مصر تشهد تباعد المصالحة بين حماس وفتح
د. عدنان أبو عامر
الأسابيع
الأخيرة شهدت اتهامات متبادلة بين الفصيلَين الأكبر حجماً على الساحة الفلسطينيّة
فتح وحماس، تقول بتدخّل كلّ منهما في النزاع المصري، في وقت يحتسب كل واحد منهما
على طرف بعينه: فتح بجانب العسكر، وحماس مع الرئيس المعزول محمّد مرسي، حيث انتقدت
الأولى التغطية التلفزيونيّة للفضائيات والصحف والمواقع الإخباريّة العاملة ضمن
الماكينة الإعلاميّة للأخيرة، واعتبرتها منحازة للإخوان المسلمين، إذ تبثّ
الاعتصامات التي ينفذونها واستضافة رموزهم، ما يعني رفضها للانقلاب الذي حصل.
لكن
حماس أعلنت أن الرئيس محمود عباس حمل معه في زيارته الأخيرة لمصر، اتهامات ضدّها
نقلها للسلطات هناك لتوجيه اتّهام جنائي ضدّ عناصرها بالتورّط في الأحداث الدامية
التي شهدتها مدن مصريّة، بما في ذلك جريمة قتل الجنود المصريّين في آب/أغسطس 2012،
والتي لقيت أصداء مؤلمة في الشارعَين الفلسطيني والمصري.
وبعد
أن جاء اتهام حماس لفتح بالتورّط في الشأن المصري، ليس من خلال التصريحات
الإعلاميّة والسلوك السياسي فحسب، بل بالانخراط الميداني والعملياتي، سواء في ما
بين المصريّين أنفسهم لخلط الأوراق الداخليّة ضدّ الإخوان المسلمين، أو لجمع دلائل
وحياكة روايات وفبركة أخبار صحفيّة تدين حماس، وتثبت تورّطها، عبر قنبلة من العيار
الثقيل فجّرتها حماس في الأيام الأخيرة، عبر وثائق حصلت عليها، أظهرت وجود
"خليّة أمنيّة إعلاميّة" في السفارة الفلسطينيّة بالقاهرة، تقوم بعمليّة
"شيطنة" حماس لدى المصريّين وتقدّم بلاغات جنائيّة وقضائيّة ضدّ
عناصرها.
تضمّنت
الوثائق المذكورة أسماء قيادات فتحاويّة وأمنيّة كبيرة، ويمكن تقسيم المهام التي
كلّفت بها هذه اللجنة من خلال التدقيق في الوثائق، إلى أقسام عدّة: أوّلها صياغة
أخبار إعلاميّة وأنباء صحفيّة تتّهم حماس بتنفيذ أعمال تخريب داخل مصر، واتهام
عناصر كتائب القسام الجناح العسكري للحركة بحماية المرشد العام للإخوان المسلمين
الدكتور محمد بديع، ليتبيّن في النهاية أن الأسماء المعلنة موجودة في غزّة ولم
تغادرها إطلاقاً.
وقد
نفى نائب رئيس المكتب السياسي لحماس د. موسى أبو مرزوق ذلك، مشدّداً على أن
الفلسطينيّين بعيدون عن التدخّل في الشأن المصري، ونافياً وجود أيّ حمساوي أو
قسّامي في ميدان رابعة العدويّة وبقيّة ميادين مصر.
وقد
أشارت بعض المصادر المطّلعة في غزّة أن الأجهزة الأمنيّة تملك أدلّة إضافيّة لم
تعلن عنها بعد، بينها اعترافات مصوّرة لبعض كوادر فتح المتورّطين بهذه الوثائق، ما
سيضع حداً لأيّ إنكار تعلنه الحركة، ولذلك طالبت حماس بتشكيل لجنة تحقيق تضمّ
الفصائل والخبراء القانونيّين والأمنيّين لتأكيد صدقيّة الوثائق، وقد أعلنت فتح
موافقتها على ذلك، مما اعتبرته أوساط في حماس تغيّراً إيجابياً، وجعلها تطلب من
عبّاس حلّ "اللجنة الأمنيّة الإعلاميّة" باعتبارها خطوة مطلوبة لإعادة
العلاقات الفلسطينيّة الداخلية إلى نصابها الصحيح.
لكن
اللافت بتبادل الاتهامات هذه المرّة، عدم لجوء حماس لرفع سقفها ضدّ فتح، باتّهام
الحركة كلها، كما لم تطل عبّاس نفسه، بل دعته للتحقيق في الأمر، ووعدت بإرسال نسخة
كاملة من الوثائق إليه، لكن الأمر لم يكن عفوياً من قبل حماس لأنها تسعى للحفاظ
على خيط رفيع يبقي على العلاقة مع فتح، وعدم قطع كلّ صلة بها، لما سيكون له من
آثار سلبيّة على مستقبل المصالحة الداخليّة بينهما.
وبالتالي
فإن المصالحة اليوم تبدو أبعد من أي وقت مضى، في ظلّ مستجدَّين اثنَين على الساحة
السياسيّة: أوّلهما تحوّل مصر حسب ما يبدو لطرف مناهض لحماس، باعتبارها أحد أجنحة
الإخوان المسلمين في ظلّ الاتهامات الأخيرة لها، وثانيهما انطلاق المفاوضات
السياسيّة بين السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل، ما يعني بالضرورة الابتعاد عن حماس
تلقائياً، لأن التجربة التاريخيّة علّمت الفلسطينيّين أن المفاوضات والمصالحة
خطّان متوازيان لا يتلقيان!
لكن
ما يصيب الفلسطينيّين اليوم بالحزن، هو وضع مصر، فبعد أن كانت تشهد بين حين وآخر
مباحثات المصالحة بين الحركتَين، واتفاقهما على أن يكون هذا الملف في عهدة
المصريّين دون غيرهم، تحولّت القاهرة بين ليلة وضحاها إلى مادة للخلاف الكبير بين
الأشقاء الفلسطينيّين المتخاصمين، وبدلاً من أن تشهد حوارات جديدة للمصالحة
بينهما، تحوّلت نفسها بؤرة جديدة للخلاف، ما يعني أننا ابتعدنا أكثر من أي وقت مضى
عن المصالحة
فلسطين أون لاين، 11/8/2013