخيل سنوات وأنت على خصام مع طرف سياسي، ثم فجأة تتصالح معه». يسحب الشاب علبة سجائره، يشعل واحدة منها ليعلّق ساخراً: «هذه هي المرة الثانية التي يتصالح فيها الطرفان، ويا خيي ما بدنا لا يختلفوا بعد ولا نقول الثالثة ثابتة. قول انشالله».