القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

مصالحة فلسطينية أم مساكنة اضطرارية؟

مصالحة فلسطينية أم مساكنة اضطرارية؟


بقلم: عامر راشد

درجت العادة، في الساحة الفلسطينية، على عودة الحديث عن المصالحة الداخلية على أبواب الانتخابات الإسرائيلية، أو في أعقاب فشل جولة من جولات المفاوضات مع إسرائيل، أو بعد حرب عدوانية من حروب الجيش الإسرائيلي على الفلسطينيين. وجرياً على تلك العادة، أطلقت، قبل أيام، مبادرة جديدة للمصالحة، بالإعلان عن تشكيل وفد من منظمة التحرير الفلسطينية، وقرب توجهه إلى قطاع غزة، للتباحث مع قيادة حركة حماس، بغية تفعيل ما يعرف بـ"اتفاق الشاطئ"، الموقع بين حركتي فتح وحماس في غزة في مايو/أيار 2014، والذي انبثقت عنه، في يونيو/حزيران من العام نفسه، حكومة التوافق، برئاسة رامي الحمد الله، وكان هذا البند اليتيم المنفَّذ من الاتفاق، ووضعت بقية البنود على رف الخلاف القديم- المتجدد.

ومعروف أنه تلت تشكيل الحكومة حملة اتهامات متبادلة ومريرة بين الحركتين، هدأت مؤقتاً بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في يوليو/تموز العام الماضي، قبل أن تعود الحملة على نحو أشرس، على خلفية ملف موظفي السلطة في القطاع بعد عام 2007، الذين اعتمدتهم حكومة حماس، برئاسة إسماعيل هنية، وكذلك ملف إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية، حيث رفضت حماس، ومعها غالبية الفصائل الفلسطينية، الاتفاق الثلاثي بين حكومة السلطة وحكومة نتنياهو، والأمم المتحدة، بوساطة مبعوث المنظمة الدولية إلى الشرق الأوسط، روبرت سيري.

في الملف الأول، امتنعت حكومة السلطة في رام الله عن رصد موازنات لتغطية رواتب من وظفتهم حكومة هنية، وهذا يضع مصير آلاف الموظفين في المجهول. ويؤخذ على حكومة السلطة، في الملف الثاني، أنها وافقت على شروط إسرائيلية مجحفة، بفرض آلية رقابة أمنية مشددة على دخول مواد الإعمار، تتحكم بها إسرائيل، التي ما زالت تعطل البدء بمباشرة عملية الإعمار.

مهمة وفد منظمة التحرير، الذي أعلن عن تشكيله، أخيراً، مناقشة هذين الملفين الملحين، بالإضافة إلى مناقشة بنود عديدة عالقة في اتفاق المصالحة. وفي كل القضايا المذكورة، لن يكون من السهل الخروج سريعاً بحلول وافية، تشق طريقها للتنفيذ، وكان لافتاً الجدل حول ما يمثله الوفد، فبعض الأصوات من داخل السلطة وحركة فتح وصفته بأنه يمثل فصائل داخل منظمة التحرير، وليس المنظمة ككل، والأمر يعدو التلاعب على حبال المصطلحات، لأنه ينتقص من الصفة التمثيلية للوفد والصلاحيات المخولة له، على الرغم من أن كل الفصائل الرئيسية، بما فيها حركة فتح، تشارك في عضويته، وهو انتقاص يدخل في حسابات الاستعداد المبدئي للالتزام بما ستتمخض عنه مباحثات الوفد مع قيادة حركة حماس، والحفاظ على خط رجعة، مغبة الاصطدام مع الولايات المتحدة وإسرائيل، مما قد يعيدنا إلى الاستخدام الوظيفي التكتيكي لدعوات المصالحة على امتداد الفترة السابقة منذ عام 1999، حيث جرت أول مباحثات من هذا النوع في القاهرة.

بمعنى آخر، إن عوده الحديث عن المصالحة الداخلية، في هذا الوقت بالذات، وثيق الصلة بالانتخابات الإسرائيلية العامة الشهر المقبل، وبالعملية التفاوضية المجمدة بقرار من واشنطن، بانتظار نتائج هذه الانتخابات، وفشل حكومة رامي الحمد الله في إنجاز أية خطوة على صعيد إعمار قطاع غزة، والتحذيرات المتزايدة من اندلاع مواجهة عسكرية جديدة.

تكتيك واستخدام وظيفي بات مكشوفاً، لكثرة استخدامه من رئاسة السلطة الفلسطينية، لم ينتج عنه شيء، ولن ينتج عنه هذه المرَّة، أيضاً، وصار مدعاة للإحباط والتندر في الشارع الفلسطيني، لأنه، كما يقال في المثل الشعبي، "يغمس خارج الصحن".

موضوعياً، لا يمكن الحديث عن مصالحة داخلية فلسطينية ناجزة، إلا إذا أزيلت العقبات التي تحول دونها، وفي مقدمتها الخلافات الكبيرة في الرؤية السياسية، التي انعكست، على الدوام، في كيفية إدارة رئاسة السلطة الفلسطينية العملية التفاوضية مع إسرائيل، من دون مرجعية أو رقابة وطنية فلسطينية شاملة. ودفع الفلسطينيون ثمناً باهظاً لاستفراد فريق بعينه بالقرار السياسي والتفاوضي، خلافاً لرأي غالبية الفلسطينيين، فصائل وقوى وفعاليات مجتمعية.

والمسألة الثانية تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وتطويرها، بصفتها التمثيلية والقيادية والكيانية الجامعة لكل مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية، ولكل الفلسطينيين في الداخل ومخيمات وتجمعات اللجوء في الخارج، مع ما يتطلبه ذلك من إصلاحات هيكلية، لاستيعاب حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وفقاً لإعلان القاهرة الموقع في القاهرة، في مارس/آذار 2005.

ويرتبط بهذه المسألة ضبط العلاقة بين مؤسسات منظمة التحرير ونظيرتها في السلطة الفلسطينية، لوقف عملية إزاحة مؤسسات الأولى لحساب الثانية، حيث أصبحت منظمة التحرير أشبه ما تكون بمجرد يافطة في النظام السياسي الفلسطيني بعد اتفاقيات أوسلو.

المسألة الثالثة إجراء انتخابات مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لتجديد شرعيتها الدستورية، فالمجلس الوطني الفلسطيني منتهي الصلاحية، منذ نحو 30 عاماً، ولا أحد يعرف عضويته الحقيقية، باعتراف رئيسه، سليم الزعنون، في مقابلة له، أخيراً، مع قناة العربية، وتبعاً لذلك المجلس المركزي واللجنة التنفيذية للمنظمة خارج نطاق الصلاحية الدستورية. وانتهت ولاية الرئيس محمود عباس عام 2009، كما انتهت ولاية المجلس التشريعي للسلطة عام 2010، بما يطعن بشرعية النظام السياسي الفلسطيني بمجمله.

بالإضافة إلى حل القضايا الأخرى العالقة، والتي سيكون حلها سهلاً نسبياً بالتوافق على الشق السياسي، وتفعيل وتطوير منظمة التحرير، وإجراء الانتخابات، غير أنه لا مؤشرات على وجود إرادة للعمل بهذا الاتجاه، وثمة خشية مشروعة من أن تؤول المبادرة الجديدة إلى ما آلت إليه سابقتها، وأن يكون الحديث يقتصر على مساكنة تكتيكية اضطرارية، وليس عن مصالحة حقيقية.

المصدر: العربي الجديد