مصر و"حماس".. والخطر القادم
من الشرق
بقلم: أحمد الحيلة*
عاد النظام من جديد ليتهم حركة المقاومة
الإسلامية (حماس) بالضلوع في زعزعة الاستقرار داخل مصر، بتحميلها المسؤولية المشتركة
مع الإخوان المسلمين عن عملية الاغتيال للنائب العام "هشام بركات" والتي
وقعت في حزيران/يونيو من العام المنصرم.
من المعلوم أن العلاقة بين القاهرة و"حماس"
شهدت محطات عديدة من التوتر، ساهمت فيها الأجهزة الأمنية، والقضاء، والإعلام المصري
بشكل مكثّف، عبر اتهام الحركة بالمسؤولية عن أزمة الكهرباء، ونقص الغاز وارتفاع أسعار
النفط، وتضخم العملة المصرية، والاضطرابات الأمنية في سيناء والقاهرة..، إلى حد شيطنة
الأموات والأسرى؛ أمثال الشهيد أحمد الجعبري والأسير حسن سلامة، واتهامهما بالتخطيط
للانقلاب على النظام المصري.
فهل هذه الموجة الجديدة من الاتهامات مجرد
"تكتيك" إعلامي يراد منه الهروب إلى الأمام من الأزمات الأمنية المتفاقمة
في سيناء والقاهرة، وفشل الحكومة المصرية في إدارة شؤون مواطنيها الاقتصادية والخدمية..،
بإشغال الرأي العام المصري بعدو مفترض بدلاً من التركيز على مشاكله الداخلية؟
قد يكون ذلك قياساً على تجارب سابقة؛ ففي
عهد الرئيس مبارك اتُّهمت حركة "حماس"بالمسؤولية عن تفجير كنيسة القديسين
في الاسكندرية 2011م والذي راح ضحيته نحو 120 مصرياً بين قتيل وجريح، وثبت لاحقاً أن
وزارة الداخلية برئاسة حبيب العادلي كانت المخطط والمنفذ له لأغراض سياسية.
مع أهمية هذا السيناريو (أي البحث عن عدو
خارجي للتغطية على الأزمات الداخلية) إلا أنه لا بد من التنويه إلى مجموعة من الإشارات
والمواقف المتزامنة مع اتهامات الحكومة المصرية لحماس باغتيال النائب العام..،ومنها
على سبيل المثال:
* تصريح السفير الإسرائيلي لدى القاهرة
"حاييم كوربين" قبل عدة أيام لهيئة الإذاعة البريطانية بأنه بات طبيعياً
أن تتعاون الدولتان (مصر و"إسرائيل") في كل القطاعات ذات المجال المشترك
لأن "العدو الأول والأساس أمام مصر هو الإرهاب متمثلاً في حركة المقاومة الإسلامية
حماس، وتنظيم الدولة في سيناء..".
* تأكيد حركة "فتح" أنها تساند
مصر في أي إجراء عقابي ضد "حماس" بعد ضلوعها في اغتيال النائب العام هشام
بركات. وهنا نود التذكير بتصريح جبريل الرجوب الشهير نهاية شباط/فبراير الماضي عندما
أكد أن "حركة فتح ستتخذ قرارات حاسمة لإعادة السيطرة على غزة بالقوة، ولن تكون
هناك لقاءات جديدة بين حركتي فتح وحماس لإنهاء الانقسام".
* إشارة وزير الداخلية المصري "عبد
الغفار" في مؤتمره الصحفي إلى أن عملية الاغتيال "تمّت بأوامر من قيادات
الإخوان المحظورة التي تعيش في تركيا.."؛ تؤكد سعي مصر لتحجيم الدور التركي في
القضية الفلسطينية بوسمها راعية "للإرهاب". وليس مستبعداً أن الموقف المصري
المعترض والمدعوم من حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية، كان أحد أسباب تعثر
المفاوضات بين "تل ابيب" وأنقرة الشهر الماضي، عندما حاولت الأخيرة رفع الحصار
عن غزة كشرط لاستعادة العلاقات السياسية الطبيعية بين البلدين.
* إغلاق معبر رفح، وإغراق الأنفاق بالمياه
العادمة، وإخلاء الشريط الحدودي مع قطاع غزة من السكان بعمق 500 متر كحد أدنى، والتواجد
العسكري والأمني الكثيف في سيناء..، يعكس وجود سياسات وخطط حاكمة للعلاقة مع قطاع غزة.
تلك الملاحظات، وإن كانت تتصل بتشديد الحصار
الشامل، وخلق "عدو"وهمي يتمثل في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"،
لصرف النظر عن الأزمات الداخلية التي بواجهها النظام المصري، إلا أنها تثير الريبة،
وتفتح الشهية لعرض المزيد من الأسئلة.
فهل اتهام الداخلية المصرية لحماس هو رسالة
اعتراض من تيار نافذ، على جهود تُبذل لتخفيف الاحتقان بين النظام المصري والحركة، بخلطه
الأوراق من جديد لتخريب أية إمكانية لحدوث انفراجة في العلاقة بينهما؟
أم أن الأمر يأخذ منحى تصعيدياً، للتدخل
"عسكرياً "، بتحريض من السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، بذريعة الرد
على اغتيال النائب العام وحماية الأمن القومي المصري من الخطر القادم من الشرق؟
الأيام القادمة كفيلة بكشف مسار الأحداث،
ومستقبل العلاقة بين القاهرة و"حماس" الساعية بدورها لتفكيك حقل الألغام
مع النظام المصري المتقلّب بين التصعيد وإدارة الأزمة بمعايير قاسية لا تخدم القضية
الفلسطينية في المدى المنظور.
*كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام